صنعاء نيوز - حَيَاةُ البُؤسِ والشقاء والخوف تجلبها الحروب والصراعات العدمية بين الدول حينًا وبين النخب والمتصارعين في البلد الواحد أحيانًا كثيرة، لا فرقَ هنا بين حَربٍ أهلية وحَربٍ عابرة للحدود تشتعل نيرانها على تماسها

الثلاثاء, 29-أبريل-2025
صنعاء نيوز/بقلم/ فيصل مكرم -
▪︎حَيَاةُ البُؤسِ والشقاء والخوف تجلبها الحروب والصراعات العدمية بين الدول حينًا وبين النخب والمتصارعين في البلد الواحد أحيانًا كثيرة، لا فرقَ هنا بين حَربٍ أهلية وحَربٍ عابرة للحدود تشتعل نيرانها على تماسها، الحروب لا تفرّق بين الحجر والشجر ولا بين المقاتلين والمدنيين العزل، ولا بين طفل وامرأة، الجميع وقود نيرانها وحصاد كارثي لنتائجها، وتبقى جروح الحروب وندوبها عصية على كل دواء.

▪︎تلقت أمٌّ من أمهات زمن الحروب العبثية خبرًا بأن الحرب التي حصدت نيرانها رب الأسرة وعددًا من أبنائها وأقاربها وجيرانها توشك على نهايتها، قيل لها الحرب انتهت وتسلمت قُوت يوم الحرب الأخير وحلق من بقي من أطفالها على قليل من الخبز وشيء من العدس لتناول العشاء، قالت: تناولوا طعامكم فغدًا موعدنا مع سلام موعود، ولم تتناول هي حصتها، وحين ألح عليها الأطفال لتناول الطعام قالت بأنها لا تشعر بالجوع باستثناء كسرة خبز صغيرة ليكفوا عن توسلاتهم، ونهضت بما تبقى من طعامها لتخبئه، فلسان حالها يقول قد نستفيق غدًا على دوامة الحرب فالسلام ليس مضمونًا، والجوع والخوف والموت هي الأقرب إلى واقع حال مكروه، وبقاء لقمة من اليوم قد تقي بعض أطفالها غدًا الموت جوعًا، وهذا حال كل أمٍّ في زمن الحروب والصراعات الدموية، وهنا لا وجود حقيقيًا في ظل الحروب، لا كرامة إنسانية، ولا علاقة للحروب بالقوانين والقواعد التي يفترض أن تحمي الأبرياء وتمنع تدمير منشآت يقوم عليها بقاء الناس أحياء كالمستشفيات والمدارس والجامعات والمخابز والملاجئ والمعابد وخدمات المياه والكهرباء، فكل شيء قابل للدمار وهدف للقصف والانتقام من قبل الأطراف المتحاربة.

▪︎بعد نهاية
الحرب العالمية الثانية انحسرت الحروب العابرة للقارات والتحالفات الكبرى، ثم أصبحت من الماضي الدموي للبشرية، وحده العالم العربي لم ينجُ من الحروب والصراعات الدموية الكارثية، وحيث لا يمكن وصف مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي حربًا بين طرفين، بل هو صراع بين الحق والباطل، وكل حرب يشنها الاحتلال هدفه إبادة هذا الشعب، فيما كل مقاومة للفلسطينيين تهدف إلى الحرية والعيش بسلام على أرضهم وتحقيق إقامة دولتهم المشروعة، ومع ذلك لم يكن للفلسطينيين ذنب في إشعال الصراعات والحروب في العالم العربي ومعظمها يندلع بين فرقاء وتصنف بالحرب الأهلية، فكم دمرت تلك الحروب وقتلت وسفكت الدماء من أجل السلطة والثروة وبدوافع سياسية وطائفية ومذهبية مغلفة بشعارات زائفة منها الانتصار لإرادة الشعب وهذا الشعب أولى ضحاياها إذ لا خيار له في وقفها ولم يكن له دور في إشعالها، ولا سبيل له للنجاة من نيرانها فتصبح مع الزمن حروبًا وصراعات بالوكالة أو يتم تغذيتها بجنون الحقد ودموية الانتقام، وكلما اتسعت حرائقها وضحاياها كلما استنزفت موارد البلد ومقدراته لتزيد معاناة الشعب وتجعل منه إما نازحًا وإما حالة مأساوية ليس لها نهاية منظورة.
في عالمنا العربي كل حرب تلد أخرى، وفي كل مرة يزداد أنين الناس وتعاسة الوطن، فهذه الحروب والصراعات الدموية تقوم على حساب كيان الدولة واستقرارها وسيادتها ونهضتها، وتترك خلفها مشهدًا لدمار الإنسان قبل الحجر والشجر، وتوقف عجلة التنمية ويصبح السلام أملًا للنجاة من الرمضاء إلى النار، فما تخلفه الحروب جحيم حقيقي وصراع جديد من أجل البقاء على أطلال تدفن بين أنقاضها كل أحلام الحياة الكريمة، وعندها لا يكون الشعب وحده الضحية وإنما يصبح الوطن كذلك، وهاتان مصيبتان لا يحتملهما الحالمون اليوم بسلام قد لا يحدث غدًا.
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 29-أبريل-2025 الساعة: 06:30 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://sanaanews.net/news-102565.htm