صنعاء نيوز/علي شكشك -
هو التعبير النهائي لتلك الحالة التي نكمل فيها عبور الهوة المستحيلة في داخلنا، حين نتجاوز مطلق مخاوفنا ونعبر اللحظة الحرجة التي ننتصر فيها في ميدان النفس على النفس وترجح رغبة الإنسان فينا على مجرد العيش لنصبح أكبر من الحياة ذاتها ونتجاوزها إلى الحرية، حينها تصبح التضحيات المتوقعة في الميدان أقل بكثير من الإنجاز الذي عبرناه فينا وقد أصبحت الحرية بطعم هذه الحياة، إذ ليس الاستقلال إلا أحد مفردات الحرية التي تحققت سلفاً في العميق من أغوار الروح ولم تعد بلورتها في المحيط الخارجي على الأرض إلا مسألة وقت، فقد حُسِمَ الأمر من قبل هناك في الميدان الأهم، ميدان الإرادة،
وهو في المقابل التعبير الأول لجوهر الخلق، كلِّ الخلق من الذرة حتى الإنسان، لتكون كلُّ مفردةٍ مستقلةً بذاتها وحرَّةً في كينونتها، نبتةً تستنشق النور وتزهو بحريتها في الأرض والماء والهواء وبحريتها الكاملة تمنح ثمارها وعسلها وتغرد كما تشاء، مع فارق أنَّ الخالق قد كرَّمَ الإنسان وفضله على كثير من خلقه تفضيلا، مما جعله أهلاً لحمل ألأمانة وأفاض عليه من التميز والاستقلال والحرية حين منحه المشيئة التي تضفي حرية على الحرية واستقلالاً على الاستقلال، وميزه بأشواق الروح حيث الحرية الكاملة والحصانة الشاملة التي لا يطالها غيره مهما استبدّت أدوات قمعه، ولقد كانت الكرامة حارسة وضامنة لاستمرار هذه المعاني، ترفض أن تُمَسَّ أو تُمتهَن، مسباراً لكل ما يخدشها، ومستفزّةً لكل آليات الدفاع عنها، عن هذا التكريم الذي خصّه الله إياه،
وبين التعبير الأوّل والتعبير الأخير قد يحدثُ التعدّي فتفرض بعضُ الشعوب إرادتَها ضدّ بعض الشعوب الأخرى بفضل وسائل الدمار المتقدمة أو بفعل تفوقها العددي، كما يذكر فرانز فانون، ذلك أن الغريزة الكولونيالية تقوم على العنف وتترجم انحرافاً عن المفهوم الأوّل لجوهر الخلق الحرّ المستقل بكينونته والمتساوي بهذه السمة مع غيره من البشر، وهو بهذا التعدّي يكشف عن انحراف يمتد إلى الجانب النفسي ويسعى للاستعلاء على أبناء جنسه وإشباع رغباتٍ تكون قد تملكته هو سلفاً وأسقطته في دركها واستعبدته قبل أن يشرع هو في استعباد شعبٍ آخر، ولذلك فهو يلجأ إلى صياغة منظومة كاملة تتجاوز العنف المادي إلى العنف النفسي وتتجاوز ارتهان الحاضر إلى الماضي والمستقبل وتتجاوز الممارسة إلى النظرية "حين تصوّرُ أيديولوجيا الغزاة الشعبَ المستعمَر على أنه شعبٌ توقف عن التطور ولا يستوعب العقل وعاجزٌ عن إدارة شؤونه بنفسه ومحتاجٌ على الدوام لحضور من يديره ويقوده"، "وهذا النظام المفروض بالعنف لا يمكن له إلا أن يكون وفياً مع ذاته" فيغرق في دوامة العنف التي لا يملك غيرها والتي ترهن استمراره بمقدار ما يختزن من قدرة على استخدام هذا العنف، والذي سيولد لدى المستعمَر آلياتِ المواجهة "غضبا يفتش عن تعبيرٍ له" على حدّ تعبير فانون، ذلك أن مسبار الكرامة المكنونة بفعل التكريم الرباني لا يقبل ولا يستقيم مع التعبير الأول لجوهر الخلق ولا ينسجم إلا باستعادة ذاته وحريته واستقلاله الذي فُطر عليه، فيكون ما يكون، وقد كان، حين تصبح الحرية والكرامة أكبر من الحياة ذاتها وتهون التضحيات أمام عدوٍّ مأسورٍ مستعبَدٍ لشريعة النهب والعنف والظلم والعنصرية والاستعلاء، لقد استقلت الجزائر وتحررت، فهل تحرر الغزاة؟. |