صنعاء نيوز/نظام مير محمدي -
نظام مير محمدي
كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني
في ظل أجواء من الغموض والتكهنات المتزايدة، انعقدت مفاوضات غير مباشرة بين نظام إيران والولايات المتحدة الأمريكية يوم السبت الموافق الثاني عشر من أبريل في مسقط، عاصمة سلطنة عُمان. وبينما نقلت وكالة رويترز عن البيت الأبيض احتمالية كون هذه المحادثات مباشرة، أصر عباس عراقجي، رئيس الجهاز الدبلوماسي الإيراني، على طابعها غير المباشر. بل إن بعض المسؤولين الإيرانيين، في تبرير غريب، اعتبروا اتساع مكان اللقاء والمسافة الكبيرة بين الممثلين دليلاً على عدم مباشرتها! ولكن بعيدًا عن هذه الألاعيب اللفظية، تبرز حقيقة واضحة: هذه المفاوضات تجري بضوء أخضر من علي خامنئي، ولي فقيه النظام؛ وهو الشخص نفسه الذي وصف في الثامن من فبراير عام 2025 أي تفاوض مع أمريكا بأنه "غير عقلاني وغير ذكي وغير شريف". تسعى هذه المقالة إلى تحليل الأهداف الخفية والنتائج المحتملة لهذه الجولة من الحوار، بالاعتماد على أسس فكر واستراتيجية النظام.
ضغوط متزايدة وخطوط حمراء واضحة
تأتي هذه المفاوضات في وقت يتعرض فيه نظام إيران لضغوط متزايدة على الأصعدة الداخلية والإقليمية والدولية. فمن التصاعد المستمر لإعدام السجناء، وخاصة السجناء السياسيين كدرع واقٍ من الانتفاضات، إلى محاولات نزع سلاح الجماعات الوكيلة في لبنان والعراق، وقمع الحوثيين في اليمن، وصولًا إلى التصريحات الحاسمة لرئيس الولايات المتحدة في السابع من أبريل عام 2025 بشأن عدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، كل ذلك يشير إلى خطوط حمراء واضحة وعزم أمريكي جاد على كبح برنامج إيران النووي ونفوذها الإقليمي. لكن السؤال الأساسي هو: هل نظام إيران مستعد للتراجع عن مواقفه الجوهرية؟ للإجابة على هذا التساؤل، يجب التمعن في الأصول الاستراتيجية التي تحكم سياسات خامنئي والنظام الخاضع لقيادته.
الأصول الاستراتيجية لنظام إيران في المفاوضات
استنادًا إلى التحليلات المتاحة، ترتكز استراتيجية نظام إيران في المفاوضات النووية على عدة أصول رئيسية:
1. عدم التنازل الأساسي: أكد قادة النظام مرارًا وتكرارًا أنهم لن يتخلوا عن البرنامج النووي، وتصدير الإرهاب، والقمع الداخلي. لقد تعلم خامنئي من مصير القذافي والشاه السابق والمخلوع لإيران، بأنه لا ينبغي إرخاء قبضة الخناق وتسليم الأسلحة النووية؛ فهذا مبدأ لبقاء النظام.
2. التعهد الأيديولوجي بتصدير الأصولية: إن سياسة نشر الإرهاب مُرسخة في دستور نظام إيران. وتُظهر التجربة الممتدة على مدى 46 عامًا أن النظام غير ملتزم بأي وعد أو عهد، لدرجة أن الخميني في عام 1987 أجاز نقض العقود وحتى الالتزامات الدينية لبقاء النظام، تحت عنوان "حفظ النظام أوجب الواجبات".
3. سجل شراء الوقت: في العقد الأول من القرن الحالي، وبعد كشف المقاومة الإيرانية للمواقع النووية السرية، وافق خامنئي على إغلاق هذه المواقع بالشمع الأحمر، لكنه كسر الأختام بعد عام ووسع البرنامج النووي. وفي "الاتفاق النووي"، وصل التخصيب إلى 60%، ويطالب مستشاروه اليوم صراحةً بصنع قنبلة نووية.
4. حفظ النظام بأي ثمن: بالنسبة لخامنئي، فإن بقاء النظام وسلطة "ولاية الفقيه" هو "أوجب الواجبات". وأي قرار يُطيل عمر النظام ولو ليوم واحد، يُعتبر من وجهة نظره قرارًا صائبًا.
5. استحالة اتفاق "رابح-رابح": يرى خامنئي أن المفاوضات مع أمريكا لا يمكن أن تؤدي إلى اتفاق دائم؛ فأمريكا لن تبتلع "سم" تسليح نظام إيران نوويًا، ولن يستسلم نظام إيران لمطالب أمريكا.
6. **التهديد الرئيسي: خامنئي يعتبر الانتفاضة الداخلية الخطر الحقيقي الوحيد، وقد أشار إليها صراحةً ومرارًا تحت عنوان "الفتنة الداخلية" وحذر منها قادة نظامه، لذلك يؤكد على القمع والنهب، لكن هذا سيؤدي في النهاية إلى تأجيج غضب المجتمع.
النتائج المحتملة للمفاوضات؟
بالنظر إلى هذه الأصول، يمكن تصور السيناريوهات التالية لنتائج مفاوضات عُمان:
1. الهدف الرئيسي؛ شراء الوقت: تشير الدلائل إلى أن نظام إيران لا يسعى إلى اتفاق دائم، بل يسعى من خلال المناورات الدبلوماسية إلى شراء الوقت. لكن هذه المرة، انكشف أمره والمساحة المتاحة للمناورة ضيقة للغاية، لأن الأمريكيين وحلفاءهم لن ينخدعوا بعد الآن بالوعود الفارغة.
2. العجز عن قبول شروط أمريكا: صرح حسن كاظمي قمي، السفير السابق للنظام في العراق، بأن أمريكا تطالب بتفكيك البرنامج النووي والصاروخي والجماعات الوكيلة. وقبول هذه الشروط يمثل انتحارًا سياسيًا لخامنئي، لأنه يزعزع أركان نظامه ويسرع خطر الانتفاضة الشاملة.
3. سيناريو الانسحاب الاضطراري: إذا أُجبر خامنئي على توقيع اتفاق مفروض، فسيكون ذلك علامة على ضعفه الشديد. وهذا يعني أنه سمع خطوات انتفاضة الشعب الغاضب تقترب أكثر من أي وقت مضى ولم يجد مفرًا من الاستسلام المؤقت. لكن هذا الانسحاب سيكون مؤقتًا وسيعود النظام إلى الخداع ونقض التعهدات في أول فرصة.
4. خامنئي الخاسر الأكبر: حتى بدون التوصل إلى اتفاق، فإن مجرد الدخول في المفاوضات يمثل هزيمة لخامنئي. فهو الشخص الذي وصف المفاوضات بأنها "غير عقلانية وغير ذكية وغير شريفة"، وقد أرسل الآن رسالة ضعف إلى داخل نظامه، والمجتمع الإيراني، والعالم. وهذا الأمر يعمق الانقسامات الداخلية للنظام ويقرب المجتمع من الانتفاضة.
الخلاصة
إن المفاوضات النووية الجارية لم تقدم حلًا لأزمات النظام فحسب، بل كشفت عن انقساماته العميقة بشكل أوضح. فمن تناقضات خامنئي إلى صرخات نواب البرلمان ومنابر صلاة الجمعة، يغرق النظام في دوامة من الانشقاقات العميقة. ومهما كان مستقبل المفاوضات، فإن هذا القدر من الفوضى الداخلية يشير إلى أن أسس النظام أصبحت أكثر اهتزازًا من أي وقت مضى، ومن المؤكد والجازم أن ضغط الشعب والانهيار الداخلي سيكونان حاسمين في تحديد المصير.
|