صنعاء نيوز/ د.عادل الشجاع -
-
من الواضح أن المعارضة ليس لديها مطلب واضح يخصّ المستقبل سوى أنها تريد السلطة دون الأخذ بأسبابها، وهي للأسف الشديد تتعامل مع الوطن بوصفه رقعة أرض على خارطة الكرة الأرضية، وتغفل وجود المواطن وحقه في الحياة الكريمة.
من هنا يمكن القول إن سؤالاً يستبطن رأياً للمعارض مغايراً لرأي السلطة، وهو بالتالي ينطوي على حكم بالإعدام، ونحن لا نقول هذا الكلام جزافاً وإنما ننطلق من موقف المعارضة في رفض الحوار والسعي نحو إسقاط النظام.والسؤال الذي يطرح نفسه: أي يمن نريد؟ والمقصود أي نظام وأية هوية وأية رؤية يراد لليمن؟!.
فنحن نعلم أن النظام يرتكز على قواعد الحرية والديمقراطية، وعلى احترام حقوق الإنسان، أي احترام القيم الحضارية والإنسانية السامية، فماذا سيقول أولئك الذين حوّلوا الشوارع العامة إلى أماكن للمبيت والمقيل وعطّلوا الحياة العامة, وأعاقوا حركة الدخول والخروج للمواطنين من منازلهم.
فعندما نقول: أي يمن نريد؟ فإننا لا نرضى بأقل من الحرية والديمقراطية والحفاظ على سائر حقوق الناس في وطنهم.
ولست بحاجة للقول: إن المعارضة تعيش حالة غيبوبة, فهي تسمح برفع شعارات تتحدث عن قضية الشماليين والجنوبيين، فهي لم تدرك بعد العولمة التي تتحدى وتتعدى الحدود السياسية والإثنية والوطنية والقومية والتي جعلت من العالم كله مشروع قرية كونية في تداخل المصالح وعمق التواصل وتلاحم المصائر.
ومن نافل القول إن أية رؤية مستقبلية لليمن نختصرها في صورة لوطن يعيش فيه المواطن بسلام ووئام على تعددية الفئات والمشارب، في كنف نظام يصون الحريات العامة والخاصة، ويقوم على العدالة والمساواة، ويلتزم قواعد الديمقراطية مع احترام مقتضيات التوافق الذي يمليه واقع التعددية في المجتمع، ويلتزم خط الشعب مصدر السلطات بأمانة في سياسة الدولة وتوجهاتها.
نختصر الإجابة عن التساؤل: ماذا تريد المعارضة من اليمن؟.
نقول: إن اليمن ينبغي أن يكون بلد العيش المشترك، وهذا يقتضي منا الحفاظ على الوحدة الوطنية بين أبنائه على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم، أما رغبتهم في إقامة دولة إٍسلامية بالتعاون مع تنظيم “القاعدة” فذلك هراء وتقويض للوحدة الوطنية، وبالتالي القضاء على اليمن مجتمعاً ووطناً ودولة.
ومما لا شك فيه أن أحزاب المعارضة قد اختطفت من قبل القبيلة وحركة الإخوان المسلمين اللتين تسعيان إلى تقويض استقرار اليمن, ومطلوب من كل القوى الحيّة أن تحارب هذا التوجه سياسياً وديمقراطياً.
فلست أدري متى تسأل الأحزاب السياسية نفسها: لماذا يكون التعايش البنّاء في شتى أرجاء الأرض ولا يكون مثله في اليمن؟!
للأسف الشديد أن بعض المستفيدين من السلطة بدلاً من أن يجعلوا من الديمقراطية دليلاً ومرشداً لأهمية الإصلاحات, بدأوا الارتداد التدريجي خطوة بعد خطوة نحو الإسراف في طرح الأحلام عن الرخاء القادم.
ولأن هذه الأحلام – رغم مشروعيتها ولهفة الناس عليها ـ كانت تفوق في طموحها حقائق الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي, فحدثت الفجوة بين الواقع والطموح لتتسع الفجوة إلى آخر مداها.
لقد دخلت المعارضة في مغامرة لم يستطع الوطن تحمُّلها, ورفضت الحوار والمبدأ الديمقراطي.
وللعقلاء نقول: إنه لا يمكن أن نحدد المستقبل دون أن نعرف الصورة التي نريد عليها بلادنا، فشكل الدولة وماهيتها سوف يحدد الإطار الفلسفي والأخلاقي للدولة التي نريدها.
ولسوء الحظ فإن الضجيج والضوضاء الجارية في الساحات المختلفة قد أعمت أصحابها عن جوهر الدولة المدنية التي يرفعون شعاراتها, وهو الديمقراطية.
على أية حال فقد أفرز الخروج إلى الساحات العديد من المكاسب أهمها سقوط هيبة أولاد الأحمر الذين عاثوا في الوطن فساداً, وأثروا من نهب المال العام ومن تراخي القانون في التعامل معهم ومحاسبتهم!!.
ولست بحاجة للقول: إن من المكاسب أيضاً أنه لا يمكن العودة إلى الوراء في النظام السياسي مرة أخرى, ومثلما أنه لا عودة إلى الوراء في النظام السياسي مرة أخرى, فإن الحكمة تقتضي عدم العودة أيضاً إلى الوراء خلال خمسين عاماًَ الماضية خلال فترة ثورة 26 سبتمبر 1962، بل أيضاً إلى ما سبقها من فترة الإمامة، هذه الفترة باتت جزءاً من تاريخ اليمن, والحكمة تقول: إن القوى السياسية الحيّة لا تعود إلى التاريخ، ولكنها تصنع تاريخاً جديداً.
وعلى هذا الأساس لابد من تفعيل الديمقراطية وفق العرف المتبع في بلاد العالم وليس وفق مخترعات خاصة, فالديمقراطية، كما قال مهاتير محمد – مؤلمة لأن فيها رابحين وخاسرين، وفيها سلطة لمؤسسات وقوة الشارع.
وللأسف فإن المعارضة تتحدث كثيراً عن الديمقراطية، ولكنها لا تعرف ثمنها من سيادة القيم العليا، فهي تقوم على حرية الفرد وسطوة المؤسسات والتشريعات وليس على جماعات الفتاوى!!.
نحن بحاجة إلى الديمقراطية, لأنه لا يوجد بديل لها سوى الفوضى أو العودة إلى الوراء, وذلك مرفوض, ليس في الديمقراطية خصومة ولا خصام, وإنما هي تفاعل وحوار.