صنعاء نيوز/ متابعات - صحوت من النوم متأخراً بعض الشيء فلم يعد عندي محاضرات لهذا الفصل الدراسي الذي يوشك على الانتهاء، وكعادة اخبار اليمن، وبحكم فارق التوقيت بين اليمن والعاصمة الكندية أصحو من النوم فاجدها أمامي فتكون كتابتي عنها متأخرة بعض الشيء!
——
رحل عنا اليوم استاذنا جميعاً فيلسوف اليمن الخالد الدكتور ابوبكر السقاف لروحه السلام رحمه الله وطيب ثراه.
رجل عظيم ترك لنا تراثاً فكريا ذاخراً لابد أن نعتني به ونتحدث عنه خاصةً زملاء التخصص في مجال الفلسفة، وأود هنا الحديث عن ابوبكر السقاف الذي عرفت كتلميذ أثناء دراستي في جامعة صنعاء في خضم الحراك الطلابي آنذاك في إطار الحركة الوطنية اليمنية في الجزء الأول من الثمانينات وأذكر اليوم موقفين عزيزين هامين كان لهما أثراً عظيما على كاتب هذه السطور، أولهما حين قابلته وجه لوجه لأول مرة وكانت في زيارة له في منزله في السكن الجامعي القديم حيث كان استقباله لي شديد الجمال والترحيب من جهة ونتج عن الحديث معه فتح أفاق معرفية وفكرية أكثر سعة مما كان في ذهن تلميذ منخرط حينها بقوة في العمل السياسي الطلابي والعام، ومن ذلك اللقاء تعززت عندي فكرة الاستقلال الفكري أو بما يشابه ما نقول عنه اليوم "التفكير خارج الصندوق"، ومدني ذلك بطاقة فكرية عالية كان لها دوراً هاماً فيما سيلحق من أيام وخاصة على صعيد التحصيل العلمي والمعرفي، والموقف الثاني سيكون بعده بعدة سنوات حينما كنت قد انتهيت من الدراسة الجامعية بتفوق وكنت في خضم الصراع مع الأمن الوطني آنذاك بغية التعيين كمعيد في الجامعة والابتعاث إلى أمريكا في الوقت الذي كان لي نشاط فكري جديد مع عدد من الزملاء خارج العمل الحزبي وأخص بالذكر الزملاء علي عبد الفتاح (لا اعرف أين هو الآن) وأمين الشميري ونبيل السروري رحمهما الله ضمن عدد كبير من الزملاء (ارجو أن يعذروا ذاكرتي في هذه اللحظة) بعد خروجي من المعتقل السياسي حيث كان لنا تجمع ثقافي أو فكري ومقيل اسبوعي مفتوح وليس عملاً حزبياً أو سرياً بل كان المخبرين يأتون اليه بين الحين والآخر معتقدين أننا لا نعرفهم، ومع أن نشاطنا لم يكن حزبياً (محرماً في ذلك الوقت) إلا أن الصراع مع أمن الجامعة ومخبريها لم يتوقف والترويع والتهديدات لم تتوقف، وكان استاذنا ابوبكر السقاف من أكبر الداعمين لنا واتذكر جيداً على سبيل المثال موقفاً وكأنه أمامي الآن، موقفاً في ممر الدور الأول في كلية الآداب حين التقينا بالدكتور ابوبكر اثناء مرورنا وهو في الممر صدفةً فتبادلنا اطراف الحديث وشكونا له ما يحدث من قبل المخبرين فقال لنا بصوت واضح وجهوري (اعتقد سمعه كل من كان في الممر) أن لا نخف ولا نكترث لهم ولا نتوقف عن نشاطنا الفكري التقدمي لانهم لا يستطيعون مواجهة الأفكار وأقصى ما يمكن أن يفعلوه هو اعتقال الاجساد وهذا لم ولن يوقف الفكر والتقدم والتاريخ شاهد على ذلك.
لقد كان الفقيد ملجأ لنا ومصدر تثبيت وعزم واصرار على الفكر والمعرفة ضد الجهل والتخلف والاستبداد وكان وجوده في الجامعة بالنسبة لنا أشبه ما يكون بشجرة عظيمة وارفة نتظلل بها كلما دعت الحاجة أو ألم بنا الخوف من الجلادين!
رحم الله استاذنا ومعلمنا الدكتور ابوبكر السقاف وطيب ثراه ورحمنا جميعا معه وبذكره وذكراه وتراثه الفكري العظيم، وخالص العزاء لنا أجمعين!
الأسيف
مصطفى بهران
١٣ ديسمبر ٢٠٢٢ |