صنعاء نيوز/ امين محمد حطيط- البناء- بيروت -
امين محمد حطيط- البناء- بيروت - 2022-8-23
https://www.al-binaa.com/archives/346897
كما كنا نردد دائما نكرر اليوم بان ترسيم الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة شكل ملفا قل نظيره من حيث ما حفل به من أخطاء وتخبط وارتباك على الصعيد اللبناني، سلوك كان الأسوأ فيه انتقال لبنان في تداول هذا الملف من دائرة الحق الذي يحدده القانون وتحميه القوة القانونية والميدانية المتنوعة، الى دائرة المصلحة المظنونة التي ترسم اطرها السياسة والعلاقات مع أميركا وذهنية الممكن،
و بين الحق المتخلى عن اسسه ، و المصلحة المظنونة المتمسك بخيوط اوهامها سجل سيل من التنازلات من قبل المفاوض اللبناني في مقابل مزيد من التشدد و الابتزاز من قبل إسرائيل تنازل و تشدد ، تنازل لحظ في المرسوم ٦٤٣٣ ٢٠١١ الذي اعتمدته حكومة نجيب ميقاتي دون أي حجة او مسوغ قانوني يستند اليه ثم كان خلو اتفاق لاطار الذي توصل اليه الرئيس نبيه بري مع الوسيط اللبناني خلوه من أي إشارة الي قانون البحار و اتفاقية بوليه نيوكمب التي ترسم الحدود بين لبنان و فلسطين ، و اتفاقية الهدنة التي تؤكد علي خط الحدود المكرس بهذه الاتفاقية ، ثم كان الاذعان اللبناني للسلوك الاميركي الإسرائيلي عندما انسحب الطرفان من مفاوضات الناقورة غير المباشرة و اطاحا باتفاقية الاطار التي افتتحت المفاوضات غير المباشرة في الناقورة على أساسها فاذعن لبنان لانسحابهم و ارتضى بديلا تفاوضيا يتمثل بالوساطة المكوكية التي يقوم بها الاميركي بين لبنان و إسرائيل ، وساطة احتاط الأميركي و الإسرائيلي لها فامتنعا عن تقديم أي عرض او جواب خطي فيها و اقتصر الامر على عروض و إجابات و ردود شفهية ملتبسة لا يمكن ان تشكل موقفا حاسما يبنى اليه .
لقد تمكنت إسرائيل حتى الان من حصاد الكثير من المكاسب التي تحقق لها مصالح لا يتيحها القانون باي حال و في المقابل خسر لبنان الكثير من أوراق قوته التي كان استعمالها سيفضي بكل تأكيد الي تحديد حقوقه و صيانتها بما يضمنه القانون و الأعراف و الاجتهاد القضائي الدولي و في هذا المجال خسر لبنان فرصة التمسك بالخط ٢٩ ، و فاوض على الخط ٢٣ و منح إسرائيل فرصة ذهبية بإخراج حقل كاريش و كامل المنطقة بين خط ٢٣ و ٢٩ ، اخراجهما من دائرة النزاع و اسقط لبنان بذلك عمليا مفاعيل الرسالة الهامة جدا الي اودعها الامم المتحدة و عممت بتاريخ ٢٢٢٠٢٢ و اعتبر فيها حقل كاريش و كامل المنطقة شمال الخط ٢٩ منطقة نزاع لا يحق لأي من الطرفين العمل فيها قبل بت النزاع حولها ، تنازلات تضاف الي ما اشرنا اليه من خلو اتفاقية الاطار من الإشارة الى المرجعيات القانونية و الحقوقية التي يجب ان يستند الترسيم اليها ،
ورغم هذا السيل من التنازل تستمر إسرائيل على عادتها بعملية القضم وتطالب بالمزيد، لا بل تتصرف كعادتها أيضا على أساس ان أي إقرار من قبلها للبنان بجزء او شيء من حقه، يعتبر تنازلا مؤلما لا تستطيع القيام به، وتدعي انها في موقف حرج قبل الانتخابات النيابية لا يمكن لحكومة انتقالية يخوض معظم مكوناتها الانتخابات، لا يمكنها المجازفة "بالتنازل " خشية ان يرتد عليها ذلك سلبا في الانتخابات.
وعليه نرى ان اميركا وإسرائيل السعيدتان في تقليب الملف على أسلس نظرية "خذ وطالب" ليستا في وارد الاستعجال للدخول في اتفاق بحري مع لبنان في هذه المرحلة بالذات، وهما تراوغان مع اعتماد سياسة التخدير ويجدان في البنان من يستجيب لأمصال التخدير الاميركي- الإسرائيلي اما خوفا من اميركا واما تقاطع مصالح معها واما سذاجة وسطحية او عملا بمنطق الممكن كما يزعمون، حيث نرى ان اميركا وإسرائيل وبعض الداخل اللبناني لا يرون مصلحة لهم في الترسيم الان للأسباب التالية:
1) يتناقض الحل اليوم في مفاعيله الاقتصادية مع سياسة الحرب و الحصار الاقتصادي الذي تمارسه اميركا ضد لبنان ، هذه الحرب التي استهدفت المقاومة ولم تحقق أهدافها على صعيد المقاومة ، و كان الشعب اللبناني بكل طوائفه و شرائحه هو الضحية اما المقاومة بذاتها فقد بقيت الي حد بعيد بمنأى عن المفاعيل السلبية لتلك الحرب و اكبر دليل على ذلك ما تمخضت عنه الانتخابات النيابية الأخيرة التي صنفت فيها المقاومة الرابح الأكبر ، و ان حل مشكلة الترسيم و فتح الباب امام عمليات التنقيب و الاستخراج سيشكل رافعة للاقتصاد اللبناني ليست اميركا اليوم جاهزة للقبول بها ،
2) يتناقض الحل واجراء الترسيم اليوم وخلال ما تبقى من ولاية العماد عون في رئاسة الجمهورية مع السياسة المعلنة والمعتمدة من قبل بعض الداخل والخارج لجهة اظهار عهد عون عهدا خاضوا من أي انجاز وطني والتأكيد على ان الفشل هو سمة هذا العهد وكما ان اللبنانيين حرموا من الكهرباء ومن أموالهم وألصق الامر بفشل سياسة التيار الوطني فانهم سيحرمون من الغاز والنفط حتى لا يعطى العماد عون فرصة تسجيل حل الترسيم باسمه.
3) ان النجاح في الوصول الى حل يجري الترسيم بمقتضاه لحفظ ما تبقى من مصالح لبنانية بعد سيل التنازلات التي قامت بها الدولة، ان هذا النجاح سيسجل في خانة المقاومة التي تملك الان ورقة القوة الوحيدة التي يستطيع لبنان المواجهة بها الامر الذي يتناقض مع سياسة بعض الداخل والخارج الرامية لإظهار المقاومة عنصرا سلبيا في لبنان يهدر حقوقه ومصالحه وليس العكس ولذلك ستتجنب هذه القوى الدخول في أي حل يفسر بان المقاومة هي من نجح في فرضه وانتزاع الحقوق اللبنانية وحمايتها.
4) يراهن بعض من في الداخل والخارج على حقبة ما بعد ٣١١٠٢٠٢٢ ودخول لبنان في فراغ رئاسي سيملؤه نجيب ميقاتي بحكومته ويمارس فيه الحكم بشبه أحادية لا يواجهه فيها احد مستعيذا أسلوب السنيورة في إدارة البلاد في ظل خلو سدة الرئاسة، و الكل يعلم مدى مصلحة ميقاتي في استرضاء الخارج حفاظا على مصالحه و أمواله.
لكل هذه الأسباب ولخلفيات أخرى نقتصد في ذكرها فإننا نستبعد ان تحل مسالة ترسيم الحدود البحرية خلال ال ٦٧ يوما المتبقية من ولاية الرئيس عون ونتوقع ان تستمر المماطلة والتسويف الاميركي والإسرائيلي في هذا المجال خاصة وان وقف إسرائيل لعمليات التنقيب والاستخراج من حقل كاريش لمدة شهرين ليست مؤلمة لها بالمقدار الذي يجعلها تسعى الى الحل ولذلك لن تستعجل حلا ليست مضطرة اليه.
وفي المقابل فان لبنان الذي لم يوقع حتى الان على وثيقة يستفاد منها التنازل النهائي عن حقوقه، بإمكانه ان ينقذ بعضا من مصالحه من خلال ما يلي:
أ) منح مهلة نهائية تنتهي في ٤ أيلول المقبل للوسيط الاميركي يكون لبنان بعدها في حل من أي عرض او التزام سابق في مسالة الترسيم،
ب) في حال انصرام المهلة دون تقدم وحل، يكون على لبنان نفض الغبار عن الخط ٢٩ وتعديل المرسوم ٦٤٣٣ ٢٠١١ على أساسه.
ت) إعادة تفعيل رسالة لبنان الى الامم المتحدة واعتبار المنطقة ما بين الخطين ٢٣ و٢٩ منطقة نزاع لا يجوز لاحد العمل بها،
ث) دعوة الشركات الأجنبية للعمل في البلوكات اللبنانية خارج مناطق النزاع وفسخ العقد مع الشركة التي تتلكأ.
ج) في حال تدخلت إسرائيل او اميركا لمنع لبنان من التنقيب خارج مناطق النزاع يكون على لبنان ان يقوم بما يحق له ميدانيا لمنع إسرائيل من العمل أيضا خارج حقل كاريش.
ان وضع هذه التدابير موضع التنفيذ بحاجة الي القوة التي لا بد منها والتي توفرها المقاومة وأعلن سيدها جهوزيتها لذلك، فاذا اضطرت المقاومة لشهر سلاحها او استعماله فأننا نكون امان واحد من المسارات التااية:
1) الاول رضوخ اميركا وإسرائيل وتراجعهما عن سياسة المماطلة وتقديم حل يرضى به لبنان قبل اخر أيلول.
2) الثاني تدخل المقاومة ميدانيا وتجميد إسرائيل لأعمال التنقيب في الشهرين المقبلين واعادة إطلاق عملية التفاوض المكوكي بعد مغادرة العماد عون قصر بعبدا.
3) الثالث رد إسرائيل على المقاومة في حال تدخلها والمواجهة لأيام قتالية وفقا للمصطلح الإسرائيلي ثم تجميد العمل على جانبي الحدود الى ما بعد تشرين الاول وبعده العودة الى التفاوض فالحل.
ويبقى في الذهن مساران لا نرى ان درجات تحققهما مرتفعة لكن يبقى التذكير بهما مفيدا الاول عدم تدخل المقاومة واستمرار سياسة المماطلة والتسويف الاميركي الإسرائيلي وضياع الحق اللبناني والثاني انفجار الوضع في الجنوب بشكل واسع والذهاب الى حرب تسميها إسرائيل "حرب لبنان الثالثة”. وكلا الاحتمالين مستبعد الآن في نظرنا،
العميد د. أمين محمد حطيط
|