صنعاء نيوزمحمود صالح عودة -
يوم 15.5.2011 شكّل نقطة تحوّل قد تكون الأكبر في تاريخ الصراع مع إسرائيل، إذ بدأ ولأول مرة التطبيق الفعلي لحق العودة المقدّس، ليس منّة من "أمم متحدة" عوراء، وليس لعيون مفاوض فلسطيني متخاذل، بل بإيمان وهمّة وعزيمة أمّة، وشباب فلسطيني لاجئ أبى إلا أن يطبّق حق العودة بجسده، سيرًا على الأقدام من مخيمات اللاجئين نحو فلسطين.
لم يرهب هؤلاء الشباب رصاص الإجرام الصهيوني، فقدّموا أرواحهم الطاهرة ودماءهم الزكيّة لينيروا بها درب العودة والتحرير، وجعلوا ذكرى نكبتهم نكبة استراتيجية لإسرائيل.
إن هذا الحدث التاريخي العظيم جاء بعد أن لاقت الدعوة لانطلاق مسيرات مليونية نحو فلسطين قبولاً واسعًا جدًا في العالم العربي والإسلامي، تمثّلت بانضمام مئات الآلاف إلى الصفحات المختلفة الداعية لثورة اللاجئين/الانتفاضة الفلسطينية الثالثة على الفايسبوك، صفحات تعرّضت لإغلاق وتزوير من إدارة الشبكة، التي تنتهج سياسات مدروسة ومعدّة سلفًا.
بدأت تتحقّق الدعوات على الأرض، فقام العرب والمسلمون في مشرق الأرض ومغربها ليصلّوا الفجر بالملايين في 13 أيار، بعد أن انتشرت دعوات لصلوات فجر مليونية في الأيام التي سبقت موعد الزحف ليتم فيها الدعاء لفلسطين، حيث لوحظ التجاوب الأكبر في مصر.
لكن يوم الزحف كان تعامل الأنظمة في الأردن ومصر مخيبًا للآمال، ولم يكن بالمستوى المطلوب شعبيًا؛ ففي الأردن اعتدت قوّات الأمن بهمجية على الزاحفين نحو الحدود - وكأنها حرس الحدود الإسرائيلي في الأردن - إذ قمعت المحتجين وضربتهم وأعادتهم إلى بيوتهم مشيًا بعد تكسير سياراتهم وحافلاتهم. وهو تصرّف أسقط الادعاء الأردني الرسمي المتمسك بحق العودة ورفض التوطين، وأظهر العكس تمامًا. أما المجلس العسكري والحكومة الحالية في مصر، فأغلقت الأطرقة أمام الشعب ومنعته من الوصول إلى الحدود، مما شكّل خيبة أمل كبيرة للشعبين المصري والفلسطيني. صحيح أن هناك من عارض المسيرة في مصر بدعوى الحفاظ على الثورة، أو خوفًا على أمن الناس وسلامتهم، ولكنها حجج غير مقنعة، إذ إن الشعب المصري الذي أظهر مسؤولية كبيرة خلال ثورته وهو يتعرّض لأخطار جسيمة، كان جديرًا بإظهار مسؤولية أكبر تجاه ثورة فلسطين.
كان حريًا بالمسؤولين الأردنيين والمصريين أن يتعلّموا من وزير الخارجية التركي السيد أحمد داود أوغلو، ويعتبروا من تعامله مع منظمي أسطول الحرية 2 المتجه نحو غزة؛ إذ قال السيد داود أوغلو إنه حذّر المنظمين والمشاركين بالأسطول من الخطر التي قد يواجهونه، ولكنه في ذات الوقت ذكر أنه لا يستطيع منعهم من تحقيق مرادهم، كونهم يعيشون في دولة ديمقراطية الشعب صاحب القرار فيها، وكونهم أعضاء منظمات غير حكومية. ولم يكتف السيد داود أوغلو بذلك، بل وجّه تحذيرًا لإسرائيل من مغبّة الاعتداء على الأسطول القادم. هذا هو التعامل الذي تريده شعوبنا من حكامها، بل هذا هو الأسلوب الذي يجب على أي حاكم في دولة ديمقراطية حقيقية أن يتعامل به مع شعبه، بصفته موظفًا انتُخب ليخدم الشعب.
يوم 15 أيار أظهر مجددًا الغطرسة الإسرائيلية، والازدواجية والعنصرية الإسرائيلية، والهروب الإسرائيلي من التاريخ والمسؤولية. ولكنه أظهر كذلك العجز الإسرائيلي أمام زحف جماهيري سلمي وانتفاضة جماهيرية سلمية، فقد اعترف وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك بذلك.
لقد حطمت انتفاضة العودة المستمرة أسطورة "الكبار يموتون والصغار ينسون"، وكشفت حقيقة "الديمقراطية المستنيرة الوحيدة" في الشرق الأوسط، وأثبتت مرة أخرى، أن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت.
وإن عبور اللاجئين الحدود ودخولهم إلى أرضهم التي هجّروا منها، يؤكّد أننا أمام نهاية النكبة، وبداية العودة.