صنعاءنيوز / -
عرفتهم: الدكتور حسام الطيبي … بقلم د غسان شحرور.
ما أحوج مجتمعنا إلى ترسيخ أخلاق الاعتراف بفضل المخلصين والمجتهدين من العاملين في الوظيفة العامة وتقدير جهودهم، سواء خلال مسيرتهم المهنية أو بعد انتهائها، وحتى بعد رحيلهم عن الدنيا. فهذا التقدير ليس مجرد تكريم عابر، أو رفاهية، بل حق من حقوقهم علينا، وواجب من واجباتنا الأخلاقية والمجتمعية.
إن أثر هذا التقدير يمتد إلى المستقبل، إذ يُسهم في ترسيخ ثقافة الاحترام والعرفان، ويعزز ثقة المجتمع بمؤسساته، كما يُلهم الأجيال القادمة للسير على خطى التفاني والإخلاص في العمل، مما يسهم في بناء مجتمعات أكثر تماسكاً واستدامة.
يعتقد البعض أن العاملين في الوظيفة العامة يحصلون على كل ما يستحقونه من خلال رواتبهم وتعويضاتهم، وأنهم ليسوا بحاجة إلى التقدير والعرفان. ولكن الحقيقة أن التقدير المعنوي يشكل قيمة إنسانية عميقة الأثر، لا تعوضها المكافآت المادية وحدها. فهو يعكس احترام المجتمع لجهودهم ودورهم، ويؤكد قيمة وأهمية العمل المخلص والجاد في حياة ومستقبل المجتمع.
دارت هذه الخواطر في ذهني خلال الأسبوع الماضي، أثناء زيارتي للدكتور حسام وعائلته بعد انقطاع دام لعدة سنوات، وهذا ما دفعني إلى كتابة هذه الزاوية.
ينتمي د. "حسام الطيبي" إلى أسرة فلسطينية سورية معروفة، درس علوم الطب والجراحة، كما درس الإدارة الصحية فيما بعد، وقد عمل أكثر من عشرين سنة في الخدمات الطبية العلاجية والوقائية والإدارية في إقليم سورية التابع لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، والمعروفة اختصاراً باسم "أونروا"، وقدم خلالها خدمات كبيرة للاجئين من أبناء شعبه في المخيمات الفلسطينية على امتداد سورية، وأسهم في تطوير العمل في القطاع الصحي كمًا ونوعا ، وخلال الفترة الأخيرة من خدمته أي بين ( 2008-2014 )، شغل منصب رئيس برنامجها الصحي، شهدت مناطق واسعة من سورية سنوات عصيبة من النزاعات المسلحة، انعكست على الخدمات الصحية والاجتماعية والإنسانية والإغاثية التي تقدمها المنظمة، فواجه تحديات كبيرة في إدارته لثلاث وعشرين مركزا صحيا يقدم خدمات صحية حيوية للاجئين، سرعان ما توقف عدد منها بفعل النزاعات والاعتداءات المسلحة، مما أدى إلى إعاقة وصول المرضى إلى المراكز الصحية والمستشفيات الحكومية والخاصة، وكذلك الصعوبة في شراء ونقل المستلزمات الطبية وغيرها من المعيقات الرئيسة التي تقف أمام تقديم خدمات الرعاية الصحية المنقذة للحياة، بالإضافة إلى تدبير ومعالجة الأمراض المزمنة وبرامج رعاية الأمومة والطفولة وكبار السن.
لقد بلغ التحدي ذروته عندما ترك الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين مخيم اليرموك بدمشق في كانون الأول/ ديسمبر 2012 بسبب الاشتباكات والقصف الدائر فيه وهم يبحثون عن مأوى لهم في المباني التابعة لمنظمة الاونروا ومع ذلك لم يتوقف مقدمو الرعاية الصحية في الأونروا واستمروا في عملهم الدؤوب في تقديم الخدمات الضرورية للحياة للاجئين الذين يحتاجون إلى تلك الخدمات وذلك على الرغم من كل التحديات الجسيمة، وذلك بفضل تفاني الدكتور "الطيبي" والعديد من زملائه الأطباء وفريق التمريض والرعاية الصحية، إلى جانب أقسام الأونروا الإغاثية والتربويّة وغيرها. لقد واجهوا التحدي بكل شجاعة وبطولة تستحق أن نسلط الضوء عليها وعلى كل من شارك في صناعتها، كما ينبغي الاستفادة من دروسها والبناء عليها، ومشاركتها عربياً ودولياً، استعداداً لمواجهة تحديات المستقبل التي تحيط بشعبنا الفلسطيني في أكثر من مكان.
نعم، لا بد من تسليط الضوء على جهودهم وجهود كل المخلصين من أبناء المجتمع، وحين يُقدر العاملون في الميدان العام، يُشحذ إبداعهم، وتتعمق روح المسؤولية لديهم، الأمر الذي يعزز كفاءة الأداء ويُترجم إلى خدمات أكثر جودة وإنسانية. ولا أملك في هذه المناسبة إلا أن أقول للدكتور "الطيبي"، ما ذكرته في مناسبات سابقة لبعض من عرفتهم من الرواد:
"إن غاب فضلٌ يوما لصاحبه ففضله في العقول لم يغب"
“عرفتهم” زاوية ثقافية مجتمعية يكتبها د. غسان شحرور
```
P Please consider the environment before any printing
|