صنعاء نيوزجميل مفرّح - ما من يمني الآن وفي الظروف الراهنة إلا وتعركه التساؤلات وتنهكه الاحتمالات والافتراضات حول كنه الأزمة التي يعيشها الوطن حالياً، وما من يمني إلا وتطحنه رحى الخوف والقلق من نتائج ما هو راهن وتبعات ما قد يحدث على افتراض تصعد الأزمة واشتداد أوارها لا قدر الله.. وما من يمني إلا ويحاول أن يفهم أو يتقرب من فهم حيثيات ومعطيات وأسباب وبالتالي مخارج هذه الأزمة التي أثقلت وتثقل القلوب قبل الكواهل وعطلت المدارك والمفاهيم قدر تعطيلها للحياة..
ما من مواطن إلا وينقسم على ذاته ليسأل نفسه ويلح بالسؤال على كل من وما حوله: ما الذي حدث ويحدث؟ ثم ماذا بعد؟ وأسئلة حيرى كثيرة حول راهننا المعاش اليوم هي ونحن والجميع ممن يهمهم شأن اليمن بحاجة ماسة جداً إلى إجابات شافية مقنعة منحازة في مجملها للحقيقة ولا سوى الحقيقة، إجابات متجردة من كل ما من شأنه الندية والتمترس وكيل التهم بالإطلاق على الآخر أياً كان ذلك الآخر.
ما من يمني اليوم إلا ويشعر بخيانة الأحداث والظروف لواقعه المفترض بقدر خيانة بعض بني تربته للحكمة التي أودعت في صفاتنا منذ زمن قديم، وبقدر خيانة هؤلاء أيضاً لأمنياتنا وطموحاتنا البسيطة جداً والتي لا تتعدى، في متوسط أحوالها، هدوء البال والعيش بأمان وتجنب العاديات الكواسر من الأحداث والفتن.. وذلك عند صدق القول وحقيقة، أقل وأدنى ما قد يطمح فيه ويحلم به متدبر سائر على قدمين في حضن البسيطة بامتدادها..
لاشك في أن الإنسان اليمني قد عركته الظروف وامتحنته الأحداث من زمن لآخر، وظل يثبت للزمن ولأولي الزمن أنه كائن لا يجانبه الجلد ولا تخونه سعة الصدر والبال، وأثبت من حدث لآخر أنه، ربما الأقدر على المطاوعة والتحمل وعلى التعايش والتواؤم مع حاله وراهنه أياً كان وبأية كيفية.. وليس - برأيي- أبلغ مما نعيشه اليوم ونتعايش معه من واقع مرهق يتعدى الممكن لدى سوانا، ولا أدمغ حجة ودلالة من ذلك على تميز وخصوصية هذا الإنسان اليمني ومدى قدراته على التكيف مع أي واقع والتعامل مع أية ظروف.
ولكن.. هل معنى كل ذلك أن يعيش هذا الإنسان ما قُدّر له من العيش شقياً بائساً؟! أو أن يظل يعبئ وهلات عمره بالتحامي من العوادي، والتعارك مع الفتن محاولاً اتقاء ما أمكن من بالغ فعلها وبليغ أثرها؟! وهل بالضرورة معنا أن يُجر هذا اليمني العصامي الصبور إلى مجاهل أعمق وملتويات أكثر تعقيداً كلما عبر مرحلة من مراحل تعميره كإنسان عصري يعيش في هذا الزمن المتقدم، له كامل الحق فيما هو أكثر من مجرد التنفس والأكل والشرب والإحساس بالذات وما سوى الذات مما هو موجود؟!.
على مرمى أجلٍ يسير وعلى بعد أيام قلائل ينتظرنا بذراعين قدسيتين ووجه ينضح بالروحانية، شهر رمضان الكريم أعاده الله علينا وعلى ذوينا وعلى وطننا وأمتنا كل عام بغامر الفضل والخير ويانع الأجر والثواب.. وفي إطلالة هذا التوقيت مما مضى وجرى عليه الحال، يبدأ اليمنيون تدبر أحوالهم والاستعداد لاستقبال هذا الشهر بالفرحة والتهليل والاستبشار في شق من شقي الأمر، وبالجدية والاهتمام والهم في الشق الآخر منه وذلك نظراً لمتطلبات هذا الشهر ومصاريفه وحاجياته ومتطلبات ما يليه أيضاً خصوصاً لدى محدودي الدخل ومفتوحي النسل وهم غالبية عظمى من أبناء هذا الوطن.
وفي هذا العام الذي نتمنى ونرجو من الله تعالى أن يولي حاملاً إلى البعيد عنا وعن يمننا كل شر ومكروه، ومبقياً على كل ما فيه خير وصلاح لهذا البلد وأهله، يأتي هذا التوقيت والمواطن اليمني على سجيته من التساؤل والاحتمال والافتراض حول الحال والواقع بمعية شهر الخير والبركة والإحسان ناسياً المتطلبات المعتادة.. وتنفتح أمام هذا السائل المتسائل سماوات التفاؤل والتخيل من جانب، وتحاول شقوق وأغوار الخوف والتشاؤم أن تغلق مصاريعها وتسدل أستارها ما أمكن.. وفي مسايرة ذلك تبلغ أمنيات وأحلام ودعوات اليمنيين كلاً دون تبعيض أقصى بلوغها حد تجاوز ما يعيشه الوطن من ركود في وحل فتنةٍ لا أسباب لها وأزمة لا حاجة لحضورها مطلقاً.
وهنا يجدّد اليمني حلمه وحكمته، ويؤكد محدودية وبساطة أطماعه ومشيئاته، وينسى كل بهرج الحياة وزينتها، طامعاً في مبلغ طمعه في كسراتٍ من الأمن والأمان وقطرات هنيئة مريئة من الهدوء والاستقرار وحسب، من أجل هذا الوطن وأهله.. فهل من ملبٍ وهل من محقق بعد إرادة الله العليا لهذه الأمنيات البسيطة؟.
أملنا كبير وكبير جداً، وما يزال ظننا حسناً في كل من ينتمون إلى طينة هذه الأرض الطيبة.. لقد تطاير الدخان وعلا بعيداً، وانقشعت الحُجُب، وتعرى المبهم، لتنبري بالتالي الحقائق قائلة: كفى خداعاً للذات وللغير، اليمن يحترق ونحن في طياته نتلظى.. ومن أجل من؟! أمن أجل الشيطان وأعوانه؟! لا نامت لنا أعين ولا استقر لنا بال ما دمنا نرقب أنفسنا ووطننا نتهاوى معاً في المجاهل السحيقة.. علينا بالفعل أن نصبر ونحتمل من أجل الوطن الغالي، ولكن ليس إلى حد احتمال جمرٍ نستطيع أن نطفئه، والتعايش مع لظى لا حاجة لنا فيه. |