صنعاءنيوز / د. سامي خاطر -
تُعدّ إيران الملالي اليوم نفسها القوة الإقليمية الكبرى والمهيمنة ليس في منطقة الخليج والشرق الأوسط فحسب بل في محيطها الإقليمي أيضا، وتقوم عقيدة نظام الملالي العسكرية على نزعة الاستعلاء والتفوق الاستراتيجي الإقليمي، وهذا ما يفسر المناورات العسكرية الإيرانية والاستعراضات المتكررة في مياه الخليج، والتي تُعدُّ بمثابة رسائل تهديدٍ واستفزاز صريحة ومقصودة.
إن مكمن الخطر في العقيدة العسكرية لنظام الملالي هو أنه أصبح يتصرف بمنطق الإمبراطورية، وهذا ما صرح به مستشار الرئيس الإيراني علي يونسي في مارس 2015م، قائلاً: إن «إيران أصبحت إمبراطوريةً كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا، وهو بيتنا اليوم كما كان الحال في الماضي".
كما أظهر أكثر من مسؤول إيراني حدود الإمبراطورية الفارسية بزعمهم انطلاقا من الخليج العربي لتصل إلى البحر المتوسط والبحر الأحمر من خلال السيطرة على العواصم العربية بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء، ولذلك اعتمدت إستراتيجية تجنيد الميليشيات العسكرية وإمدادها بمختلف الأسلحة النوعية والصواريخ وهو ما أضر وسيضر باستقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط برمَّتها، وفي هذا الإطار ينفق الملالي أكثر من 16 مليار دولار سنوياً بموجب تقارير دولية لدعم الأنظمة والميليشيات الموالية لها.
يقوم مشروع إمبراطورية الملالي على مبدأ تصدير نظرية ولاية الفقيه بصيغته الأُممية تحت شعار الدولة الإسلامية العالمية بفكرهم ورؤيتهم التي لا شأن لها بحقيقة الإسلام، ولقد عملت ملالي إيران في سبيل ذلك على كل ما يهدد الأمن القومي للأمة العربية ومعتقداتها حينما وصفوا ثورات البيع العربي أنها امتداد للثورة الإيرانية كما جاء على لسان ولي الفقيه علي خامنئي والذي بحث مع زمرته إمكانية إشعال فتيل الطائفية في هذه الدول، وتكرار الحدث اللبناني في ثمانينات القرن العشرين، لكن خامنئي وزمرته في الوقت الذي نسبوا فيه ثورات الربيع العربي على أنها امتداداً لهم طعنوا في الوقت ذاته في ثورات قامت في سوريا والعراق وأبادوها بالمال والسلاح والمؤامرات.
لقد استمر النهج التوسعي العدواني الذي تبناه نظام الشاه بالإصرار نفسه في نظام الملالي، وإن كان تحت عباءة الدين، فدائماً ما يعمد نظام الملالي إلى استحضار الحرب الإيرانية - العراقية حتى تبقى عالقة بالأذهان، فعلى الرغم من ادعائهم بأنهم نظاماً إسلامياً إلا أنهم يهيئون الشعب لوعي قومي يبرر تدخلات نظامهم المستمرة في الشؤون العربية، بذريعة استباق الأخطار المحدقة دفاعاً عن حدود إيران، وتبرير الميزانية الضخمة التي باتت عبئاً كبيراً على الحياة المعيشية من خلال دعمها للميليشيات الحليفة وكل ذلك من أجل البقاء في السلطة وعندما فقدوا مصداقيتهم لدى الغالبية العظمى ولم يعد خطابهم بشتى أشكاله يجدي نفعا لم يبقى أمامهم سوى القمع والقتل والخطف والإرهاب داخلياً وخارجيا.
بدأ العد التنازلي لسقوط نظام الملالي في إيران، حيث تتضائل الخيارات لدى تيار الاسترضاء الغربي، وهذه هي الفرصة الأخيرة أمام القوى الحرة في النظام العالمي لتدارك الأزمات ووضع الحلول.
تحتدم الصراعات، وتتسارع الأحداث في كافة أرجاء العالم، ويبقى الشرق الأوسط من أهم بؤر تلك الصراعات والأحداث خاصة بعد المتغيرات السياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم اليوم.
واليوم وفي ظل حالة الصراع من أجل البقاء بعد أن خرج من مرحلة الاحتضار بفعل جرعة التنشيط العربية التي مُنِحت لنظام ولاية الفقيه؛ وباتت الفرصة سانحة له أكثر من ذي قبل لإنقاذ وجوده؛ قام نظام الملالي بالتصعيد من وتيرة الإعدامات والقمع وملاحقة ثوار الانتفاضة الوطنية الإيرانية، وتسميم فتيات المدارس وقمع الطلاب الثوار وحرمانهم من الدراسة ونفيهم دراسياً إلى محافظات بعيدة كعقوبة لهم، وكذلك تصعيد الملالي المبطن من لهجة تهديدهم لجنودهم في العراق بشأن الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة المقيمة على الأراضي العراقية مطالبين بنزع سلاحهم وطردهم من العراق.. أو بمعنى أدق المطالبة بحلهم والقضاء عليهم لإضعاف قوة معارضيه ووصف الانتفاضة الوطنية الإيرانية بأنها حراكٌ انفصاليٌ مارقٌ لا أكثر.
وفي الوقت الذي فشل فيه تيار الاسترضاء الغربي في صناعة بدائل سطحية بلا جذور ولا رؤية؛ تحقق المقاومة الإيرانية إنتصارات تلو الأخرى على أرض الميدان داخل إيران حيث تمكن فريق من الخبراء في وحدات المقاومة التابعة لمجاهدي خلق من الإستيلاء على أكثر من مئتي موقع تابع لوزارة خارجية الملالي وإخراجها عن السيطرة؛ ووضع يدها على بيانات سرية وفي غاية الأهمية بمقدار أكثر من 50 تيرا بايت، وعلى الصعيد الخارجي في الوقت ذاته تمكنت المقاومة الإيرانية من كسب تأييد أغلبية نيابية أمريكية، وبريطانية واسكتلندية وويلزية وفرنسية وإيطاليا وبلجيكية وهولندية وبرلمانية أوروبية، وأغلبيات نيابية من دولٍ أخرى عديدة بجميع أنحاء العالم، وكذلك رسالة أكثر من 107 من قادة العالم من بينهم نائب الرئيس الأمريكي السابق، مايك بينس يطالبون فيها الرئيس بايدن وقادة كندا وأوروبا والعالم بإتخاذ نهج صارم حيال النظام الحاكم في إيران وإخضاعه للمساءلة والمحاسبة، ويأتي هذا في إطار كسب دعم دولي للانتفاضة الإيرانية ولمشروع التغيير في إيران، وبهذه الإنتصارات يُسقِط هذا الدعم المقدم للمقاومة الإيرانية شرعية نظام ولي الفقيه بشكل تلقائي ويعترف رسمياً بشرعية إئتلاف المقاومة الإيرانية وشرعية برنامجها السياسي كبديل وطني ديمقراطي يعمل إلى جانب القوى الوطنية الأخرى.
وتأتي هذه الإنتصارات أيضاً بالتزامن مع مشاريع تطبيع نظام ولاية الفقيه مع العرب الذين كان ولا زال ينظر إليهم كأعداء يجب إخضاعهم لمخططاته ثم لسلطانه وإلا أصابهم ما أصاب العراق ولبنان وسوريا واليمن، وقد حقق نظام الملالي بالفعل بعض ما أراد وهو الإنخراط في حملات القمع البربرية ضد الشعب والتصعيد من عمليات الإعدام الإجرامية وتحجيم دور بعض وسائل الإعلام ليتواصل التعتيم المتعمد على مآسي الشعب الإيراني، إلا أن مساعيه ستبوء بالفشل عاجلا أم آجلا، فنظام مثله يقوم على الأزمات ويدير صراعاته من خلال مراكز قوى وميليشيات وعصابات دموية إجرامية لا يمكنه المضي قُدماً في إتفاقات مع دول رصينة تنضبط في إطار القوانين والأعراف المعمول بها دولياً، فمشاريع تهريب السلاح والمخدرات لن تتوقف، وبالتالي لن يجني نظام الملالي التطبيع المُعلن لكنه ربح الوقت وهو المطلوب تحقيقه كالعادة في جميع مفاوضات النظام، وسيجد المتفاوضون الآخرون مع الملالي أنه وبعد جهد جهيد ورسم المزيد من الآمال قد عادوا إلى المربع صفر وأن كل مؤامرات النظام وحلفاؤه المسترضون قد باءت بالفشل وتنامى لديه شعور الخوف من السقوط والزوال والمساءلة، ونجد في الجانب الآخر من المشهد أن اتحاد قادة العالم وبرلماناته ورموزه ومفكريه ومثقفيه وإعلامه الحر ضد هذا النظام الفاشي، أما الضربة الكبرى التي سيتلقاها نظام ولي الفقيه عما قريب فستكون في يوليو القادم؛ ولن تقع هذه الضربة عليه بمفرده بل على أنصاره وحلفائه أيضاً حيث ستُظهر صورتين للمشهد صورة للعالم الحر وقيمه الجميلة وصورة مشينة لتيار الاسترضاء.
ولن تتوقف ثورة الشعب الإيراني الذي تغلي دماء أبنائه الشهداء في عروقه، وبناءً عليه فإن النصر آت لا محالة، وهناك صناع النصر الذين لا هم ولا شغل لهم سوى صناعة النصر وإعلاء كلمة الحق.
الضربة العسكرية لنظام الملالي
يبدو أن التطبيع القائم بين الملالي والدول العربية لم يرق لأمريكا وغيرها، وهناك تلويح بالأفق حول إمكانية توجيه ضربة عسكرية لنظام الملالي رداً على قيامها بإنشاء مبنى تحت الأرض للتخصيب النووي العسكري بالقرب من مفاعل نظنز لإستهداف هذا المبني، وكذلك رداً على إعلان الملالي عن صناعة صاروخ خيبر الذي يصل مداه إلى 2000 كيلومتر من خلال الحصول على تكنولوجيا عسكرية روسية.
تؤثر الثورة الوطنية الإيرانية تأثيراً كبيراً على قلوب الناس في الغرب، وينقلب الرأي العام إلى مؤيد ناشط لتغيير نظام الملالي، مما سيسقط آخر دفاعات الاتحاد الأوروبي وإدارة بايدن في التمسك بالاتفاق النووي، والأخطر بالنسبة لهذا النظام الفاشي هو أن يبدأ الغرب في دعم المقاومة الإيرانية ميدانياً، مما يعني نقل المعركة إلى الداخل الإيراني ومن ثم الإطاحة بالنظام، ولذلك يمكن القول إن تيار الاسترضاء الغربي قد رفع الراية مُسَلِماً بأن الشرعية للشعب والمقاومة الإيرانية.
رؤية أمنية وعسكرية موحّدة ضد نظام الملالي
يُعدّ الحصار الدولي والإقليمي أكبر هاجس يؤرِّق نظام الملالي ويهدد نظامه السياسي وسلمه الاجتماعي، خصوصاً مع تزايد موجة الحركات الشعبية والطلابية بشكل مقلق لصنَّاع القرار، لذلك هرول نظام الملالي للتطبيع مع أعدائه العرب لتعزيز الثقة بينه وبين دول الخليج العربي، بحثاً عن الفرصة للتحايل على العقوبات المفروضة عليه، ثم ضخ الأموال مجدداً للتدخل في شؤون دول المنطقة من خلال ميليشياته الإرهابية.
استراتيجية مواجهة إرهاب نظام الملالي
1- تفعيل دور جامعة الدول العربية وأجهزتها المختلفة، وإحياء التعاون العربي المشترك في المجالات كافة، ودعم الجامعة وزيادة فرص محاولاتها لتوحيد الصف العربي في مواجهة أطماع الملالي الرامية إلى فرض سيطرتهم وزعامتهم على دول وشعوب المنطقة، ثم الاستخدام الأمثل للموارد والأدوات المتاحة من خلال التحرك النشط، ومن جميع قواعد الانطلاق السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية بما يضمن تحقيق المصالح والأهداف لتعزيز مكانة الدول العربية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
2- تطوير القدرات الدفاعية والأمنية العربية بما يكفل مواجهة التهديدات والتحديات المحتملة، وإعادة مفهوم الأمن القومي العربي والإقليمي بمراجعة الأولويات وتوحيد المواقف بشأن القضايا الحساسة وعلى رأسها خطر نظام الملالي في المنطقة، مع ضرورة تفعيل الأدوار الإقليمية للدولِ العربية من أجل العمل معاً في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية، الأمر الذي يقتضي معالجة الخلافات العربية البينية أولاً.
3- الاستثمار في أسلوب النظام الإيراني المتشدد في التعامل بشأن المشكلة النووية مع الإدارة الأميركية لا سيما أنه من الصعب بناء أمن إقليمي وتوازن عسكري ناجح لصد خطر الملالي دون حضور عسكري وأمني للولايات المتحدة ذات المصلحة الإستراتيجية في المنطقة، وذلك للحدّ من التطلعات الإيرانية لفرض هيمنتها ونفوذها على المنطقة.
4- محاولة الاستناد إلى قوة حلف شمال الأطلسي من خلال إحياء مبادرة سابقة معه بالإضافة إلى استثمار العلاقات مع الدول الرافضة لامتلاك إيران للسلاح النووي.
5- دعم المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية دعماً كاملاً على كافة الأصعدة كبديل ديمقراطي لمستقبل إيران ووفق رؤية استراتيجية شاملة.
6- العمل على زعزعة وجود ونفوذ النظام الإيراني في كل موضع له من خلال دعم شعوب المنطقة ثقافياً واقتصادياً وعسكرياً كحق مشروع للدفاع عن أنفسهم.
7- الحفاظ على الهوية والقيم الاجتماعية والثقافية العربية في مواجهة الفكر التوسعي العنصري للملالي ولا سيما في مناطق النزاع ورفض التفرقة المذهبية، ووضع إستراتيجية إعلامية عربية لمواجهة الاختراق الثقافي الذي ينشط فيه الملالي، والعمل على نشر الثقافة العربية والشريعة الإسلامية السمحاء في المجتمع الإيراني من خلال قنوات فضائية موجهة باللغة الفارسية، كذلك تقديم الدعم الموسع لفصائل المعارضة الإيرانية الحقيقية بكل السبل الممكنة المباشرة وغير المباشرة.
8- وضع إستراتيجية عربية موحدة تجاه قضية تصدير الإرهاب والتطرف تحت عنوان تصدير الثورة حيث لا ثورة لدى الملالي لتصديرها، والتصدي لدعم الملالي للميليشيات الطائفية التي ترتكب المجازر بحق شعوب المنطقة العربية دون رادع أو حسيب، وتفعيل برنامج لفرض السيادة العربية الكاملة على كافة الأراضي العربية المتعلقة بهذا الصراع.
9- مقاطعة نظام الملالي المتسلط على إيران سياسياً واقتصادياً.
10- دعى معهد الدفاع عن الديمقراطية الأميركي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى العمل على إسقاط النظام الإيراني في الداخل عبر دعم توفير الوصول إلى الإنترنت وإنشاء صندوق لدعم إضراب للعمال، وصندوق آخر لدعم المنشقين، للضغط على مسؤولي النظام من أجل التنحي، محذرا من أن المفاوضات حول الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية في فيينا تطيل عمر نظام طهران الذي بات تواجده يمثل تحديات خطيرة في المنطقة.
وفق تلك المعطيات نجد أن نظام الملالي مقبلٌ على أيامٍ أصعب من ذي قبل، فالشعب ثائر ضده في كافة الأقاليم والمحافظات الإيرانية من جهة، ومن جهة أخرى تعمل المعارضة الإيرانية في الخارج على تصعيد هذه الانتفاضة، وتحشد العالم لدعمها في وجه القمع والظلم والاضطهاد الذي يمارسه النظام الإيراني ضد الشعب، ولن يستطيع هذا النظام أن يقف في وجه كل تلك الظروف، خصوصاً وأن المعارضة نجحت في استقطاب العديد من السياسيين المؤثرين في أوروبا وأمريكا مثل ونيوت غينغريتش الرئيس السابق لمجلس النواب الأمريكي والسيناتور توريسلي، وأغلبية الكونغرس الأمريكي التي أعلن دعمها للانتفاضة الإيرانية ومشروع المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.
جدير بالذكر أن نظام الملالي يرى بأن عملية أعادة تأهيل سياسته الخارجية وتطبيع علاقاته بالعرب بمعيار الثقة وكمشروع بديل أو منافس يبدو أمراً مستحيلاً وغير ممكناً؛ نظرًا لأن السياسة العدائية التي ينتهجها هذا النظام لاتتمثل بموقف سياسي قابل للتغيير وإنما مشكلة مؤسساتية دستورية وسلوكية قائمة ومتجذرة على هذا الأساس، علاوة على أن الولي الفقيه لا يرى في هذا التطبيع سوى أنه وسيلة لكسب الوقت للتمكن من تحجيم ثورة وحراك والشعب الإيراني المنتفض بكافة فئاته ومكوناته ومن ثم القضاء عليها داخلياً؛ ثم العمل على إعادة سوريا إلى الجامعة العربية وإعادة تمكين وتأهيل نظامها وهو ما يلبي أيضاً رغبات شركاء الملالي وهو ما يفسر انصياعه ومرونته الآنية، لذلك فأن لتدخلات إيران في شؤون الدول العربية وتأسيس الميليشيات وتمويلها ونشر الخطاب الطائفي أهداف استراتيجية لنظام الملالي ينص عليها الدستور ووفقاً لإيديولوجية متطرفة يقوم عليها ويتحرك بموجبها هذا النظام، وبالتالي لن يجدي التطبيع نفعاً في إنقاذ الملالي.
د. سامي خاطر / أكاديمي وأستاذ جامعي
|