صنعاء نيوزد/ عادل الشجاع -
في زيارتي الأخيرة إلى عدن وجدت المدينة وكأنها تحتضر يسودها الركود والخوف من المجهول والقلق من عنتريات صبيانية تفتعل مواجهات لتدمير قيم التفاهم المشترك بين الناس وتعكير مناخ التسامح لصالح روايات الجهل والتعصب.
تعطلت الحياة تماماً في المدينة, المطاعم شبه مغلقة والفنادق مقفلة والحياة شبه مشلولة وحفنة من الصبيان ومن ورائهم أناس أدمنوا القتل وقطع الطرق يخولون لأنفسهم حق إصدار الأحكام واختصار مفهوم التغيير في مشاهد متنوعة من الغضب والاحتجاج والاتهام والتشكيك.
صادفت في المقهى رجلاً عجوزاً تبدو تضاريس وجهه أنه عايش ثورة أكتوبر، ويبدو أن الزمن قد حفر على وجهه آثاره. جلست إليه وهو يتطلع إلى وجهي وبادرني بالقول: أنت صحفي ولم ينتظر إجابتي وأسهب بالقول: نحن بحاجة يابني إلى حوارات عقلانية وهادئة.. نحتاج إلى التوقف أمام التحديات التي تواجه هذا الوطن والتعامل معها بمنهج عقلاني يستند إلى كل أدوات المرونة والذكاء والاعتراف بحق الآخر.
إن مطلب التغيير أمر ضروري, ولكن يجب أن يتم تحت رايات الحريات والإنصاف، بعيداً عــن المغالطات أو خلط الأمور.
إن الذين خرجوا في مختلف المدن، طلباً للعدالة والحرية والتغيير يجب ألا يكونوا ضد حرية الآخرين أو مصادرة حقوقهم تحت وطأة الصراخ والعواطف الغاضبة.
وفي اعتقادي أن التحدي الحقيقي الذي كشفتــه الممارسات الأخيرة في تعز وإب وعدن من محاولة إغلاق المدارس بالقوة ومنع الطلاب من تأدية امتحاناتهم واغتصاب أراضٍ مملوكة لأشخاص، كما حدث في عدن ينبغي أن يكون دافعاً لليقظة والانتباه حتى نفشل مناخ الضغائن والأحقاد.
إن المشهد الراهن يجبرنا على ضرورة الاعتراف بأن هناك شيئاً ينبغي التصدي له بقوة، لأن هناك من يريد إبقاء المجتمع اليمني قلقاً ومضطرباً تطحنه الصراعات وتستنزفه الخلافات..
وعاد الرجل العجوز يقارن بين جيلهم وهذا الجيل الفاقد لذاكرته، لأنه لم يقرأ تاريخ بلاده كما يقول.. قال: كنا نحن الثائرين على الظلم والعبودية نبحث عن العدالة والديمقراطية, بينما جيل اليوم يرتد عن الديمقراطية ويرفض الذهاب إلى صناديق الاقتراع ليسلم البلاد لقوى التطرف والإرهاب ومافيا الفساد.. نحتاج يابني إلى لغة وسياسة مختلفة تأخذ بالتغيير إلى الديمقراطية وتأخذ بيد الشعب إلى الاستثمار.
أريد أن أقول بوضوح يابني إن الخوف من التيار الإسلامي عامة ومن الإخوان المسلمين بصفة خاصة، ولاننسى التجربة الإيرانية حينما تحالف الليبراليون مع الإسلاميين وكانت النتيجة هيمنة الإسلاميين وإقصاء الليبراليين. نحن يابني نحتاج إلى كتلة ثالثة وهي بالفعل قد بدأت تتشكل، خاصة وأن الأحزاب السياسية في بلادنا ابتداءً من المؤتمر وانتهاءً بالمعارضة قد شاخت ولاتستطيع مواصلة دورها مالم تجدد من نفسها.
فهي أحزاب بيروقراطية ركزت على توزيع الثروة أكثر من تركيزها على إنتاجها وركزت على السلطة أكثر من الاستعداد لتوزيعها بعملية ديمقراطية. لقد عجزت هذه الأحزاب عن تحقيق عملية تحول جذرية في المجتمع.
وعندما انضمت إلى مطالب التغيير لم تكن من أجل الديمقراطية أو حباً في رخاء الشعب, بل أرادوا اقتسام الكعكة. فالدعوة إلى التغيير والإصلاح لم تحركها قوة المحرومين والمقهورين, بل حركتها أموال المنتفعين من كبار الضباط والمشايخ والمؤدلجين وبعض الدول الإقليمية.
لمــاذا فشلــت ساحـــات الاعتصامات في التغيير؟
أولاً: عجزت هذه الساحات عن توحيد مطالبها، فهناك الحراك الذي يطالب بالانفصال والإخوان المسلمون الذين يريدون خلافة إسلامية، وشباب عاطل، نسبة الأمية فيه أعلى من نسبة المتعلمين، وهناك مشايخ محترفون منتهزون للمناصب السياسية.
ثانياً: انهيار ثقة الشعب في الشباب الذين سمحوا للفاسدين والمنتفعين أن يلتحقوا بهم ولم يعد بمقدور الناس تمييز الشرفاء من الملوثين بالفساد.
ثالثاً: الإفلاس الحقيقي للشباب. فقد خرجوا إلى الساحات لإسقاط الفساد, لكنهم اضطروا للقبول بعلي محسن الأحمر وأولاد الشيخ عبدالله وبعض التجار ورؤساء الأحزاب السياسية, فإن هذا صنع صدمة حقيقية لكل الحالمين «أو الواهمين» بالتغيير.
رابعاً: انصراف قطاع واسع من الشعب عن احتضان ماسمي بالثورة، خاصة وأنها ترفض الديمقراطية، فحميد الأحمر الذي ينادي بإسقاط الرئيس صالح بوصفه رمزاً للفساد، يُعد حميد على رأس قائمة أكبر أثرياء اليمن المتربحين وهناك شكوك حول ثروته الضخمة.
أخيراً: نقول إن الشباب المسلوبي الإرادة والعاملين تحت قواعد السمع والطاعة, والذائبين في حالة من الوجد الصوفي لمجموعة من المشاركين في الفساد في هذا البلد، يصعب عليهم أن يقودوا شعباً نحو الحصول على حقوقه فضلاً عن أن يأخذوا بيده إلى بر الأمان, أو إلى شطآن التقدم والازدهار.
[email protected]