صنعاء نيوز/ د.سعاد سالم السبع -
من يريد أن يعرف الشعب اليمني هذه الأيام فما عليه إلا التنقل سيرا على الأقدام ، أو باستخدام وسائل النقل العامة (الحافلات والدبابات)، حديث الناس في اليمن في كل مكان وبخاصة في الشوارع وفي وسائل النقل العامة سياسة في سياسة حتى الأطفال الصغار أصبحوا من المتجادلين في السياسة وحول السياسيين، لكن الهم الأكبر الذي يخشاه الناس هو تدهور الحالة المعيشية في اليمن أكثر مما هي عليه اليوم بسبب ما وصلت إليه الأحوال من معاناة من حيث اختلال الأمن واختفاء وسائل الحياة الضرورية كالكهرباء والبترول والديزل والمغالاة في أسعار السلع الأساسية كالقمح والدقيق والسكر والزيت وبدء المحاولات لإخفائها من السوق، وغير ذلك مما يفتح نار ثورة الجياع على كل حي في طريقهم إن لم يأت الحل سريعا..
الأزمات التي نعيشها لا شك قامت على تخطيط معرفي قام به تجار الحروب، والمتربحون من الأزمات السياسية والكوارث الشعبية فوظفوا معرفتهم لتدمير تطلعات الشباب في التغيير الإيجابي، وعملوا على تضييق الخناق على الناس، وهؤلاء المجرمون هم في الأساس نتاج تعبئة معرفية مزيفة، خلقت لديهم قناعات شاذة لا يؤيدها المنطق السليم، ولا يقرها دين ولا عُرف لكنهم هكذا تأهلوا معرفياً، حيث تم إشباع حاجتهم للمعرفة بمعارف مضللة ومزيفة وخاطئة تصنع الشر وتستمتع به ، ولا تعرف الخير بل تحاربه، حيث تحولت هذه المعرفة التي تشبعوا بها إلى قيم عدائية تسمم أفكار الشباب، وتشوه كل مظاهر الحياة النظيفة والآمنة، وهكذا تكون نتائج التضليل المعرفي كارثية إن استمرت ..
المعرفة حاجة إنسانية لا يمكن الحياة بدونها، والمعرفة حق ديني وإنساني يجب أن يُمكن منه كل مواطن، وحينما تكون المعرفة صحيحة وواقعية وحقيقية يشعر الفرد بالراحة، ويعمل ذاتياً لتوظيفها في حياته، ويسعى لإيجاد الوسائل المنطقية للتعامل مع هذه المعرفة ومع نتائجها على حياته، وحينما تكون المعرفة مضللة يتخذ الفرد في ضوئها قرارات غير صائبة، تضر غيره وقد تدمره هو إن لم يتم تصحيح معرفته قبل فوات الأوان...أما حينما تُمنع عن الإنسان المعرفة فإنه يتوقف عن التفكير، ويصبح لعبة في يد آخر من يتصل به، بل يصبح قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة بلا سبب ودون سابق إنذار وتدمر كل ما في محيطها..
وهذه هي حالة الشعب اليمني هذه الأيام؛ فقد حجبت عنه المعرفة الصادقة بما يحدث للوطن، فأصبح يعيش حالة اللاوعي بما يدور حوله هذه الأيام، وصار الجميع في حالة ركود عقلي قهري فرضه عليهم مستقبل مجهول المعالم في ظل تحجر عقول المسئولين عن إدارة الأزمة، الذين لا يزال كل منهم يعمل بقول المثل: “ بيضتي وإلا الديك” وبوجود إعلام مشوش لا يثبت على خبر ولا يفند رأياً، ولا يتوخى الحقيقة، حتى صار الشعب مستعداً للانفجار أكثر من استعداده لاستئناف الحياة..
إن ما يشوب الوضع اليمني من غموض في ظل عدم معرفة الناس إلى أين يقود النافذون سفينة اليمن؟!! وماذا سيحدث غدا؟!! وإلى متى سيظل الوضع مستنفراً؟! لا يزال يشكل قلقاً مستمراً لكل فرد في هذا البلد الذي كان سعيداً، فأتعسه أهله بانقساماتهم وصراعاتهم، وما نعيشه من هدوء حذر لم يعد مُطاقاً، فقد صار هذا الهدوء يشبه هدوء المرض الخبيث في الجسد العليل، لا يملك معه المريض إلا أن يُوقف كل مشاريعه المستقبلية منتظراً ساعة الرحيل عن حياة هي أقسى من العدم، إن أخطر أنواع الموت الإنساني أن يفقد الإنسان قدرته على رؤية الغد حتى يعمل حسابه لهذا الغد...فمن سيمنحنا القدرة على التفكير الإيجابي في الغد؟!!
المحللون لا ينقطعون عن تخيل السيناريوهات المحتملة لمستقبل اليمن، وللأسف معظم التوقعات تخبرنا عن سيناريوهات دموية قادمة خاصة في ظل تبادل التحديات، وقليل منها تطرح الحل التوافقي والحوار، مع أن المنطق يحكم بأن الجميع سيخضع للحوار حتى وإن قامت آلاف المعارك بين المتصارعين، فلا بد أن تحدث تنازلات من الجميع ليصلوا إلى نقطة التلاقي، ولن يقف العنف إلا بالحوار وإقرار حل توافقي يرضي جميع الأطراف..
مستقبل اليمن يعرفه ويتحكم فيه فقط من يمتلكون خيوط اللعبة السياسية، أما الشعب المنكوب فلم يعد يريد غير معرفة الحقيقة كيفما كان لونها، حتى يستعد للتعامل مع هذه الحقيقة بوسائل منطقية تحمي الوطن، وتحفظ السلم الاجتماعي، وهذه رسالة صادقة إلى كل من يمتلك الحقيقة من النافذين والقابعين خلف كواليس اللقاءات والمشاورات والاتفاقات السرية ..أعلنوا الحقيقة للشعب حتى يقف في صف الحكيم منكم، وحذار من استمرار التعتيم فلم يعد لدى الجماهير من الصبر ما يجعلها تتحمل كل هذا الاستخفاف بالذاكرة اليمنية، ولم يعد الواقع المعيشي يساعد الناس على الاستمرار في الحديث فقط... فلماذا تقتلون حتى قدرتنا على الانتظار؟!!
(*) أستاذ المناهج المشارك بكلية التربية ـ جامعة صنعاء
[email protected]
Bookmark and Share