صنعاءنيوز / م/يحيى محمد القحطاني -
للسلطة بريق يجذب كل من يسعى لها، كما أن لها خاصية الالتصاق لكل من يصل إليها، ولم يعرف الشعب العربي الموزع في أقطار عدة، منذ أن نال استقلاله وإلى اليوم، تداولاً سلمياً للسلطة، بل كانت السلطة تنتقل من يد إلى يد، ومن زعيم إلى آخر بواسطة، الانقلابات العسكرية إلا ما ندر ..
فتجرأت معظم الزعامات العربية، على المساس بنصوص دساتير بلدانها، بما يضْمن لهم الترشُّح والفوز بالرئاسة لعدة مرات، والاستمرار في التربُّع على كرسي الرئاسة، إلى حين مغادرتهم إلى مثواهم الأخير، أو بإيداعهم السجن مدى الحياة، وعملت بعضها كلّ ما في وسعها لتوريث العرش بكل مغرياته، ونقله من الأب إلى الابن ..
فاتسع سرطان التوريث السياسي في العالم العربي، الآباء (المؤتمنين من قبل الآلهة)، على حاضر ومستقبل بلدانهم، لا يتخيلون أن تفلت السلطة من يد العائلة المقدسة، ويصرون على نقلها إلى الأبناء، الذي عجزت الأوطان عن إنجاب نظرائهم، وكان ولا يزال من المُستحيل، قبول الرئيس ترْك منصبه، وقبول انتقاله مع أسرته، من دار الرئاسة إلى منزله الخاص ..
هذه الزعامات التي حكمت بلادنا العربية قديماً وحديثاً، لم نسمع أي رئيس أو ملك أو حتى وزير، يظهر على شاشة التلفزيون، ليقول لنا بأنه قد أخطأ، أو ارتكب جرماً في حق شعبه وأمته، مع أن الأوضاع كانت وﻻ زالت في شتى المجالات، لا تسرﻻ صديق وﻻ عدو، وأصبحت الحياة لدينالا تُطاق: حرب وموت، فساد وفقر، مرض وبطالة، تهميش وإقصاء، وقطع مرتبات ..
ومع ذلك جعلناهم كالملائكة أو الرسل لا يُخطِئون ولا يُخطّأون، ولا يتحملون وزرما نتعرض له، وبالعادة نلقي باللوم على شماعات كثيرة، بعيدة عنهم وعن تصرفاتهم، مطبقين القاعدة السحرية (الشورشورك يارئيس)، و(القول قولك يازعيم)،وألغينا عقولنا أمام عقولهم، وصرناببغاوات نقلد أقوالهم وأفعالهم ..
وهكذا نحن العرب، كنا وﻻ زلنا متخلفين في كل شيئ، ماعدى ثقافة التطبيل والتمجيد والتملق والتغني، بشخصية الرئيس والزعيم والملك، فأطلقنا عليهم أوصاف والقاب، القائد والزعيم، السلطان المفدى والملك المعظم، باعتبارأن عبادة الأشخاص والأصنام، التي ورثها العرب قبل الإسلام، ما زالت (جيناتها) تسري في عروقنا، إلى ساعته وحينة ..
وقد برهنت لنا العقود الماضية، أن عقدة الزعامة لدى جميع حكام العرب، مرض عام يصيب كل من وصل، إلى كرسي الرئاسة، ديمقراطياً أو توافقيا أو دكتاتورياً، فجميعهم يتشبثون بأهداب السلطة، بأيديهم وأرجلهم وأسنانهم، والبعض منهم مَنْ قام بتصفية كل المعارِضين له، وتحويل البلد إلى بحر من الدماء، لكي يستمروا في الزعامة والقيادة، كما فعل أسﻻفنا وأجدادنا، منذ سقيفة بنوا ساعدة وحتى تاريخة ..
بينما في بﻻد الكفرة، يتم إجراء الانتخابات النزيهة، التي يصل فيها المترشحين للرئاسة، أو لعضوية البرلمان إلى مناصبهم بشكل شرعي، من دون الاستعانة بعمليات التزوير، فالقانون لديهم يطبق على الجميع بلا استثناء، ولا يحمي متقلدي المناصب الرفيعة من تقديمهم، إلى القضاء ومحاكمتهم، في حال خرقهم القانون..
وتكفل قوانين هذه الدول، المساواة والعدالة اﻹجتماعية وحقوق ألإنسان، وحرية الصحافة، والحماية من التعذيب، وعدم التمييز بسبب اللغة أو العرق أو الدين، والمسئولية لديهم تكليف وتنتهي بانتهاء أمدها، ويخضع جميع المسئولين لمبدأ الشفافية والمحاسبة، قبل توليهم مناصبهم وبعد تركهم لها، والقانون يطبق على الجميع بدون استثناء، ولوا أن مسؤول صغير أو كبير، ارتكب مخالفة مرورية في الطريق، لتمت معاقبته بنفس العقوبة التي تسلط على أي إنسان عادي ..
وباﻷخير أيها العرب، أعترف وأقر وانا بكامل قواي العقلية، بصحة المقولة المشهورة: إن(السلطة المطلقة.. مفسدة مطلقة)، وﻻحل لنا إﻻ بإرساء قواعد الديمقراطية، والتبادل السلمي للسلطة، وإحترام حقوق الإنسان، والفصل بين السلطات، وإقرار مبدأ المحاسبة ﻷي صاحب منصب، وتحقيق اﻷمن الشخصي واﻹجتماعي واﻹقتصادي، وترسيخ قيم الصدق واﻷمانة والتعايش السلمي، والله من وراء القصد ..!! |