صنعاءنيوز / د.محمد الموسوي -
بعد فضائحه التي ملأت الآفاق يحاول نظام الملالي الحاكم في إيران تلميع وجهه لكن هيهات لمثله أن يترك رفقة سواد الوجه وقبح الأفعال، ومن عفو مسموم كاذب إلى أحكام جائرة ترتكز على المساومات بعيدا عن العدل وهي الطريقة ذاتها التي اتبعها الملالي مع معارضيهم في عقد الثمانينيات من القرن الماضي إذ ساوموا السجناء على حريتهم مقابل البراءة من فكرهم وعقيدتهم الوطنية السياسية ومبايعة كبير الملالي وبالتالي لم يحررونهم من سجنهم بل كتبوا عليهم سجناً أكبر وعبودية لا يحررهم منها إلا الموت..؛ وبمعنى آخر يفضح رجس الملالي وهو أنه لا يوجد إعدام وفق حد الحِرابة ولا توجد أحكام شرعية وإنما أحكاماً عرفية سلطوية ألبسوها رداء الدين وطلبوا بجهلهم من سواد المجتمع أن يصدق بهم ونسوا أن معظم السياسيين الإيرانيين المعارضين لهم قد نشأوا وترعرعوا مع أهل الفتوى الحقيقيين؛ فهل يدم خداعهم للمجتمع طويلا.
أحكام بالقتل الحكومي تحت مسمى الإعدام على أيدي مجموعة من قضاة السلطان الجلادين المفسدين الذين يعد مجرد انتمائهم لمبدأ القضاء وشرع الإسلام جريمة وعار، وأحكاماً أخرى سفيهة تقضي بالذل المحكم على المرأة تبدأ من حبسها ذليلة في بيتها مكبلة بالأصفاد أمام أهلها وجيرانها، وأخرى يُحكم عليها بالعبودية فترة من الزمن تقضيها خادمة بالإكراه في أماكن للسلطة من باب إذلالهن وإخضاعهن لرغبات سلطان الملالي، وامرأة أخرى يُحكم عليها بشهرين سجن نافذ قد أمضتهم أو أكثر منهم في التوقيف أو أمضت جزءا منه ثم يُعاد الحكم بـ خمس سنوات سجن مع وقف التنفيذ وتبقى طيلة هذه السنوات الخمس تحت الرقابة والإذلال ينتظر جلادوها عثرة منها أو ملاحظة بسيطة عليها حتى يستدعونها لمحاكمة أخرى غليظة، ولا شيء أسهل من ممارسة الظلم والنهب والسلب والقتل وسفك الدماء تحت مظلة لواء الولي الفقيه الذي لا علاقة له بالولاية ولا بالفقه؛ والحديث عن بغيهم يطول فقد أفضل أن تُمضي المرأة حبسها بالعدل مع أقرانها بين جدران السجون بدلا من إذلالها في أوساط المجتمع؛ لقد أمر الإسلام بإقامة العدل وتكريم الإنسان أما هؤلاء المجرمون فقد اتبعوا الظلم والاستعباد وإذلال الإنسان وخاصة المرأة التي هي ركيزة المجتمع (الأم مدرسة إن أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق).
44 سنة من الهلاك أمضاها سلطان إيران وملاليه وجنوده الملتفين حول عرش السلطة في النهب والسلب وتعزيز وجود سلطانهم غير الشرعي ولم يقدموا فيها شيئاً من الإصلاح والتنمية الاجتماعيين ولا الجانب الاقتصادي بحيث تكون الحياة ميسرة ويكون لرب البيت الوقت اللازم لرعاية أهل بيته وإحسان تربيتهم وتهذيبهم وتوجيههم التوجيه الأمثل والأفضل نحو حياة القيم والفضيلة والأعراف السوية التي درج المجتمع عليها.
مسيرة بائسة لا مروءة فيها ونهج أقرب إلى الخروج عن شرع الله
44 سنة وأكثر طحنوا فيها المجتمع وأهلكوا الحرث والنسل ودمروا التكوين الطبقي للمجتمع وحولوا شرفاء المجتمع إلى مجرد آلات تكد ليل نهار ونادرا ما ترى أبناؤها من أجل توفير ما هو أدنى من الحد الأدنى من متطلبات المعيشة؛ فمتى يجد رب الأسرة الوقت لمحاكاة أفراد أسرته وتزداد الكارثة الاجتماعية سوءا عندما تكون الأم أيضا من الطبقة العاملة الكادحة بعزةٍ وشرف هنا تزداد المحنة والأوبئة الاجتماعية التي لا حصانة منها بسبب إنشغال الأب والأم في تلبية الأهم من مطالب الحياة حيث لا يمكن تلبية كافة مطالب الحياة في ظل سلطة حكم نظام الملالي، ولم يعد يقتصر أمر العمل على الأب والأم في الأسرة فكثيرا ما أفراد الأسرة من بنين وبنات من أجل الكرامة المفقودة على يد الملالي.. هنا ومن خلال كدح الأسرة وأبناؤها وبناتها تكمن العفة وتكمن الكرامة ولا تكمن في الحجاب والرداء الذي يريدونه الملالي لامرأة تخرج للتسوق والتنزه والزيارات وليس للعمل؛ العفة تصنعها الأسرة الكادحة التي بالكاد تعيش يومها بأبسط وأرخص الثياب.
أي عفة هذه التي يتحدث عنها نظام الملالي بعد أن دفع بكامل الأسرة إلى سوق العمل بأجور زهيدة من أجل قوت اليوم والعيش بلا مستقبل، وأما الاستقرار الأسري من الناحية المادية والمعيشية فهو الطريق نحو الاستقرار النفسي الذي يؤدي بدوره إلى عفاف المجتمع وحرصه على التمسك بقيمه وأعرافه، ولقد بات الرداء والحجاب الذي يريده الملالي ذا كلفة مرهقة على بعض الأسر التي أصبحت لا تعرف سوى وجبتي طعامٍ بسيطتين في اليوم ويطالبهم الملالي برداء وحجاب يجب تغييره بين الحين والآخر.. عفة النفس سواء للرجل أو المرأة لا تكون بالملابس وإنما بالكفاية والإستقرار والأمان ولن يحدث ذلك إلا من خلال برنامج العدالة الاجتماعية الذي بمقدوره أن يوفر أعلى قدر من الكفاية والعفاف داخل المجتمع الإيراني الذي يمتلك من الموارد والمقدرات ما يكفي ذلك حد الرفاه؛ ولكن ليس في ظل نظام ولاية الفقيه الذي لا يجيد سوى النهب والسلب والإفساد، ولم تشهد إيران المعاصرة ثراءا فاحشا واسعا لطبقة السلطة إلا في عصر الملالي خاصة في العقدين الأخيرين حيث ارتفاع أسعار النفط والغاز وظهور دولتين اقتصاديتين لا شأن لأحدهما بالآخر وأصبح لبعض السياسيين مشاريع خاصة في إيران وخارجها تُقدر بمئات الملايين من الدولارات، ومنهم من يستخدم واجهات تجارية واقتصادية له للتغطية على جرائمه المالية والاقتصادية، ويطالبون الناس بالعفاف وهم المفسدون..، ويسلبون الناس قوت يومهم وكرامتهم وأرواحهم وفي أبسط الحالات يدفعونهم نحن محرقة المعيشة ثم يطالبونهم بالعفاف بما يرهقهم على افتراض أن المجتمع قد خرج عن الأعراف العامة وأصبح سلوك النساء خادشاً للحياء وهذا أمر غير صحيح فلا يزال المجتمع حريصاً على قيمه وأعرافه قدر الإمكان وفي الوقت ذاته يرفض المجتمع أي توجيه أو تكليف من سلطة عاجزة كاذبة تخادع المجتمع وتشوه الدين وتنهب المال العام وتعبث بمصائر الناس وبأرواحهم.
تقول العرب (إذا أردت أن تُطاع فأطلب المستطاع) وهذا هو ما يجري في إيران اليوم يطالبون الشعب بأكثر من طاقته وقدراته وبالتالي لن يكون رد الشعب سوى الرفض والعصيان، وبما أن المرأة هي صاحبة حمل المسؤولية الأكبر في المجتمع ويقع عليها جانباً كبيراً من ممارسات النظام القمعية فإنه من الطبيعي أن تواجه المرأة النظام وتسعى إلى إسقاطه بعد أن فقدت أباها وأخاها وزوجها وابنها على يد هذا النظام، ويدرك النظام تمام الإدراك بأنه قد طفح الكيل لدى عموم المجتمع وخاصة المرأة وأن سقوطه لا محالة واقع على يد النساء وقد يكون ذلك عاجلا لذلك لا خيار لدى النظام سوى المضي قدما بإجراءاته القمعية ضد النساء، ونسى قادة هذا النظام أن هذه المرأة قائدة المجتمع وأن حضورها محصن بوجود أبيها وأخيها وزوجها وأبنها إلى جانبها، ومن الحماقة أن تعامل نظام ولاية الفقيه بعداء مع المرأة وكأنها بمعزل عن مجتمعها وكثيرا ما سعى النظام إلى اضطهاد المرأة اجتماعيا فحرض الزوج على قتل زوجته واضطهادها وكذلك الأب والأخ وعزز ذلك من خلال قوانين مجحفة بحق المرأة.. فأي دين وأي مذهب هذا الذي يدعون به وقد خرجوا عنه بأفعالهم وممارساتهم داخل وخارج إيران.
النظام يسخر طاقاته وموارد الدولة لقمع النساء
إنه لأمر مثير للعجب والإشمئزاز في نفس الوقت أن نظاما كنظام الملالي المتسلط على الشعب في إيران يكرس معظم جهوده الداخلية في قمع الشعب وإذلال وتركيع المرأة بدلاً من التوجه نحو التنمية وحل المشاكل المعيشية والاقتصادية بالبلاد، ثم يأتي ليكلف مجلس النظام وعشرات الأجهزة الحكومية للعمل في إطار توجهات النظام القمعية لتطبيق مشروع قانون الحجاب الإجباري لجعل الممارسات القمعية في غلاف قانوني وفي عدة أشكال أخرى، فعلى سبيل المثال يمكن للنظام التصريح بأن دورية الإرشاد لم تعد تعمل والدليل سيارات الشرطة التي تقمع وتذل النساء ليس مكتوباً عليها دورية الإرشاد، وكذلك زي الشرطة ليس مكتوبٌ عليه دورية الإرشاد وكأن رفض الشعب الإيراني ومقاومته لـ النظام فقط بسبب دورية الإرشاد أو على إسمها وليس رفضا كلياً للنظام وكل مؤسساته القمعية وفكره الرجعي.
يستخدم النظام تقنيات حديثة للمراقبة ومطاردة النساء وكأنهم فرائس مُباحة ويُحيل2251 قضية ضد النساء في أربعة أشهر علماً بأنها قضايا غير جُرمية شرعاً وقانوناً، ولكن عندما يتعلق الأمر بقضايا جرمية مرعبة كتسميم فتيات المدارس في عدة محافظات فإن تقنياتهم الحديثة تلك تختفي من الوجود ولا يرى لها القاصي والداني أثرا ولا ذكراً؛ فهذه التقنيات الرقابية الحديثة تعمل وفق رغبات الملالي وضد خصومهم ولم يكن مرتكبي جرائم تسميم الفتيات خصوما للملالي بل أذرعا لهم لذلك لم يتم كشفهم حتى لا تتم تعرية وفضح النظام.
ومن ضمن إبداعات النظام القمعية رصد صورٍ لموظفات شابات بدون فيتم توقيفهم عن العمل وقطع أرزاقهن وأرزاق أسرهن على مجرد نشرٍ بريء لصور جماعية ولم يكن في الصورة مظهراً خادشاً للحياء.. يتم توقيفهن عن العمل لنشر صورة ولا يتم القبض على مجرمين وقتلة وارهابيين قاموا بتسميم فتيات المدارس، يتم توقيفهن عن العمل لأنهن قمن بنشر صورة بدون حجاب، ومئات آلاف الشابات والنساء العاملات يتم اضطهادهن في مواقع العمل، ومئات الآلاف من المحجبات بلا عمل وبعضهن يعملن في مكبات القمامة بحثاً عن العفة الحقيقية التي لا يفهمها النظام.. النظام الذي لا يرى العفة إلا في بيعته وطاعته وهو كيان في أقل توصيف له فاقد الأهلية والشرعية.
خُلاصةُ رأي
لقد صعد النظام من مواجهاته العدوانية مع الشعب وخاصة النساء بعد فشل رئيسي في تحقيق المخططات القمعية التي من شأنها أن تقضي على انتفاضة الشعب كلياً وتُخضعه لإرادة الولي الفقيه الذي يصارع ونظامه كابوس السقوط على مدار اليوم والساعة، وها هو النظام يتستر اليوم ودون أدنى درجة من المسؤولية الدينية والأخلاقية بما اسماه بـ قانون الحجاب والعفاف وهو أبعد ما يكون عن ذلك.. فالعفة يا سادة فلسفة واسعة بتفاصيل كثيرة تحتاج إلى أهل علمٍ وإيمان ولا يحق للمُدعين في إيران والعراق واليمن وسوريا ولبنان و... الحديث عنها، ومهما صعد النظام من نهجه القمعي الإجرامي ضد الشعب عامة والنساء خاصة تزداد وتيرة المواجهات ويزداد إصرار النساء والشباب على تحدي النظام وكسر هيبته وهذا ما يحدث حاليا، فمشروع قانون الحجاب والعفاف ليس من أجل الحجاب والعفاف والعرف الاجتماعي بل من أجل استعادة هيبة النظام المفقودة وإنقاذ النظام من السقوط والزوال، وباتت مطالبة المرأة الإيرانية بالثأر من النظام مطلباً يشتعل بالصدور.. وعلى الفئة العاملة من أبناء الشعب مع النظام الإيراني في أجهزته القمعية أن يدركوا ذلك، وكي لا يكونوا حطب جهنم من أجل بقاء النظام الذي وصل أخر أيامه عليهم أن ينسحبوا من صفوف هذا النظام الفاسد المفسد الخارج عن القيم والدين والقوانين.. نظام فاشل ينتظر حتفه وبدافع الخوف والرعب من القادم يقوم بقمع أبناء الشعب الإيراني.. فلا تساهموا في قمع أبناء شعبكم انسحبوا واتركوا النظام يواجه مصيره بمفرده فلن تكونوا سوى حطباً رقيقاً لمعركة ليس لكم فيها ناقة ولا جمل وخياركم الأفضل هو الوقوف إلى جانب الشعب.
لقد بات تحدي نظام ولاية الفقيه والتمرد عليه في كل مكان حتى في الأوساط التي تعمل تحت مظلته وتنتفع من هباته وعطاياه وما ذلك بجديد فهو قائمٌ منذ تسعينيات القرن الميلادي الماضي لكنه أصبح اليوم منتشرا في كل بقاع إيران وكل الأوساط.. وسينتصر الشعب الإيراني وتنتصر المرأة الإيرانية ولن يكون الملالي سوى صفحة سوداء في حقبة تاريخية مظلمة.
د. محمد الموسوي / كاتب عراقي
المصدر/
https://women.ncr-iran.org/ar/%d8%b9%d9%82%d9%88%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%88%d8%a7%d8%aa%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d9%8a%d9%86%d8%b2%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%ac%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%ac%d8%a8/
|