صنعاء نيوز/محمد النصراوي -
تطفو على سطح الاحداث في العراق إشكاليةٌ تتكرر كل حين، تفاوتُ أجورٍ بين وزارات الدولة، تفاوتٌ يصنعه انتماء الموظف لا جهدُه، فبين من يسبح في بحر الامتيازات ومن يصارع صخور الرواتب المتدنية، تُختزلُ قصةُ دولةٍ تعيد إنتاج "اللامساواة" بين موظفيها.
الرواتبُ في العراق ليست مجرد حوافز، بل شهاداتُ ولاءٍٍ سياسية، فموظفٌ في وزارةٍ "محظوظة" يحصدُ أضعاف ما يجنيه موظفٌ مماثلٌ في وزارةٍ "مهمشة"، رغم تشابه المهام والتضحيات، هذه الهرميةُ لا تصنعها طبيعةُ العملِ بل خرائطُ المحاصصة، خرائطٌ اوجدت وزاراتِ "النخبة" واخرى لعوام الشعب! حتى بات الراتبُ مكافأةً على الحظِ لا على الإنجاز، وزاراتُ "النخبةِ" تُدارُ كإمبراطورياتٍ مغلقة، موظفيها حكرٌ على طبقاتٍ معينة، تُقايضُ الرواتبَ بالولاء.
وسطَ هذا الضجيج، تتصاعد أصواتٌ شعبيةٌ وبرلمانيةٌ تدعو لتوحيدِ الرواتب وتقليل الفوارق بين الوزارات، لكنها غالباً ما تكون "ألعاباً نارية" سرعانَ ما تختفي، فمطالباتُ النواب تظهر قبيل الانتخابات، أو مع تصاعدِ الاحتجاجات، كشعاراتٍ تستنزفُ غضب الشارع وتماشيه، ثم تختفي عند اول نقاشٍ جاد، وهكذا تتحول القضيةُ العادلةُ إلى موجةٍ سياسيةٍ تزينُ خطابات النخب، بينما تُدفن الحلول الجذرية تحت نقاشاتٍ لا تنتهي.
حتى الاقتصادُ ليس بريئاً هو الآخر، فغياب التنويع يجعل الموازنة رهينةَ أسعار النفط، فكيف يمكن لشعبٍ لا يعتاش الا على منتجٍ واحد أن يطالب بالرفاهية؟!
بعد كلِ هذا، هل فعلا بالإمكان توحيدُ الرواتب؟
هل يسمحُ الوضع المالي المترهلُ للبلد بإضافة أعباءٍ ماليةٍ اخرى عليه، أم هل ستسمح طبقات "النخبة" بأن يتم تخفيضُ رواتبها لمساواتها مع وزاراة عموم الشعب؟
كان الله في عون من سيتبني هذا الموضوع!
فإن كان جاداً فعلا، فهو كمن يحاول إصلاح مركبٍ وهو يغرق.
رغم ذلك، يبقى الأملُ موجوداً، فالإصلاحُ ليسَ مستحيلا لو بدأ بخطواتٍ إقتصاديةٍ مدروسةٍ يتولى الاشرافَ عليها خبراءَ ماليين، قد تكونُ الموجةُ الأولى منَ التغيير صغيرةً وصعبة، لكنها على الاقل، ستبعدُ العراقَ مسافةً عن حافة الغرق.
|