صنعاء نيوزأحمد ختّاوي - إبلُ تطأ المشارف بمزارع بوسمغون ولاية البيض بالجزائر ، تأتي على الأخضر واليابس ،إبلُ تسوقها الرياح من أقصى الجنوب ، يسوقها البحث عن الكلأ والأرض والمجاورة بها قحط وجفاف وبور ،،، من مهب العرق الغربي تجيء ، من تندوف أو أدرار أو المنيعة أو من منطقة الطوارق بأقصى الجنوب الجزائري ،هكذا يقولون / موسومة بالسنام والفأل، هكذا يقول مربوها الغائبون ، يسوقها الله إلى البراري والمراعي ، وتسوقها أقدامها إلى وأد كل نبتة وشجرة ، لا ترحم أكمام الرمان ولا المشمش ولا ما رزق الله أهل بوسمغون من فاكهة ورمان ، وأكمام ذات احمرار كوجنتي طفلة مدللة , يسوقها الممشى إلى المزارع ، توقع ألحانها على وقع الأرض اليباب ، على لسان الشاعر الانجليزي الكبير ت.س ، إليوت
وعلى أنغام خطواتها إيقاع الجرس الموسيقي وقد استقى منها المهلهل نغم الشعر كما هو معروف
وقفت أمام ناقة دفواء " طويلة العنق " وأخرى دوسرة " صلبة شديدة"
,وأخرى عرمس "كثيرة اللحم سمينة"
قلت لصديقي صاحب المزرعة الذي وقف على أشلاء محصوله وقد أضحى هشيما، ألا تأذن لي يا صديقي أن أنحر هذه الناقة العرمس ، أشوي لحمها وكبدها كناية فيها كما فعلت "هند " في غزوة أحد لكبد سيدنا حمزة ، قلت ذلك مازحا لصديقي مدير التكميلية ،حتى تستريح من كيدها ،
قال صديقي المربي ، أتصلُ بك الضغينة يا أخي أحمد إلى هذا الحد
هذه إبل الله ، ساقها الله إلى أرض الله ، تأكل مما تشتهي ، الرزق على الله ،
قلت / اشكوها لسلطات الأمر والنهي ، أو السلطات المحلية وقد التهمت كل محاصيلك ، الرمان والأشجار والتفاح والمشمش ،
قال مبتسما : هذا قدر الله ،
قال / أنا عضو بالمجلس الشعبي البلدي ببوسمغون ، لا نشكوها، بقدر ما
ندعو بالسلامة لمحاصيل أخرى ،
قلت هي ذي حادثة الأوس والخزرج ،
قال : الحادثة تختلف ، نجانا الله من هولها ومكرها ، الثلاثي الأخير فقط كنت أدرت بالمتوسطة ندوة للتلاميذ حول هذه الواقعة، يقول المدير
لم أجد عربون وفاء وعرفان إلا أن انحنيت إكبارا وإجلالا لهذا السلوك الحضاري الرفيع ،
قاطعني الأستاذ المدير ، سلوكنا حضاري وسيظل ، وما أنت إلا عابر منطقة
قلت أنا منها ومن صلبها ، اسمح لي إن أفضيت بهذا مازحا ،
قال : وأنا أيضا أمزح ، ناولني حبة جزر حمراء ، غسلها بالماء بل بالوضوء " بفتح الواو الأولى والوضوء الماء الطاهر ، قال صديقي الأستاذ مصطفى ، وهذا اسمه / اقضمها يا أحمد ، ففيها بركة مما تبقى الجزر يقوي البصر ويساعد على رؤية جيدة،
قضمتها على بركة الله ، فمسحت بناظري براري الله ، وهاهي قوافل أخرى من الإبل على مرمى حجر من المزرعة
قال مصطفى : أما هذه فأصدها ،
قلت دعني حتى أستلهم منها صورة إبداعية ، أنا مثلك مرهف الحس ، لا أملك سوى حروفي ووجداني المرهف ،
لكن دعني أخي مصطفى أسألك
ناقة دوسرة بمعنى صلبة ، لا تعدو كونها كلمة أمازيغية ، و"دوسرة '' عربية قحة ، أو عامية خليجية ، ألا تكونون يا أهل بوسمغون ، أهل هذه المزارع تنحدرون من قبائل عربية باليمن ، مثلا قبيلة " حُمير بن سبأ القحطاني "ملوك العرب حيث يقال أن افريقش بن صيفي الحميري قاد جيوشا لفتح إفريقيا و" سعد الكامل " وآخر ملوك حُمير بن ذي يزن ، وأن "حُمير " أول من كسا
الكعبة المشرفة بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو أول من ناصر أبو بكر ، إلى آخر ما يورده ـ التاريخ ، سرعان ، ما استدركت أنني أمام أستاذ التاريخ، قلت عفوا مصطفى ، لكن دعني مرة أسألك / ناقة دوسرة ، في مفهومها العربي تعني " صلبة شديدة، وبالامازيغية في بوسمغون دوسرة بشيء من التحريف ، لعل ذلك بفعل عوامل النطق وقدم الحقب التاريخية ، أن دوسرة تعني بالامازيغية " الكبيرة " او الشيخ الكبير المسن ، تقولون في بوسمغون للعجوز المسنة " تاوسارت " بمعنى مسنة،
ولعل تطابقا خفيفا قد يؤدي نفس المعنى مع اختلاف طفيف في النطق ونحت الحروف ومخارجها ،
رمقت صاحبي مصطفي وهو يبتسم ملء فيه ،حين قال ، وأيضا " فرقش "
بمعنى " ظلف الماعز " أو غيره هي أيضا بالامازيغية " الفرقش "
هبت نسيمات خفيفة على براري الله ،ووراءها
نوق لا تبالي ، وحوار أو هبع " صغير الجمل" تثب كالأرانب، منها "القعود " صغير الجمل ، يسمى بالامازيغية في بوسمغون " أقعود "،
قديما قالت العرب ، وقال حكماؤها في خصال الإبل :
قال حكيم العرب الجاهلي أكثم بن صيفي يوصي العرب بالإبل
لاتضعوا رقاب الإبل في غير حقها فإنها مهر الكريمة ورقو الدم بألبانها يتحف الكبير ويغذي الصغير
وقيل عن الجمل بأنه غيور أنف لا يلقح أمه ولا ينزو على أخته
وقال أهل المزارع في بوسمغون
لنا في الرسول صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، فلا نؤذيها ولا نمسها بسوء بالرغم مما تعيث من فساد في حقولنا ومزارعنا ،فالرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم قال فيها
لا تسبوا الإبل فإن فيها رقوء الدم ومهر الكريمة" بفتح الراء في "رقوء
1 » "
ويقال أيضا أن هذا ليس حديثا ، وإنما جرى على لسان العرب
قال الصغاني: "وليس هو بحديث، إنما هو قول العرب يجرونه مجرى الأمثال. وأصله من قول أكثم بن صيفي في وصية كتب بها إلى طيء، فقال فيها: ولا تضع رقاب الإبل في غير حقها، فإن فيها ثمن الكريمة، ورقوء الدم، وبألبانها يتحف الكبير، ويغذى الصغير، ولو أن الإبل كلفت الطحن لطحنت" التكملة (رقأ) 1/24. وفي التاج (رقأ) 1/71: "وفي شروح الفصيح أنه قول قيس بن عاصم المنقري في وصية ولده". وينظر: الفاخر 262، ومجمع الأمثال 3/96،:
ينظر: نوادر أبي زيد 327، وأبي مسحل 2/445ا
وقالت العرب أيضا:"سكن النزْفُ بالرًّقوء " بفتح الراء وتشديدها، بمعنى
الرقوء المصلح بين الناس،
قال مصطفي الأستاذ وآخرون أصحاب مزارع /
لها الإملاق في أرض بالجوار قاحلة ولها منبت العشب والنماء والكلأء في حقولنا ومزارعنا ومراعينا وديارنا ، فلتنعم بها
قال مزارع كان معنا
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا } الشمس/13،
قلنا في جلبة ، ذاك عين الصواب أخانا ، فقد ذهب كبار العلماء إلى ما تفضلت به منهم الزمخشري
قال هذا العالم اللغوي الكبير الزمخشري في الكشاف { نَاقَةَ للَّهِ } نصب على التحذير، كقولك الأسد الأسد، والصبي الصبي، بإضمار: ذروا أو أحذروا عقرها. "
: و { نَاقَةَ للَّهِ } نصب على التحذير، كقولك الأسد الأسد، والصبي الصبي، بإضمار
: ذروا أو أحذروا عقرها.ٍُ
". "
قال القرطبي في الجامع/
{ هَـذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ
وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
[الأعراف: 73]. { وَسُقْيَاهَا } أي ذروها وشِربَها
قلنا في جلبة
وناقة صالح عليه السلام
قال أستاذنا مصطفى ذاك شأن أخر وحلقة أخرى في موازين سلوكنا لا تعكروا صفو الطبيعة وسلوكنا وسماحتنا ،
ركبنا سيارته التي ذكرتني بسيارة عبد القادر المازيني نشق حقول الشيح ،
إلى بلدة بوسمغون على بعد أربع كيلومترات من المزارع والمشارف
التي التهمتها النوق فأضحت كعصف ماكول ،
ببيت أستاذنا مصطفى المدير والمزارع كنا نتفرج على قناة فضائية كانت تبث أحداث اليمن ، وبمنطقة "تعز" بالخصوص ،
قلت له مازجا
ها هم أهلكم
قال أنت منهم
وأضاف اشرب قهوتك ، فنحن نمنح الطعام لمن نعز
قلت حتى الإبل
قال أجل
قلت / ألا يكون هؤلاء أوس وخزرج
قال بسماحة / ولا هؤلاء
تشاجرت الضغينة والسماحة في خلدي ، في وجداني ، انحنيت مرة ثانية إجلالا وإكبارا لهذا الصفح وهذه السماحة ،قلت موقف حضاري سامي ، جليل ،
إبلُُ تقضم المزارع وقلوب ترأف ، هي ذي قمة السماحةـ والله .
|