صنعاء نيوز/د. خضر محجز -
عندما تتحول الجامعات إلى أوكار للتحقيق
فوجئت بما جرى لصديقي الأستاذ دكتور محمد فكري الجزار، أستاذ النقد الأدبي بجامعة المنوفية، الذي ساء حظه، وساءت ظروفه ـ بسبب الظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشها الأكاديميون المصريون، وما زالوا يعيشونها حتى الآن ـ فانتقل إلى العمل في جامعة الباحة بالسعودية. لكن ما فاجأني أكثر هو موقف مساعد وزير الخارجية المصري، الذي أخذ يراقب الحدث بحيادية ويقول: "لا يجب أن نحمل الأمور أكثر مما تحتمل، لأن كل المصريين العاملين في الخليج، يعلمون النظم والقوانين المعمول بها في تلك الدول، والتي يجب احترامها والعمل في إطارها. والجميع يعلم (نظام الكفيل) المعمول به في تلك الدول، ويتم بموجبه ترك جواز السفر مع الكفيل. وهو أمر طبيعي. وعلينا أن نحترم قوانين الدول المضيفة، دون تهويل أو تهوين من رعاية مصالح أبناء مصر بالخارج".
ما أريد قواه هنا هو أننا لا نحمل الأمور أكثر مما تحتمل، عندما نطالب مصر الثورة بأن تسعى للإفراج عن الأستاذ الدكتور محمد الجزار، ليعود إلى بلاده، بطريقة تحافظ على كرامة مصر وأبنائها العلماء. فحقيقة الأمر أن الدكتور الجزار، قد عانى طوال الفترة السابقة على سحب جواز سفره، من تدخلات غير أكاديمية في عمله، من قبل مسؤولين في الجامعة، ولطالما أخبرني بأنه ينتظر العودة إلى مصر، بفارغ الصبر. ما الذي جعله يقول هذا الكلام، وهو الذي اختار أن ينتقل للعمل هناك؟. هنا يمكن لي التخمين، خصوصاً والكل يعلم مدى سوء المعاملة التي يتلقاها المصريون ـ على وجه الخصوص ـ في السعودية ودول الخليج.
ثم هناك ما أريد قوله كذلك، حين لا أتوقف عند مجرد الاستغراب، من هذه المعاملة غير اللائقة لأحد علماء مصر والعرب، لمجرد أن ابن وكيل الكلية، التي يعمل بها الدكتور، قد رسب في الامتحان!. فالتوقف عند هذا وحده لا يفسر حقيقة ما حدث، لأن الحقيقة كامنة فيما وراء ذلك بالقطع. إنها كامنة في الدعم المستمر والقوي والمؤثر الذي بذله الدكتور الجزار لثورة مصر. وإنه لموقف من الدكتور الجزار لا تستطيع أن تتفهمه دولة كالسعودية، تخشى على نفسها من عدوى الربيع العربي، الذي يمثل الدكتور الجزار أحد رواده ومنظريه.
من هنا فإن من الطبيعي ـ بل من المطلوب ـ أن تقف حكومة الثورة المصرية موقفاً أقوى من هذا الذي بدا عليه موقفها في تعليق مساعد وزير الخارجية. فلو علمت الدوائر الحاكمة في السعودية أن موقف الحكومة المصرية سيكون غير ذلك، إذن لما تصرفت مع الدكتور الجزار بهذه الطريقة المشينة.
لا أعرف لماذا لا تجرؤ السعودية أن تفعل أقل من ذلك بمواطن أوروبي، دون أن تمطر السماء عليها حجارة من غضب، ثم لا تتمهل لحظة في فعل ما هو أعظم من ذلك، في مواطن دولة خاضت باسم العروبة أعظم معارك الشرف، وحققت للأمة العربية أعظم نصر حديث في تاريخها؟. لماذا يحدث هذا مع مصر بالذات؟.
ربما لا يعلم الكثيرون أن الدكتور محمد فكري الجزار هو سليل أسرة مناضلة، وأب مكافح، إضافة إلى ما لم يعد سراً، من كونه أحد أبطال العبور العظيم. أهكذا تكافئين يا مصر الثورة أبطال العبور؟. أهذه هي التصريحات التي تليق بمثل مكانة مصر وأبنائها؟. ومنذ متى كان نظام الكفيل هذا مقبولاً على المستوى العربي والعالمي حتى يتذرع به مساعد وزير الخارجية المصري فيبرر تهاون الحكومة في الدفاع عن واحد من علماء مصر؟.
من العبور إلى العبور، يظل اسم محمد فكري الجزار شاهداً على عظمة المصري العربي، من عبور أكتوبر إلى عبور 25 يناير، يظل اسم محمد فكري الجزار شاهداً على تحويل بعض المنتفعين نصر العظماء إلى منظومة علاقات عامة و(بزنس).
فليعد الدكتور الجزار إلى وطنه مصر قلب العروبة فوراً، ولتصمت كل الأبواق المعادية لحرية الرأي.
تحية للأستاذ الدكتور محمد فكري الجزار، وتحية لكل مجاهدي ميدان التحرير، وتحية لزوجته الوفية المرابطة في أرض الكنانة.
تحية خاصة لاتحاد الكتاب المصريين، ولجمعية النقد الأدبي، وللشباب المتضامنين مع الدكتور الجزار، والمعتصمين بأبواب القنصلية السعودية في جاردن سيتي.
تحية لكل من يقف إلى جانب الدكتور الجزار في محنته، ولا يبحث عن الذرائع للتخلي عن صديق في لحظة المحنة.
ونداء إلى المشير طنطاوي أن يؤدي واجبه، بالسعي القوي والفوري لتأمين الإفراج الفوري عن واحد من أهم علماء مصر.
وقبل أن أنهي مقالتي هذه يجدر بي التحذير من عادة قبيحة تعودتها أجهزة الدعاية المسمومة في مصر، حين كانت طوال العهد السابق، تعتبر كل من ينتقد خطأ هنا أو هناك شخصاً يهاجم مصر، وكأن ليس من حق كل عربي أن يغار على عظمة مصر. فمصر أكبر من أن تختزل في بضعة أشخاص لا يؤدون واجبهم. وحاشاي أن أطعن في مصر أم العرب والمسلمين؛ بل أطعن بالتأكيد في كل من يطعن مصر، ويوظف مصر عنده، بدل أن يوظف نفسه عند مصر.
وأخيراً، أرجو ألا نتكلم كثيراً، في وقت العمل فيه فقط هو المطلوب. لا نريد من الحكام تصريحات، بل نريد أن نرى الدكتور محمد فكري الجزار في بلده بين أبنائه وطلابه ومريديه. ونحن في هذا لا نطلب الكثير.
وسلام على صديقي الأستاذ الدكتور محمد فكري الجزار. وليحفظ الله مصر وأبناءها من كل عتل جواظ مستكبر.