صنعاءنيوز / د. سامي خاطر -
يسعى نظام الملالي منذ بداية انتزاعه السلطة عنوة من الشعب إلى نشر الفتن والانقسامات والقتل والخراب، حيث بدأت الثورة الإيرانية من كافة الأرجاء في إيران يوم أن رفض الشعب بكافة مكوناته السلطة الحاكمة برمتها.
لقد كان الهدف واضحاً ومتمثلاً في سعى الملالي إلى إقامة دولة لهم تحت غطاء الدين، وكان الأسلوب واضحاً في خلط أوراق السياسة بالدين، واستغلال المجتمع الملتزم بطبيعة الحال بالقيم الدينية والأخلاقية من خلال لغة الخطاب واللعب على مشاعرهم الروحانية ووتر المعاناة التي ألمت بالمجتمع.
لقد كان التركيز في الشارع السياسي على صغار السن الذين لا يرون في المستقبل القريب أملاً وأماناً ويستوي لديهم كل شيء، ويستهويهم أن يشجعوا الشعب بكامله على الانتحار الجماعي، وهكذا تكامل مربع الرعب الإيراني ما بين إمام ساعٍ إلى الزعامة، وأئمة مسيّسين على المنابر، وشارع مطحون بالمشاكل، ومغامرين صغار فقدوا الأمل في المستقبل فاستهوتهم المخاطر بمستقبل الوطن. وعندما تكامل هذا المربع في إيران انهار كل شيء، ولم يغن المثقفون عن أنفسهم شيئاً، ولم يدفعوا عن وطنهم ذلك الفزع؛ ذلك لأنهم كانوا قد انهزموا منذ زمن طويل حين فضلوا الصمت عن المواجهة والكلام وارتكنوا إلى التقوقع في الداخل؛ لقد ترتب على نظام الحكم المتأسلم في إيران أن تخلخلت المنطقة سياسياً وأصبحت في حالة مرعبة من عدم الاستقرار. وأشعلت الملالي بسلطانهم ومساعيهم صراعاً هداماً على مستوى دول المنطقة خاصة أن نجاح ملالي إيران في دفع التيارات المثيلة له في دول المنطقة والعالم العربي للعمل والسعي نحو خلق حالة مماثلة لنظام الملالي وبعضهم يعمل عباءة ورؤية الولي الفقيه واتباع ذلك من أجل السيطرة على مقاليد الحكم.
لقد أحدث ملالي إيران فتنة في العالم الإسلامي والعربي، واستخدموا ورقة الدين لمحاولة تصدير ما أسموه ويسمونه بـ ثورتهم لتوسيع إمبراطورية سلطانهم معتمدين في ذلك على بناء ميليشيات شبابية مسلحة من الشباب الذين ألم بهم الفقر المادي أو الفقر الفكري ولم يكن لديهم ما يحصنهم ويحميهم من تغرير الملالي بهم.
يعيش عالمنا منذ أكثر من دهرين في حالة التمحور والقطبية حتى في إطار مظلته الأممية الجامعة (الأمم المتحدة) وقد تجلى هذا التمحور خاصة في العقدين الأخيرين وبدا شكل العالم في محورين الأول تقوده أمريكا والغرب، والثاني تقوده الصين وروسيا وبريكس اليوم، إلا أن ما لا يمكن فهمه هو قفز نظام الملالي وعمله على كافة المحاور وهو أمر لا يمكن تفسيره.. فتارة نراه منبطحا تماماً للغرب الذي يسميه بقوى الإستكبار العالمي ويكافئه هذا الغرب تارة بتقديم دولٍ كهدايا له، وتارة أخرى بإعطائه عشرات مليارات الدولارات وإعانته على قمع شعبه المنتفض وبالتالي يمكنه ذلك من البقاء في الحكم، وعلى الجانب الآخر نجد الملالي حلفاء للصين وروسيا وسنداً لروسيا في حربها داخل أوكرانيا، ثم يتقدم الملالي اليوم لنيل عضوية بريكس الحلف المنافس للغرب...؟ وتارة أخرى نراه مغازلاً ومساوماً للغرب بل ومستعداً لأعلى درجات التنازل الوضيعة من أجل مساعدته على قمع المقاومة الإيرانية وتسليم عناصر منظمة مجاهدي خلق له ليبطش بهم ويقضي عليهم ويصبح في مأمن من السقوط والزوال ...هذا ما يجري وما يدور اليوم علناً... تُرى من هو نظام الملالي؟ وإلى أين يقود إيران وشعبها والمنطقة ...؟ هل نستطيع الإجابة إجابة كافية في هذا المقال لتكون بينة منيرة لنا وللجميع من أجل شرق أوسط وعالم أكثر أماناً وسلماً.
تساؤلات لابد من الإجابة عليها لنعرف على أي أرضية نقف وماذا يجري من حولنا ومن هم حلفاؤنا وأعداؤنا ومن يُهددنا، أو على الأقل لإنهاء مرحلة الرياء والنفاق وعملية دس السم بالعسل التي يقوم نظام الملالي الذي يصافحنا بيد وبالأخرى يغرز خناجره في خواصرنا، نفكر ونكتب ونقرأ معا لنخلق لأمرنا هدىً نرتكز ونتبصر به نجاةً تُفضي إلى وجود أفضل.
حالة من التخبط السياسي والإداري والعقائدي، والخلط بالأوراق والمفاهيم لا تنم أبداً عن هُدى أو وعيٍ أو رشد أو سلامة.
ما بُني على باطل فهو باطل، ولا أمان لمن ركن إلى الباطل ودأب عليه، ويشهد التاريخ أن ملالي إيران في معظمهم كانوا عوناً ووعاظاً للسلاطين وقلما يكون السلاطين ذوي عدل، وقد كانوا معظمهم عونا للشاهنشاهية ثم انقلبوا عليها، ثم ادعوا الثورية فلما حانت لهم الفرصة سرقوا الثورة من أصحابها وسلبوهم حقوقهم وأقاموا حكماً باغياً على جماجم الشهداء والمظلومين، ادعوا الثورية ونصرة المستضعفين فلما كانت لهم السلطة ظلموا الأقليات وأشاعوا الفساد وخطاباً عنصرياً يخدعون به الدهماء ليكونوا عونا لهم في باطلهم القائم، وقد كانت أربعة عقود ونصف كافية تماماً لتعريتهم وفضح حالهم البائس.
إلى أين سيصل ملالي إيران بإيران والمنطقة؟
الدول الكهنوتية المتسترة بالدين لا يمكن أن تتماهى مع شروط بقاء الدول في العصر الحديث، وغني عن القول إن إيران التي يحكمها (الولي الفقيه) دولة كهنوتية يملك الولي الفقيه السلطة فيها مُلكيّة مطلقة ومدى الحياة؛ والعقد الاجتماعي الذي يحكم العلاقة بين القمة والقاعدة الشعبية يتحكم فيه كلاشينكوفات ما يسمونه بـ الحرس الثوري؛ أي القوة المسلحة التي تسحق دون تردد كل من تمرد عليها غير آبهة بشرط التراضي بين الحاكم والمحكومين؛ والسؤال الذي يفرضه السياق هنا: إذا كانت هذه الدولة لا تتواءم مع العصر الحديث فلماذا لا تسقط؟ والحقيقة المؤكدة هي أن سقوطها حتمي في النهاية غير أن زمن السقوط مرتبط بمتغيرات إذا ما توافرت فسوف يتحقق؛ وأهمها موت علي خامنئي الذي يشغل الآن منصب الولي الفقيه، حيث أن موته سيخلق فراغاً في قمة السلطة لا يستطيع أحداً من الملالي البارزين في النظام أن يملأه، وعلى سبيل المثال إبراهيم رئيسي الذي من الواضح أن خامنئي يُعده لخلافته لا تتوفر فيه الإمكانيات السياسية والعلمية، ناهيك عن افتقاره للقبول الشعبي ليحل محله خاصة وأنه مُدانٌ بارتكاب مجازر إبادة جماعية، وقد سبق لرئيسي أن نافس على رئاسة الجمهورية لكنه لم يحظى إلا على 30 في المائة؛ وهو مؤشر كاف على افتقاره للشعبية والقبول السياسي والعلمي.
وتجدر الإشارة إلى أن جنرالات الحرس الثوري الذين تضخموا وتغولوا في عهد خامنئي وفي حال بقي النظام وهذا غير وارد إلا بدعم غربي كالعادة؛ عندها فإن جنرالات الحرس هم من سيتولون السلطة عملياً في إيران، وسيفرضون فقيهاً ليقوم بالوظيفة الدستورية إلا أنه سيبقى صورياً، وسوف تكون السلطة الحقيقية بأيديهم وعندها لن يلبثون طويلا إذ سيسقطون أنفسهم بأنفسهم وتتهاوى سلطنة ولاية الفقيه.
عند التدقيق مليا فيما يجري تحت ظل سلطان الولي الفقيه نجد أن الدولة الكهنوتية المتأطرة بالدين قد تحولت إلى (دولة عسكرية) على النمط الستاليني، وهو الأمر الذي سيُفقد النظام القائم شرعيته مؤسساً للمرحلة التي سيؤدي في النهاية إلى السقوط الحتمي لنظام الملالي القروسطي، وعلاوة على ذلك سوف يسهم تدهور اقتصاديات إيران من الداخل، وتآكل البنية التحتية الخدماتية مساهمة جوهرية في اتساع رقعة الرفض والغضب الشعبيين، ولن يستطيع عسكر الحرس إذا ما تولوا عمليا السلطة أن يحتووا الموقف الشعبي المتأجج أو يحافظوا حتى على التوافق فيما بينهم خاصة إذا ما وجهوا مقدرات إيران إلى اقتناء السلاح والتوسع وبسط النفوذ، والتدخل في شؤون الدول المجاورة، وقد دأب النظام وحرسه على التركيز مالياً على مكتسباتهم في الخارج وعلى مشاريعهم الخاصة التي قامت على نهب المال العام.
والجدير بالذكر أن النظام الإيراني نظامٌ في غاية الهشاشة والعزلة إذ يفتقر إلى الشرعية الشعبية المطلوبة لإبقائه في سدة السلطة ناهيك عن إضطهاده لكافة من يرفضه من القوميات والطوائف والأديان والإثنيات المختلفة، وبالتالي فإن نظام الولي الفقيه نظامٌ منزوع الشرعية وبمجرد فقدان عنصر الدعم الغربي له فإنه سرعان ما سيتهاوى على يد الشعب الثائر ومقاومته الثابتة.
وليس هناك أدنى شك في أن سقوط وتفكك وزوال سلطان حكم الملالي سيُسقط بشكل تلقائي حركات الإسلام السياسي الشيعية والسنية التابعة له وسيضعف من حدة قوى الإسلام السياسي في المنطقة والعالم، وقد كان أساطين الإسلام السياسي قبل المشروع الخميني الرجعي قابعين في الصفوف الخلفية في المجتمعات بلا قيمة، وتعزز دورهم ووجودهم من خلال المشروع الخميني سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر عبر فتنة إدارة الصراعات، وسينعكس سقوط التجربة الخمينية وفشلها إيجابياً على منطقة الشرق وسينجو الإسلام وتنجو المنطقة من حالة التشوه التي أوجدها الملالي، وسيتنفس الصعداء أكثر من 80 مليون مواطن إيراني محاصر أكثر من نصفهم دون سن الثلاثين يكدون ليلاً نهاراً من أجل إطعام عائلاتهم، ومن المؤكد أن زوال النظام الإيراني سيعزز حرية الشعب الإيراني ويحل الكثير من الأزمات والمشاكل التي تواجهها البلاد منذ سنوات.
خلاصة القول: هي أن الدولة الكهنوتية المتأطرة باسم الدين مهما كان الدين الذي ترتكز عليه لا يمكن لها مطلقا أن تواكب العصر، وقد تنخدع الشعوب في البداية بها وتهرول خلف شعاراتها إلا أن بقاءها ضرب من ضروب المستحيل.
عند إمعان النظر والتحليل بدقة وإسهاب لا نجد لنظام الملالي قبلة حقيقية، ولا بوصلة نحتسبه من خلالها على القطب الصيني الروسي أو المعسكر الغربي المنبطح أمامه ويكيل له بعشرات مليارات الدولارات، ولم نجد له مساراً مشروعاً ولا هوية (دينية إذ لا يمثل الإسلام الحقيقي... أو طائفية إذ خرج كلياً عن عقيدة وقيم آل البيت وأساء إليهم ... أو عرقية إذ لا يمثل أي عرق أو قومية ولم ينجو أحداً من بطشه وسجله الدموي ... أو قيمية إذ تحمي القيم الإنسان من نفسه ومن أخيه الإنسان وقد أضر هذا النظام بالشعب الإيراني ودول وشعوب الجوار وبالعقيدة وبالقيم الإنسانية ومكن أعداء المنطقة منها)!!! فعلى أي اتجاه أو ملة أو مكون أو صفة يمكن احتساب هذه الكائنات التي غررت بجنودها وسحلتهم خلفها كالقطعان العمياء وأعادت بالمنطقة إلى الوراء وسلمتها بيد غزاة العصر.
د. سامي خاطر / أكاديمي وأستاذ جامعي
|