صنعاء نيوز/ د. صلاح الصافي -
يمثل مفهوم الطائفية واحداً من أكثر المفاهيم الإشكالية تعقيداً في علم الاجتماع وذلك بسبب التناقض بين استعمالاته في الحياة اليومية من جهة وغياب المعايير الموضوعية العلمية لمعانيه ودلالاته اللغوية.
والطائفي كما جاء على لسان ابن منظور زبيب عناقيده متراصفة الحب كأنه منسوب إلى الطائف والطائف بلاد ثقيف، والطائفي في هذا السياق هو المتراصف مع جماعته من دون أي تفكير، كما أن المعنى اللغوي يتحمل دلالة مكانية لبقعة او منطقة معينة، والطائفي هو ما ننسبه عادةً إلى طائفة معينة، كقولنا التشريع الطائفي أو التعليم الطائفي، والقصد هو التشريع الخاص بالطائفة.
والطائفي كلمة تطلق للسلب والإيجاب وهو مصطلح نحت في وقت متأخر وهو الذي يستوجب الغضب عندما تقول فلان طائفي لذا فهو يستخدم للذم لا للمدح حتى أصبح لقب طائفي مثل لقب صهيوني، والطائفي كما جاء في معجم اكسفورد بأنه الشخص الذي يتبع بشكل متعنت طائفة معينة، أي أنه يرفض الطوائف الأخرى ويمنعها حقوقها المدنية والسياسية ويكسب تلك الحقوق لطائفته.
ولعل فرهاد ابراهيم من الكتّاب القلائل الذين قدموا تعريفاً وافياً إلى حد بعيد لمصطلح الطائفية تأسيساً على ما تقدم يمكن تعريف الطائفة بأنها: النزعة الهادفة إلى صياغة الواقع السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي بما يتفق مع رؤية أو مصالح طائفة معينة على حساب الطوائف الأخرى أو ذلك التوظيف الدنيوي للمعتقد أو استغلاله لتحقيق مصالح فئوية ذات طبيعة شخصية أو حزبية.
وفي ضوء هذا التعريف يظهر أن الطائفية قد تحمل معنى المسعى الجماعي أو الفردي الهادف إلى تأمين مصالح الطائفة السياسية والاقتصادية والدينية على حساب الطوائف الأخرى، وهو مسعى قد يكون نابعاً من التزام عصبوي اجتماعي- مذهبي وهنا يكون الطائفي شخصاً ملتزماً بأهداف جماعته ومصالحها.
كما قد تحمل من ناحية أخرى، معنى التظاهر بذلك، بغية توظيف المذهب والطائفة لتحقيق مآرب شخصية أو حزبية، فالطائفي هنا شخص انتهازي لا يهمه في الحقيقة مصالح طائفته ومذهبها قدر اهتمامه بمصالحه الخاصة.
وفي كلا الحالتين فإن الطائفية تعني شيئاً واحداً هو استبدال الوطن بالطائفة، أي أن النزعة الطائفية هي النقيض للنزعة الوطنية، فحيثما طغت أحداهما انعدمت أو تلاشت الأخرى.
وبالعودة للأحداث التي جرت في سوريا بعد سقوط نظام الأسد وارتقاء الجولاني لسدة الرئاسة صاحب خلفية الانتماء للتنظيمات الإرهابية، نرى أن صوت الطائفية هو الصوت الأعلى، فلا يمكن أن تبنى سوريا في ظل هذه الأجواء إلا وفق بناء دولة على أسس طائفية، بتأثير الفصائل التي تحالفت مع الجولاني (فصائل تحرير الشام) وتعيين كثير من قادة الفصائل وإن كانوا غير سوريين في مؤسسات الدولة العسكرية، وهذه دلالة على تأسيس الدولة الجديدة على أسس طائفية وسيطرت الطائفة السنية على مفاصل الدولة، وبدأت التصفية الطائفية بدءً بالعلويين والشيعة ومن بعدهم المسيح والدروز على القائمة، وعندما تتحكم الطائفية لا يمكن أن يبنى بلداً، وسوريا في ظل حكم الجولاني طائفية بامتياز، وعليه لا مكان لباقي الطوائف ودليل ذلك التصفية التي لحقت بالطائفة العلوية والمجازر التي قام بها رجال السلطة يندى لها جبين الإنسانية وهو نذير شؤم (لا دولة مدنية) في ظل هكذا حكم.
وفي الختام علينا أن نفتش عن الأيدي الخفية التي تغذي الطائفية وقطعاً لن يكون الصهاينة بعيدين عنها وهم المحرك الرئيس لها من أجل تدمير ما تبقى من دول عربية من أجل تحقيق حلمهم اللاهوتي.
وإذا فعلاً نريد أن نحمي دولنا من هذا المرض العضال علينا أولاً نقضي على الجهل المستشري بين شعوبنا ونبذ الطائفية وتغليب الوطنية من أجل حماية أوطاننا، والله من وراء القصد.
|