صنعاء نيوز/ د. عبد العزيز المقالح -
كثيرة هي الأسباب التي قادت إلى الانتفاضات والثورات التي يشهدها الوطن العربي في الظروف الراهنة، لكن أهم تلك الأسباب وفقاً لما أجمع عليه علماء السياسة في وطننا العربي والعالم تعود إلى عاملين أساسيين هما: احتكار السلطة، وغياب العدالة الاجتماعية ويختلف هؤلاء العلماء في تحديد أي من هذين السببين أكثر تأثيراً ودفعاً بالاحتجاجات التي تحدث، ففي حين يرى البعض منهم أن سبب غياب العدالة الاجتماعية في الوطن العربي هو المؤثر الأكبر والباعث على تأجيج هذه الانتفاضات، يرى الآخرون أن احتكار السلطة من قبل فئات معينة وإقصاء الفئات الأخرى العامل الأساس في إذكاء التذمر وتصاعد موجة الاحتجاجات والوصول بها إلى مشارف الثورة .
ويمكن استخلاص موقف ثالث يرى أن العامليْن كليهما، على درجة واحدة من التوازن والتفاعل، في الضغط على المشاعر والاندفاع نحو الشارع، وأن مصلحة السياسيين والمثقفين الذين يعانون الإقصاء قد التقت مع مصلحة الجماهير المحرومة من الحد الأدنى من الرعاية والضمان الاجتماعي فكان هذا الخروج المشترك والتضافر على التغيير . ونظرة واعية إلى إحدى الساحات أو أحد الميادين حيث يتجمع المعتصمون في هذا البلد أو ذاك قادرة على أن ترسم صورة واقعية لجناحي المجتمع وتعاونهما المبدئي في تحطيم احتكار السلطة وإشاعة نظام الرعاية الاجتماعية، وتبدو هذه الصورة في مصر أوضح منها في أي مكان آخر .
وربما تهيأ للمراقب المتعجل أن الحل السياسي وإيجاد حل لاحتكار السلطة في بعض الأقطار العربية قد يغدو من السهولة بمكان، في حين أن إيجاد الحل المناسب لغياب العدالة الاجتماعية يتطلب جهداً كبيراً ووقتاً أطول لاسيما في الأقطار الفقيرة محدودة الثروات، مع أن الإصلاح الاجتماعي رغم صعوبته يبدو أقرب وأكثر سهولة من الحل السياسي لتعدد وجهات النظر، ولما تتسم به الحياة السياسية في شعوب العالم الثالث من اضطراب في الرؤى وتعصب في المواقف، ومن غياب التجربة القائمة على التراكمات والممارسة الناتجة عن إيمان عميق بمعنى الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة، إذ ما يكاد حزب من الأحزاب أو جماعة من الجماعات تصل إلى السلطة حتى عن طريق الديمقراطية لا تتردد عن أن تمسك بزمام الأمور حتى تعتقد أنها وجدت لتبقى، وأن الأقدار اختارتها لتحكم إلى الأبد .
وكما تكاثرت الأحاديث في الآونة الأخيرة عن مواثيق الشرف في الصحافة والمحاماة وغيرهما من منظمات المجتمع المدني، فلماذا لا يكون هناك مواثيق شرف مماثلة بين السياسيين العرب يكون على رأسها وفي مقدمتها عدم الإخلال بالمبادئ التي تحمي العمل السياسي وتجعل منه وسيلة لخدمة الشعب وتحقيق آماله وأمانيه لا تحقيق آمال وأماني السياسيين وأحزابهم؟ ولم يعد عسيراً ولا صعباً إعداد مثل هذه المواثيق والالتزام بها لا لإنجاح العمل السياسي فحسب وإنما لكسب ثقة الشعب الذي أصبح في غالبيته يكره السياسة ويرى فيها شراً محضاً لا خير فيه .