صنعاء نيوزتحقيق/صفوان الفائشي -
مختصون: للضوضاء تأثيرات نفسية وعصبية وفسيولوجية كبيرة على النشاط الحيوي والجهاز
لاتزال أمانة العاصمة تواجه مشاكل وتحديات متعددة ومتنوعة إلى جانب تنامي ملوثات البيئة كالمحاريق وسوء تصريف مياه المجاري والسيول والتخلص من النفايات بأنواعها المختلفة وإزالة المخالفات العمرانية ومخلفات البناء إضافةً إلى نسبة كبيرة من الأنشطة والمظاهر العشوائية المشوهة.. وهو ما يستدعي من الجهات المعنية في أمانة العاصمة والجهات ذات العلاقة تحركاً سريعاً وفاعلاً وذلك في سبيل إظهار العاصمة بالمظهر اللائق بها، جراء مالحق بها من استغلال سيئ للأجواء الملبدة والمتوترة التي يشهدها الوطن.
حيث برزت هذه الأيام وبشدة ظاهرة تكاثر وتنامي ورش إصلاح السيارات والمركبات وورش السمكرة واللحام ومحلات تغيير الزيوت ومناشير الأحجار التي تنتشر بالمئات على امتداد شوارع العاصمة بل وداخل الأحياء والتجمعات السكنية.
وقد احتلت هذه الورش واجهات الشوارع الرئيسة والفرعية وداخل الأحياء السكنية وكذلك مناشير الأحجار وجدت نفسها تنخر وجه العاصمة على مرأى ومسمع من الجهات المعنية وأصبحت تمثل تهديداً للمظهر العام للعاصمة ومصدراً لتشويهها والإخلال بالنظافة العامة، ناهيك عما تسببه من مشاكل كبيرة ومخاطر وأضرار جسيمة للنظام وللبيئة وللمواطنين..
مشاكل كبيرة
هذا وتعد ورش تصليح السيارات والسمكرة واللحام ومحلات تغيير الزيوت ومناشير الأحجار التي تنتشر بالمئات على امتداد شوارع العاصمة وداخل الأحياء والتجمعات السكنية إحدى المشاكل الكبيرة التي تعاني منها أمانة العاصمة كما أنها تتسبب في العديد من الأضرار البيئية التي تلحق بالمدينة وبالمواطنين، فواقع الأزمة المرورية التي باتت تعيشها العاصمة صنعاء ـ مثلاًـ وإن كانت لها أسباب متعددة إلا أن الاختناقات المرورية تتركز في الشوارع وخطوط السير المكتظة بالأنشطة العشوائية وفي مقدمتها ورش إصلاح السيارات، والسمكرة واللحام...الخ ...والسبب هو استخدام الأرصفة العامة والشوارع الخاصة بحركة السير المرورية وممارسة أعمال الصيانة للسيارات وأعمال اللحام وغيرها مما يؤدي إلى خلق الاختناقات المرورية وإعاقة حركة السير المرورية والمشاة على حد سواء.
ناهيك عن الاعتداءات التي تتم أحياناً على الأرصفة و الأشجار ?تكسير الأشجار? ،إضافةً إلى أن وقوف السيارات أمام هذه الورش على مدار الساعة وعلى امتداد الأرصفة والشوارع العامة يعيق أعمال النظافة التي يقوم بها العمال في هذه الأرصفة والشوارع وبالتالي عملية تنظيفها ترهق العمال وتحتاج لوقت أطول وحقاً لن يركز العمال على نظافة هذه المواقع ويتركون بقية الشوارع والمساحات الأخرى بدون تنظيف.
أمراض ومضاعفات
أيضاً هناك أضرار بيئية كبيرة تحدثها مناشير الأحجار ومصانع البلك نتيجة النشارة الخاصة بها فهي مصدر رئيس لتلويث الهواء بشكل عام، أما بالنسبة للورش وميكانيك السيارات بالنظر على ما يقوم أصحاب هذه الورش من صب هذه الزيوت ?زيوت السيارات? على الأرض وعلى الأرصفة مما يؤدي إلى تلويث البيئة الأرضية.
وقد أثبتت إحدى الدراسات أن ذرات الحجار الصغيرة الناتجة عن كسارات الأحجار والبلك تكون محددة الأطراف وعندما تدخل الرئة تسبب جروحاً غير مرئية وهي بالتالي قد تسبب السرطان لأي مواطن، بعكس ذرات الغبار وذرات الأتربة التي تأتي دائرية ولا تسبب جروحاً بالرئة وليس لها علاقة بالسرطان..
إزعاج مستمر
كما أن البعض من السكان المجاورين أو الساكنين في العمارات التي تقبع تحتها هذه الورش لايسمعون نداءات سيارات جمع القمامة بسبب ضجيج الورش عند حضورها ويضطرون بالتالي لرميها بعد ذهاب سيارات القمامة خلف هذه السيارات الواقفة أمام ورش السمكرة واللحام على الرصيف ويقوم عمال النظافة برفعها لكنها في الحقيقة منظر غير حضاري يقوم به المواطن ولكنه مضطر والسبب يتحمله أصحاب هذه الورش والجهات المعنية بها التي يفترض عليها تحديد مواقع خارج الأحياء السكنية لهذه الورش والمصانع.
ناهيك عن المخاطر الكارثية المحتملة من هذه الورش (ورش السمكرة) والتي تستخدم اسطوانات الكربون ومولدات بأحجام مختلفة ومعدات متنوعة، الأمر الذي يجعل من حدوث خطأ أو انفجار في إحدى هذه الورش أمراً في غاية الخطورة حيث سيؤدي هذا إلى نسف العمارات المجاورة وتضرر سكانها من المستأجرين ولا نعلم ما المعايير التي يتبعها ملاّك تلك المنازل الذين يؤجرون لأصحاب تلك الورش غير عابئين بالأضرار التي يسببونها للمستأجر الذي لاشك أنه يدفع إيجارات شهرية ومن حقه هو وأبنائه وعائلته الاستمتاع بالهدوء والسكينة بدلاً من..
وإلى جانب هذا وذاك فالمواطن هو المتضرر الوحيد خاصة وإن الكثير ممن يسكنون بقرب هذه المناشير والورش يفقدون طعم الراحة والهدوء والنوم، والأسوأ من ذلك أنها تسبب الخوف والفزع للأطفال ومن سلبيات هذه المرافق أيضاً أنها تشوه منظر أمانة العاصمة وترسم صورة قبيحة لا تقبلها عاصمة اليمن السعيد...
أضرار صحية
وعن الأضرار البيئية التي تسببها مناشير الأحجار وكذلك أضرارها الصحية بالمواطنين من سكان العاصمة يقول الدكتور /محمد الأصبحي ــ مدير صحة البيئة بمكتب الأشغال بالأمانة: إن هذه المناشير تعد واحدة من أخطر مصادر تلوث البيئة كونها تمارس نشاطاً ينتج عنه انبعاث كميات كبيرة من الغبار والأتربة التي تحتوي على مواد سامة لاسيما الغبار الدقيق الذي يتطاير في الهواء ويختلط بمواد وغازات أخرى في الهواء الحيوي فيتحد معها هذا الغبار ويشكل مايسمى بالهباء والذي يمكن مشاهدته كطبقة قاتمة في الهواء وهذا الهباء يشكل خطراً على صحة الناس الذين يستنشقونه مع الهواء فيؤدي إلى أضرار صحية في الصدر والرئتين ويسبب التهابات وضيق التنفس، كما أن احتجاز هذه المناشير لمساحات واسعة من الأراضي وتحويلها إلى أماكن لتجميع الأحجار والنفايات المتطايرة التي تحملها وتنقلها الرياح وتتجمع بالتالي في ساحات المناشير يجعلها مصدراً لتلويث البيئة وتشويه المظهر العام وكل ذلك يؤدي إلى الإضرار بصحة البيئة وصحة المجتمع.
مصادر للضجيج والإزعاج
وبحسب مدير صحة البيئة بالأمانة بأن هذه الورش وغيرها من الورش المهنية والصناعية والمناشير والمصانع المختلفة المنتشرة بشكل كبير وسط المدينة وتحت البنايات السكنية وعلى امتداد الشوارع يصدر عنها ضوضاء ?ضجيج? كبير باتت تخيم وسط الأحياء والمناطق السكنية والشوارع التي توجد بها هذه الورش والمناشير والناتجة عن ضجيج المكائن والآلات الكهربائية التي تستخدمها هذه المناشير في نشاطها والتي تعمل بالطاقة الكهربائية والوقود ويصدر عنها أصوات قوية.
ناهيك عن الأصوات المرتفعة والضجيج الناتج عن الأعمال الأخرى كالسمكرة، كما أن هذه الورش التي تكتظ بها الشوارع معظمها توجد تحت مبانٍ سكنية داخل دكاكين في الدور الأرضي وهي بذلك تسبب ضجيجاً كبيراً بآلاتها ونشاطاتها للأهالي القاطنين داخل المباني التي تقبع تحتها.
وتشير الأبحاث والدراسات المتخصصة في مجال البيئة إلى أن الضجيج الصادر عن بعض هذه الورش يكون عالياً إضافة إلى الإزعاج والضوضاء الصادر عن وسائل النقل الواقعة والمارة من هذه الشوارع خصوصاً أثناء الازدحام والاختناقات المرورية التي تسببها هذه الورش باستخدامها للشوارع والأرصفة وفوق ذلك كله تشكل الازدحامات المرورية في هذه المواقع مصدراً لتلويث البيئة حيث إن نسبة التلوث في الهواء تتركز في المواقع التي تعاني ازدحامات واختناقات مرورية نتيجة ارتفاع نسبة الملوثات الناتجة عن عوادم السيارات والتي تنعكس مباشرة على البيئة والقاطنين بالقرب منها.
الضوضاء وآثارها الصحية
حيث يؤكد العلماء والباحثون المختصون أن الضوضاء يسبب أضراراً جسيمة للأشخاص المعرضين لها خاصة في السمع والجهاز العصبي وما يترتب على ذلك من تأثيرات فسيولوجية أخرى للجسم، فالأطفال والشيوخ والمسنون الذين يعيشون في مناطق مزدحمة صاخبة بالحركة والعمل والتي يصل مستوى الضجيج فيها إلى درجة عالية يكونون عرضة للإصابة بالصمم.
ويمكن حصر بعض مخاطر التلوث بالضوضاء وأضراره الصحية والنفسية على الإنسان في تأثيرات نفسية وعصبية وسمعية فالحالة الأولى تأثيراتها النفسية كبيرة حيث يؤدي ارتفاع شدة الصوت على المعدل الطبيعي في البيئة إلى نقص النشاط الحيوي والإثارة والقلق وعدم الارتياح الداخلي والتوتر والارتباك وعدم الانسجام وقلة التفكير عند الأشخاص الذين يتعرضون للضوضاء أو الضجيج والإزعاج الشديد، فمن الطبيعي أنه كلما اشتد الصوت كان له تأثير سلبي أكبر، كما أن الأصوات الحادة تكون أكثر تأثيراً من الضجيج المستمر على الإنسان وسمعه وأعصابه.
وللضجيج تأثيرات عصبية أيضاً حيث يعكس ذلك على أعضاء الجسم والجهاز العصبي والمخ فيؤدي إلى سرعة نبضات القلب واضطرابات هضمية مما ينتج إصابة بقرحة المعدة والاثنى عشر، كما تتأثر إفرازات الكبد والبنكرياس والأمعاء والغدد الصماء ويؤدي هذه التغير إلى ارتفاع ضغط الدم كما يؤثر الضجيج على السمع بدرجة كبيرة حيث يحدث ضعف في السمع لفترات محدودة وقد يعود إلى حالته الأولى خلال دقائق أو ساعات عند الذين يتعرضون لضوضاء عالية لفترات محدودة داخل المصانع والورش والأماكن المزدحمة والصاخبة بالضجيج، ويحدث أيضاً ضعف مستديم للسمع نتيجة للتعرض اليومي المستمر لضجيج أو ضوضاء عالية، وأخيراً حدوث صمم مستديم للسمع في سماع صوت عالٍ وصداع مفاجئ بالإضافة إلى أن الضجيج يؤثر على الدورة الدموية وعلى العاملين نتيجة الضوضاء العالية والمستمرة.
ويبدو أن الوضع الراهن الذي تشهده البلاد قد منح البعض فرصة لإنجاز مهامه وأعماله وفق الطريقة التي يريدها وإن كانت على حساب راحة وصحة الآخرين، غير عابئ بالذوق العام والسلوك الحضاري الذي ينبغي أن يكون عليه الإنسان، حفاظاً على بيئته وقبل ذلك على صحته، وما نتمناه ألا يستمر هذا الوضع وتبدأ عجلة الإصلاحات في الدوران رغم كل الظروف. |