صنعاء نيوزبقلم:أ.مشارك. د/ مهدي احمد الحاج باعوضة/عميد كلية الصيدلة/جامعة عدن - آه كم تمنينا أن تتأخر ساعة القضاء القدر..
رحل عنا أوفى أحبتنا الطيبين، ولم يبلغ من العمر عتيا، أوفى الرجال وأطيبهم الشهم الدكتور/مختار حسن بن لصفوح العولقي رحمة الله عليه.
لقد حزنت كثيرا كما حزن كل أحبة "مختار" على فراق الصديق الصدوق بل صدمت وتأثرت تأثيراً بالغا برحيل الطيب الغالي، أخي الذي لم تلده أمي, الإنسان المتواضع, الأكاديمي د/مختار، وهو في أبهى حلته بمعوزة الشبواني الأنيق وقميصه الجميل وغترتة الكب وكأنها التاج على رأسه الملكي الطاهر وكأنه العريس الأخر في تلك العصرية الفرائحية السعيدة والتي تحولت إلى أمسية كئيبة حالكة حزينة وليلة ظلماء فقدنا البدر أبو محمد فيها.
انه موت الفجأة، الذي حذر منه رسولنا الكريم محمد صلوات الله عليه وسلم، لقد زفينا عريسنا الطاهر النقي الوفي د/مختار إلى منزلة في مدينة المنصورة وقلوبنا تعتصر ألماً ونظراتنا لبعضنا تحمل هول المأساة وعناقنا لبعضنا ينقل مشاعر العزاء الفياضة وعزائنا واحد فالخسارة كبيرة التي أصبنا بها ثم صلينا على جثمانه الطاهر في مسجد الرضا بمدينة المنصورة، وتوجهت الجموع الغفيرة تجر أذيال الأسى وهي تحمل جسده الطاهر "د/مختار" إلى مقبرة أبو حربة لتدفن أنبل إنسان قابلته فكانت العيون تدمع والقلوب مكلومة.
لقد نعاه رئيس جامعة عدن أ.د/عبدالعزيز صالح بن حبتور وألقى كلمة مؤثرة ومعبرة في جموع المشيعين في مقبرة أبو حربة على قبر الفقيد د/مختار تناولت مناقب الفقيد والفراغ الكبير الذي سيتركه فقيدنا الغالي د/مختار.
إنها لحظات صعبة علينا نحن أصدقاءه، وهي اشد صعوبة على أسرته الكريمة، كيف تقبلوا الخبر المفجع الزلزال، وقد ودعهم والدهم وصديقهم "مختار" لحضور الزواج ثم عاد إليهم بعد ساعات وقد فارق الحياة.
الله ما أصعب هذه اللحظات العصيبة..، ولكنهم ثبتوا على هذا المصاب الجلل، فإيمانهم كما عرفناهم دائماً قوي مؤمنين بقضاء الله وقدرة، وكأن الله سبحانه وتعالى قد انزل سكينته على قلوب أسرة أخي "مختار" وأهله، واثبت أبناء الفقيد محمد وخالد وحسن أنهم رجال رغم صغر سنهم، وعندي ثقة كبرى بأنهم سيحملون راية والدهم "مختار" وسيكملون المسيرة، مسيرة الطيبة والأخلاق والعلم والعطاء بلا حدود، فهذه الأشبال من ذاك الأسد، قال تعالى: "وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا إليه راجعون" صدق الله العظيم.
في الخامسة أو الخامسة والربع تقريباً من مساء الخميس فجأة تغيرت ملامح د/مختار وشعر بضيق نفس شديد وذهب في غيبوبة دون أن يدري احد إلا الذين بجواره فلم يمهله القدر كثيراً فتوفاه الأجل، إذ صدق جل شأنه بقولة تعالى"فإذا جاء اجلهم لا يستاخرون ساعة ولايستقدمون" صدق الله العظيم.
لقد انتزع الشهم "د/مختار" من بيننا انتزاعا، وهو يتبادل الحديث والضحكات والتعليقات مع الحاضرين وقام عدد من المدعوين ليتصوروا معه صورة تذكارية مع العريس ومع أ.د/عبدالعزيز صالح بن حبتور رئيس الجامعة، ولم يقم عريسنا الغالي مختار معهم فناداه الأستاذ الدكتور/عبدالعزيز بن حبتور "يامختار قم تصور معنا" ونهض كالأسد وتصور وكأنه يقول للجميع مبتسما دعوني أودعكم هذه صورتي هي الأخيرة معكم يا أحبتي، إنها صورة الوداع الأخير.
فالحاضرون في مراسم العرس ممن كان "د/مختار" جالسا بجوارهم مصدومين مذهولين ويبتهلون إلى الله أن ينقذه ويشفيه، ولم يصدقوا مايشاهدوه أمامهم، وأصدقاءه وزملائه ومحبيه لم يصدقو المكالمات التي نقلت خبر وفاته فيما بعد، ولكنها حكمة الله وقدرة، لقد حانت الساعة فقد اختار الله سبحانه وتعالى حبيبنا الغالي مختار وهو في قمة عطائه وشبابه، اختاره صغيرا في السن شاباً في ساعة مباركة من ليلة الخميس المبارك وفي أخر شهر رجب الحرام بتاريخ 28رجب 1432هجرية الموافق 30/6/2011م.
من الصعب جدا أن أرثي شخص أحببته وأحبة الناس قاطبة، لأنه ساكن في أعماق.. أعماق قلبي، وهو منحوت في ذاكرتي لأنه يتصف بصفات إنسانية رائعة قلما تجدها في رجال اليوم من دماثة الأخلاق والرجولة والشهامة والتواضع والوفاء والإخلاص والأمانة والكرم وهو وحدوي من الطراز الأول.
قلب اعز الناس أبو محمد لم ترحمه الذبحات الصدرية فداهمته في مصر وفي الهند وأخيراً في عدن، لقد داهمته الذبحة الصدرية في الخامسة والنص من مساء الخميس فتوفاه الأجل رحمة الله علية فجأة فتسمرنا في أماكننا من هول الفاجعة فهل نجد رجلا في هذا الزمان بمواصفات وحجم "د/مختار" إلا أن عزاؤنا أن أبو محمد رحل إلى قلوبنا وذاكرتنا.
رحل عنا رجل الشدائد والمحن رحل عنا أبو الوفاء ومن صان الصداقة وطهارة الإخاء, رحل عنا أبو المبادئ والأخلاق والقيم, رحل عنا محب وحدة الوطن حتى النخاع.
فقيدنا الراحل د/مختار يمتلك المواصفات الأكاديمية كمحاضر في قسم إدارة الأعمال بكلية العلوم الإدارية بجامعة عدن، والأمين العام المساعد لجامعة عدن وله مساهمات كثيرة في مؤتمرات وندوات علمية وحلقات نقاش وقدم فيها العديد من الأوراق العلمية..، وكذا المداخلات الفكرية التي تجسد وحدة الوطن.
لقد أشاد به العديد من الأساتذة الأكاديميين المشهود لهم كمحاضر متمكن كما أشادوا به كل منتسبي جامعة عدن من أعضاء هيئة تعليمية وهيئه تعليمية مساعدة وموظفين وموظفات كأمين عام مساعد لجامعة عدن من خلال تأدية واجبة على أكمل وجه رغم قصر فترته في هذا المنصب.
لقد رحل أبو محمد فجأة فبكاه الأكاديميين والموظفين والموظفات والطلاب والطالبات والمتعاقدين والمتعاقدات وكل من يعرفه وقد ذرفوا دموع الحسرة والندم على رحيله..، حيث يرحب بهم في مكتبة المفتوح كقلبه المفتوح وصدره الواسع الرحب حيث يصغي إليهم، فمداد قلمه لاينضب فيحل قضايا منتسبي الجامعة ويرحم البسطاء ويتواضع معهم، ويوجه بدعم المحتاجين وأخر توجيه لي (عليك بدعم خالتي عيشة المراسلة هذه الإنسانة الرائعة الفقيرة والتي أوت في بيتها النازحين من أبين) فنفذنا توجيهاته بحذافيرها.
لقد كانت أخر مكالمة معه الساعة الثانية ظهرا من يوم الخميس 30/6/2011 يوم وفاته حيث أضحكني على أخيه وصديقة الحميم الأستاذ/ محمد الربيزي قال لي "أن الأخ/ الربيزي مصر على أن موعد الزواج هو الجمعة وليس اليوم الخميس فقد التبس الأمر عليه مع موعد زواج أخر لال بن حبتور" وقد ضحك فقيدنا الغالي كثيرا لأنه يحب الأستاذ الربيزي وكل الناس ولا ادري إنها أخر مكالمة والضحكات الأخيرة والمودعة لأوفى واعز رجل عرفته في حياتي.
د/مختار كان وفيا معي في الأزمة الأخيرة كما هو وفيا مع الآخرين وهو رجل المهمات الصعبة ويقول لك لبيك في أي وقت وحين وعند الضرورة, رجل صادق لايتعذر وإنما يقول لك دقائق وأنا عندك وإذا لك حق لا يظلمك وإنما يساعدك ويدعمك عند رئيس الجامعة وصريح وما يحمله قلبه تنقله لسانه.
انه ابن شبوة الشهم الأصيل المتواضع وابن مدينة المنصورة الجدع المتحضر فلا يتلون كالحرباء ولا يمكر كالثعالب وإنما سيقف أمامك كالجبل بغترتة الشبوانية ولن بتزحزح عن موقفة مهما كانت التضحيات وسيموت على مبدئه..، وقد اثبتت في الأزمة الأخيرة يافقيدنا الغالي انك الشبل من ذاك الأسد وهو والدك الشخصية الاجتماعية االمرحوم الأستاذ/ حسن ابوبكر لصفوح العولقي انك معدن أصيل لا يصدا وانك ذهب في ذهب وان الرجال مواقف والرجال تظهر عند الأزمات وإنني أتحسر على الذين دسوا رؤوسهم في الرمال فعندما يرحلون نودعهم غير مأسوف عليهم فهنيئا لك هذا الحب وهذه السيرة العطرة بين كل الناس وهذه الجموع الغفيرة التي حملت نعشك ونقتبس قول الشاعر/ احمد بن حيدرة بن حبتور في أمثال د/مختار:
بعض العرب مايستخي للموت في ذمتك يالموت خله
مابا على ذي يلحقون الفوت مالخام لاشلة يشلة
الراحل د/مختار شخصيته كاالبدر الذي يوزع نوره الباردة بابتسامته الهادئة على كل أطياف البشر وكالشمس التي أشعتها محرقة فتقتل كل الجراثيم التي يحملها الفاسدين فشخصيته تجمع كل ألوان الطيف السبعة والتي تجتمع في لون واحد وهو اللون الأبيض بلون قلبه الطاهر الأبيض العليل.
رحمة الله عليك ياأصدق الناس وأنبلهم ياأبو محمد وخالد وحسن ومها وفاطمة فقدناك في وقت نحن بحاجة إليك وفي أحلك الظروف إلا إننا نعاهدك إننا سنظل أوفياء، كما عهدتنا فالوفاء من شيم أهل الوفاء وسيظل النمر نمرا، كما لقبته أنت وهو الأستاذ د/عبدالعزيز صالح بن حبتور فعندما أسالك أين أنت الآن ياشيخ المشايخ تقول بصوت خافت احتراما للمكتب أنا في مكتب النمر.
نسال الله عز وجل أن يتقبل الدكتور/مختار حسن أبوبكر بن لصفوح العولقي بواسع رحمته مع الشهداء والصديقين، ويسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله وذويه وأصدقاءه وطلابه ومحبيه الصبر والسلوان، "إنا لله وإنا إليه راجعون".
|