صنعاء نيوز - لا يمكن تفسير الرغبات العالمية الجامحة في  الدعوة للانفصال لاسباب اجتماعية مادية صرفة، كما يظهر بصورة جلية في البلدان النامية ضعيفة التطور

الأربعاء, 07-مايو-2025
صنعاء نيوز/د. عمر عبدالعزيز_ من صفحته على الفيس بوك -


لا يمكن تفسير الرغبات العالمية الجامحة في الدعوة للانفصال لاسباب اجتماعية مادية صرفة، كما يظهر بصورة جلية في البلدان النامية ضعيفة التطور، بل يمكن استكناه ابعادا نفسية مؤكدة في بعض تلك الدعوات ، فالمعروف ان العنف الواقع على (الغيريين) المهمشين ليس عنفا ماديا حياتيا بالضرورة، بل انه يتقمص في كثير من الحالات بعدا معنويا، حتى ان العنف التفسي المعنوي ليس اقل اثرا من المادي إن لم يكن ابلغ في تهشيم الوجدان .
اليوم تنبري ظاهرة الرغبة في الإنفصال وتقرير المصير لتشمل القارات الكبرى في العالم ، وسنرى ان المتوالية لم تبدأ باليمن الجنوبي ، ولم تنتهي بشمال الصومال، فقد التحقت جورجيا بذات المعادلة منذ سنين خلت ، كما تنخرط اوكرانيا بسخاء عظيم في مشاريع التجزئة والتفتيت ، وتتعرض المجر ورومانيا ومولدافيا لذات الاحتمالات بالقدر الذي تنبعث فيه الصراعات الاوروبية القديمة بشقيها القومي والديني ، مما لسنا هنا بصدد تفصيلها .
بريطانيا بدورها تواجه مشكلة متجددة رغما عن نجاحها الباهر في انهاء مشكلة ايرلندا ، ففي المكون الاسكتلندي مطالبة متسارعة في البحث عن خروج من المملكة المتحدة، ومن سخريات القدر أن يكون خروج بريطانيا المبدئي من الاتحاد الاوروبي عاملا مشجعا في هذا الجانب ، فالاسكتلنديون الانفصاليون يقولون ان المملكة المتحدة التي تعتد بالاستفتاءات الشعبية في تحديد مصائرها الاستراتيجية اولى بها ان تسمح بذلك داخلها، خاصة وانها اكثر الديمقراطيات التاريخية رسوخا ووضوحا .
وعلى خط متصل يطالب اقليم كاتالونيا بالخروج من المملكة الاسبانية، بل ان خروجها المحتمل والقريب يفتح ابواب جهنم على كافة الدول المتشاطئة في حوض البحر الابيض المتوسط ، بل ووسط وشمال اوروبا ، ويمهد الطريق لاستعادة سيناريوهات ما قبل الحربين العالميتين ذات السياقات الامبراطورية القومية والدينية.
متوالية المطالبات بتقرير المصير يجد كامل المصوغات القانونية الدولية كما حدث في تشيكوسلوفاكيا السابقة، ويوغوسلافيا السابقة، وصولا الى تيمور الشرقية في اتدونيسا، أما الاتحاد السوفيتي السابق فقد قدم النموذج الحر للتنازل التام عن الكيان الامبراطوري السوفيتي ليحل محله كيانات متشظية بتسمية شفافة تؤذن بعودة الامبراطورية السوفيتية الخابية.. الوارثة الشرعية للامبراطورية القيصرية الروسية .
وبالقدر الذي تجد فيه الدعوات الانفصالية مصوغات ممارسية عرفية دولية، تواجه في ذات الوقت رفضا وطنيا قوميا دينيا مدججا بالعاطفة والحماسة في بلدانها الأم ، وهو الرفض الذي يولد ردود افعال داخلية موازية، خاصة عندما يكون الرفض المؤسسي مقرونا بتجاهل المظالم والتمييز بحق الموااطنين الواقعين تحت سطوة المركزيات الناهبة للدولة والمقدرات، والمتوارية وراء غلالات من الاصطفافات المناطقية الضيقة التي كانت وما زالت السبب وراء التوق للانفصالات وتقرير المصير .
الحالة الكردية الراغبة في الانفصال من العراق وتقرير المصير تمثل وجها تراجيديا في المعادلة ، فالاكراد يتوزعون عمليا على تركيا والعراق وايران وسوريا ، وبالمقابل تنتظم في هذه الدول انساقا قومية ودينية متنوعة ، وتجد هذه الانساق امتدادات افقية ورأسية في عموم اوروبا وآسيا .. الأمر الذي يوضح لنا مغزى التمترس العالمي في رفض الانفصال الكردي عن العراق، فهذا الانفصال سيستمر بقوة دفعه الخاصة ليشمل تركيا وايران وسوريا ايضا ، وبنفس القدر سيمنح عديد القوميات والاديان الاسيوية والأوروبية الفرصة السانحة لذات المطلب المشروع من زواية حق تقرير المصير ، وغير المشروع من حيث الشرعة التوافقية الدولية لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
لقد عانت البشرية طويلا من صراع الاديان والقوميات ، وكانت اوروبا التاريخية خير مثال على تلك المعاناة، حيث تقاتل الكاثوليك والبروتستانت والارثرذركس بوصفهم دينيين ومدججين في آن واحد بالفكر القومي على تنوعه السلافي والانجلوسكسوني الجرماني واللاتيني .
وقد واجهت الهند الكبرى قبيل استقلالها من بريطانيا مشكلة عويصة ، ولولا حكمة المهاتما غاندي ونظرته الثاقبة لانزلقت الهند وباكستان وبنغلاديش لحرب اهلية مدمرة ، واليوم تشهد الحقائق كيف ان خيار التوافق التقسيمي النابع من منطلق ديني اختياري، ًمنح الهند الاتحادية فرصة كبرى للتحليق في عالم التنمية والعدالة والمواطنة المتساوية ، فيما تغرق باكستان وبنجلاديش في الانقلابات والفساد وضعف التنمية.
المثال الهندي الراهن خير خيار للعقلاء والمصلحين ، فالحروب الداخلية لا تنتج سوى الدمار الشامل.. العابر للزمان والمكان، والتعددية الحياتية المقرونة بالدولة الحديثة اللامركزية تحاصر وتخنق العنفين النفسي والمادي ، وتجعل الوئام الوطني والمحبة والتعايش السمة الرئيسية في المجتمعات البشرية المحكومة بالتعدد جبرا لا خيارا .

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 08-مايو-2025 الساعة: 10:44 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://sanaanews.net/news-102695.htm