صنعاء نيوز/بقلم د غسان شحرور -
الإنسان أولاً: حملة 2025 العالمية للحد من الإنفاق العسكري
مع كل إشراقة شمس، يصحو العالم على إنفاق يناهز ستة مليارات دولار على السلاح، بينما ينام أكثر من ثلاثين ألف طفل إلى الأبد، بسبب أمراض يمكن علاجها أو جوع يمكن تجنّبه.
في مفارقة مأساوية، يتجاوز الإنفاق العسكري في يوم واحد ضعف الميزانية السنوية لكل مؤسسات الأمم المتحدة مجتمعة، بينما يكفي 7% فقط من هذا الإنفاق للقضاء على الفقر المدقع والجوع في جميع أنحاء العالم.
تسليح العالم وتجويع البشرية:
حقاً،الأرقام صادمة التي يقدمها معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، والواقع أشد مرارة؛ فلو تم تخصيص 20% فقط من الإنفاق العسكري العالمي لتمويل أهداف التنمية المستدامة 2030، لتمكنا من القضاء على الفقر، وضمان التعليم الأساسي، وتعزيز صحة الأمهات والأطفال، ومكافحة الأوبئة، وتحقيق تنمية مستدامة شاملة. لكن بدلاً من ذلك، تستمر الحكومات في ضخ مليارات الدولارات في صناعات السلاح، بينما يموت الملايين بسبب نقص الغذاء والرعاية الصحية والاجتماعية.
أما الدول النووية، فتخصص أكثر من 100 مليار دولار سنويًا فقط لصيانة أسلحتها النووية، وهو مبلغ يكفي لإحداث ثورة في التعليم والبحث العلمي، ومكافحة الأمراض، وتحقيق الرفاه الاجتماعي. فكيف سيكون حال العالم لو أُنفقت هذه الأموال على بناء المستقبل بدلاً من تدميره؟
ومن الجدير بالذكر أيضاً أن إنفاق المليارات على تطوير برامج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وبرامج غزو الفضاء، وغيرها من المشاريع الباهظة، غالبًا ما يُخفي وراءه استخدامات وتطلعات عسكرية تُكرّس سباق التسلح وتشعله بدلًا من تسخير هذه التقنيات لخدمة الإنسانية والتقارب بين الشعوب. كان الأجدر توجيه هذه الموارد نحو تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز قطاعات الصحة والتعليم، وتحسين جودة الحياة لملايين البشر بدلًا من تمويل أدوات الصراع والدمار. كما أن خرق الاتفاقيات الدولية، والانسحاب منها، وخرق قرارات الأمم المتحدة، والقانون الدولي الإنساني، كما نشهده في الحروب الأخيرة، يبعث على القلق وانعدام الثقة بين الدول، ويزيد من التوتر الدولي ولجوء البعض الى المزيد من الانفاق على التسلح بأشكاله المختلفة تحسباً لاندلاع نزاعات وحروب.
حرب على الإنسان باسم الأمن:
لا شك أن العدوان العسكري، واحتلال الأراضي يبرر اللجوء الى الدفاع، ورفع الاحتلال والظلم، والتسلح في سبيل ذلك، لكن التاريخ يخبرنا أن التوسع العسكري لم يحقق أمنًا أو استقرارًا، بل أدى إلى دوامة لا تنتهي من العنف وعدم الاستقرار وحمى التسلح. لهذا، في هذا العام كما في الأعوام السابقة، تطلق منظمات المجتمع المدني في مختلف العواصم حملات عالمية للحد من هذا الإنفاق المدمر غير المبرر، مسلطةً الضوء على المفارقات القاتلة التي تحرم الشعوب من أساسيات الحياة، بينما تكدّس بعض شركات الأسلحة وأصحاب القرار مليارات الدولارات في صفقات تُبنى وتزدهر على دماء الأبرياء.
في العام 2025، تنظم جمعيات المجتمع المدني حملة عالمية سنوية كبرى، تشارك فيها جمعيات التنمية المستدامة، والبيئة، وجمعيات الصحة، والتعليم، والخدمات الاجتماعية، والثقافة، إلى جانب جمعيات نزع السلاح والقانون الدولي الإنساني وحماية المدنيين والأبرياء وعمال الصحة والإغاثة في مناطق الحروب والنزاعات، وجميع منظمات المجتمع المدني المهتمة بالإعلام والقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان والسلام العالمي، تتشارك جميعاً في حملة الأيام العالمية للعمل ضد الإنفاق على التسلح العسكري، خلال الفترة من 10 أبريل/نيسان إلى 9 مايو/أيار، مستلهمة المزيد من الدروس والعبر، من الحرب على غزة وفي أوكرانيا وغيرها، ومن جنون الإنفاق العسكري الذي لا يتوقف، في الأرض والبحر والفضاء.
لكن المفارقة الأكبر أن هذه الحملة العالمية، التي يُحييها ناشطو المجتمع المدني في عواصم صناعة السلاح وتجارة الحروب، تمر بلا أثر يُذكر في الدول الأكثر تضررًا من العسكرة. هناك، حيث الضحايا الحقيقيون، وتكاد وسائل الإعلام فيها، تتجاهل الحدث تمامًا، أو تكتفي بتغطية سطحية لا تعكس حجم الكارثة.
كيف نواجه هذا الجنون؟
لم يعد وقف الإنفاق العسكري المفرط وإعادة توجيه الموارد نحو التنمية والسلام مجرد مطلب، بل أصبح ضرورة للبقاء الإنساني. ولكل فرد دور في هذه المعركة من أجل مستقبل أكثر عدلاً، بل لا بد من ترسيخ هذه الثقافة في صفوف الأطفال والشباب والنساء، لتتعزز جيلا بعد جيل.
تقوم المنظمات المشاركة في هذه الحملة بالعديد من الأنشطة المتنوعة، أذكر منها:
• إطلاق حملات إلكترونية لرفع الوعي المجتمعي حول مخاطر التسلح ودعم جهود نزع السلاح.
• التوقيع على المطالبات والحملات الشعبية، مثل نداء “امنحوا السلام ميزانية”، الذي سيتم الإعلان عنه في 25 أبريل/نيسان.
• المشاركة في عاصفة إعلامية عالمية يوم 25 أبريل لإيصال الرسالة على أوسع نطاق ممكن.
• الضغط على صانعي القرار لإعادة توجيه الإنفاق العسكري نحو الصحة والتعليم والتنمية.
• التفاعل مع الإعلام من خلال إصدار بيانات صحفية وتنظيم مؤتمرات تلفت الأنظار إلى الأثر المدمر لحمى الإنفاق العسكري.
• حضور ندوات إلكترونية ومؤتمرات لمناقشة البدائل الممكنة لخلق عالم أكثر سلامًا.
• حث البرلمانيين واللجان المجتمعية ووسائل الإعلام على الاشتراك في هكذا فعاليات وزيادة دورهم في الحد من الإنفاق العسكري والتسلح، وترسيخ مبادئ العدل والمساواة، والتمسك باتفاقيات نزع السلاح والانضمام إليها، وصناعة السلام بين الشعوب.
حان وقت العمل… وإسكات طبول الحرب!
لم يعد مقبولًا أن يستمر هذا الجنون! لا يمكن للعالم أن يطالب بالسلام بينما يستثمر في الحرب، ويتجاهل القانون الدولي الإنساني واتفاقيات حقوق الإنسان، ولا أن يتحدث عن التنمية بينما يهدر ثرواته في سباق تسلح لا نهاية له.
آن الأوان لإيقاف هذا النزيف الاقتصادي والإنساني، وإعادة توجيه الموارد إلى حيث يجب أن تكون: في خدمة الإنسان، لا في صناعة الدمار، نعم على طريق تحقيق أهداف التنمية المستدامة في جميع أنحاء العالم.
|