صنعاء نيوز - محمد مجمل الشطبي

الخميس, 22-مايو-2025
صنعاء نيوز/محمد مجمل الشطبي -
محمد مجمل الشطبي
[email protected]
في زماننا هذا، تغيّرت مفاهيم كثيرة، حتى أصبحت الطاعة من الأبناء والبنات، بل وحتى الزوجات أحيانا، وكأنها مِنّة أو تقديم جميل وفضل منهم، لا واجباً شرعياً أو خُلقياً, بل ويزعم من يُظن أنه مطيع - سواء كان ابناً أو بنتاً أو ربما زوجة – عندما يتعامل مع أقل تلبية لطلب، أو تنفيذ أي نصيحة أنه قام بواجب يستحق أن ترفع له الراية، وقدّم إنجازاً عظيماً يستحق عليه التقدير والتصفيق، وكأنها مكافأة وليست طاعة واجبة أمر بها القرآن والسنة.
المؤلم في الأمر والمبكي، أنك كأب، أصبحت في أغلب الأوقات تشحت وتستجدي الطاعة استجداءً, لا تُطاع إلا إذا خفضت صوتك، وتلطفت وتوددت وتحنّنت، بل وتذللت لهم لترجو منهم تنفيذ طلب بسيط, وربما ذلك الطلب من أجل مصلحة لهم ليس لك منها منفعة, وإن لم تفعل، وتكلمت بجدية أو بحزم, فأنت متخلف ولا تفقه أو تعرف شيئا, أما إن غضبت فأنت في نظرهم أب قاسٍ، مجرد من العاطفة، لا تعرف للرحمة بابًا، ولا للمشاعر طعمًا، وليس لديك لا حنان، ولا مشاعر، ولا عواطف ولا دلال ...... ولا حتى حب لهم؛ وكأن مشاعر الأبوة والزوجية لا تُقاس إلا بمقدار ما تُظهر من ضعف أمامهم.
وما يزيد الوجع ألماً، أن الأب إن كان يعاني من أمراض مثل الضغط أو السكري أو القولون أو حتى بواسير وغيرها، فسرعان ما يتم إصدار الحكم الظالم عليك وتُتهم على الفور بأنك عصبي وهرم ومتسلط ونرفزي ، دون أدنى محاولة أو تقدير لفهم ما تمر به من ضغوط يومية، وتعب في العمل، وقلق ، وسهر وكد وتفكير لأجل توفير حياة كريمة لأسرتك.
والأمَرُ من ذلك لا أحد يدرك أن هذه الأمراض ما هي إلا نتيجة لما يتحمّله الأب من مشاق وهموم وأن سببها ما يلاقيه من ويلات ومتاعب.
لقد انقلبت المعايير والموازين، وأصبح يُنتظر من الأب الطاعة والانصياع، والسمع والتنفيذ، والتودد وهذه المأساة الكبيرة حيث أصبحت الأمور معكوسة؛ حيث! تُوجّه للأب التعليمات، خاصة من بعض الأمهات أحيانا؛ فيُطلب منه الصبر واللين وعدم الغضب وتحمّل ما لا يُطاق، بينما يُغضّ الطرف عن تقصير من حوله في حقه من طاعة واحترام.
أتذكر في شبابي جيداً عندما كنت أقبل على أي خطوة مهمة، أو سفر أو دراسة أو حتى عند الامتحانات، كم كنت أحرص على رضا والديّ، وأتودد إليهما طلبا وبحثا عن دعوة الوالدين.
لقد كنت على يقين وغيري الكثير من الزملاء والأصدقاء أن التوفيق لا يكون إلا برضا الوالدين، بعد رضا الله عز وجل, وإن شعرت عدم رضاهما عني أو أحسست بمجاملة من أحدهما ، كنت ألح عليهما أن يصارحاني بما في نفسيهما واستفسرهما بكل استعطاف ، لأزيل أي زعل أو تقصير, وأحس بانني وقعت بجريمة وسأنال عقاب الرب ولم اوفق بشيء؛ كما أشعر أن أي فشل يصيبني، سببه تقصيري في برهما,
وزد على ذلك بأنك لن تطمئن ويرتاح ضميرك إلا إذا صارحك أبوك أو أمك بذلك الشيء، وسامحاك, وتأكدت من صدق ومشاعر المسامحة والرضا في ملامح وجههما, مالم فإنها ستبقى بنفسك حسراات وإحساس مؤلم.. ليقيننا أن سعادتك وتوفيقك في طاعتهما.
مما أسترجعه أيضا أنه إذا مررت بمشكلة أو ضيق أو فشل في أمر ما، أول ما أراجع هو علاقتي بأبي وأمي: هل قصّرت؟ هل أسأت؟ هل هم راضون عني.
هذه القيم أصبحت نادرة في زماننا، نكاد لا نلمسها إلا عند القلة من الأبناء والبنات أو الزوجات؛ وهذا ما يترك جرحاً داخلياً عميقاً في قلب الأب أو الأم. فكم هو جميل ومؤثر لو جاءك ابنك أو ابنتك أو زوجتك وسألك بلين واحترام: "هل أنت راضٍ عني؟"
حقيقة هذا ما نفتقده في عصرنا الراهن من أبنائنا وبناتنا وزوجاتنا ولا نلمس منه شيئا بل لا نجد له أثرا الا في النااااادر وعند البعض ومن البعض وهذا يولد للأب او الأم إحساس مؤلم وموجع.
عندما نتحدث كثيراً عن "الفراغ العاطفي" لدى الأزواج أو الزوجات ــــ لنقص أو فقدان مشاعر وأحاسيس الحب والحنان والمودة والرحمة والألفة من كلال الطرفين الزوج والزوجة ـــــ فإننا اليوم نعيش "فراغاً طاعاتيًّا"، ربما لا يقل وجعاً وتأثيراً، لأنه يحرم الأسرة من روابطها الأصيلة المبنية عبى القيم التي أمرنا بها الدين والشرع , فهي تحيي القلوب وتقوي العلاقات.
وهنا نتساءل من المحظوظ منكم أيها القراء في هذا الزمن وهم قليلون؟ من يجدون لهم ابنا أو بنتا يتوددون لوالديهم ويسألونهم هل أنتم راضون عني... جملة قد تُنهي ألمًا طويلًا، وتعيد ترميم علاقة اهتزت وربما انكسرت لصمت الأبناء وتعاميهم إن لم نقل تعاليهم عن أداء أهم الواجبات نحو الوالدين.
وهنا أوجه ندائي لكل ابن وابنة، لكل زوجة، أن الطاعة ليست ضعفًا، بل رفعة، وليست مجاملة، بل قربة إلى الله.......فمن منا لا يتوق لرضا والديه؟ ومن منا لا يحتاج أن يرى في عيونهم وقلوبهم تلك الجملة التي تملأ الدنيا أمانًا: "نحن راضون عنك."
كما لا أبرئ نفسي وساحة معشر الآباء أيضًا؛ من واجباتنا فعلينا نحن - الآباء - مسؤولية عظيمة في إشباع الحب والحنان، وإظهار مشاعر الأبوة، واحترام أبنائنا وبناتنا، وتقديرهم، وتربيتهم على القيم والمبادئ، لا بالقسوة، بل بالمحبة والرعاية.
كما لا يفهم أحد أنني من خلال هذا المقال أواجه شخصيًا مشكلة مع ابني وبناتي أو زوجاتي، وإنما أكتبه مما أراه وألمسه وأعايشه في المجتمع، ومن معاناة يعيشها كثير من الآباء والأمهات في زمنٍ جفّت فيه ينابيع الطاعة، وضعف فيه التواصل الحقيقي., كما نشعر أحيانا أن العلاقة بين الآباء والأبناء أصبحت كعلاقة زمالة أو صحبة، بلا هيبة ولا احترام.
لست من أولئك الذين يأمرون أبناءهم بتقبيل ركبهم، أو يفرضون بعض الطقوس الطاعاتية؛ بل أرفض ذلك، وأنهي ابني وبناتي كوني أشعر ببعض النقص، لكني أقولها الآن بصراحة: ربما لهذا الفعل - رغم بساطته - أثر في ترسيخ معاني الطاعة والاحترام والرحمة..... وهو ما نفتقده كثيرًا.
إذن كل ما نحتاجه ليس الكثير من الكلام، بل لمسة تقدير، وكلمة طيبة، وسؤال صادق: "هل أنت راضٍ عني؟" فهذا السؤال وحده قد يُغني عن ألف نصيحة، ويمنحك الرضا ويُعيد دفءَ العلاقات في زمن فراغ المشاعر الطاعاتية وبرودتها .
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 22-مايو-2025 الساعة: 07:10 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://sanaanews.net/news-102962.htm