صنعاء نيوز -  سنوات، تناولتُ في مقالٍ نُشر في عدد من المجلات والمواقع العربية، ظاهرة البطل الرقمي في الإعلام الاجتماعي

الإثنين, 09-يونيو-2025
صنعاء نيوز/✍ د. غسان شحرور -



دور “دون كيشوت” يتصاعد في الإعلام الاجتماعي العربي


مقدمة تمهيدية:
قبل سنوات، تناولتُ في مقالٍ نُشر في عدد من المجلات والمواقع العربية، ظاهرة البطل الرقمي في الإعلام الاجتماعي تحت عنوان: “الإعلام الاجتماعي… أم عالم دون كيشوت؟”، في محاولة لقراءة ما يحدث من تحولات في الخطاب والسلوك الرقمي.
واليوم، وقد تعاظم حضور هذه الظاهرة، بتعقيداتها وانتشارها، أجدني أعود إليها من جديد، بعدما تصاعد دور “دون كيشوت” في فضائنا الإعلامي والاجتماعي، حتى غدا مشهدًا مألوفًا، وربما مقلقًا، يستدعي التأمل والنقد.

الوهم الرقمي: “دون كيشوت” يعود بقوة

من منّا لا يعرف القصة الشهيرة “دون كيشوت” التي أبدعها ميغيل دي ثربانتس عام 1605؟ إنها من أعظم الأعمال الأدبية في التاريخ، بطلها فارس واهم يرى في نفسه بطلًا مغوارًا رغم ضعفه الجسدي وواقعه البائس. يمتطي حصانًا هزيلًا، ويرتدي خوذة متهالكة، وينطلق إلى معارك خيالية ضد “شياطين” لا وجود لها إلا في خياله، وكأن العالم كله مسرح لبطولاته.

وإلى جانبه، سانشو، تابعه البسيط، على صهوة حماره، الذي لا يكتفي بتصديق أوهامه الفارس، بل يمتدحها ويضفي عليها طابعًا من البطولة والصدق، حتى يُصبح الوهم مقنعًا بفعل التفاعل، لا الحقيقة.

اليوم، في فضائنا الاجتماعي العربي، يتكرر المشهد: “فرسان” يتجولون على صفحات التواصل الاجتماعي، يخوضون معاركهم الافتراضية، ويجدون من يصفّق لهم ويؤمن ببطولاتهم… فهل اختلف شيء حقًا؟

فارس الشاشة على مسرح الوهم

يكفي أن تقوم بجولة سريعة على “فيسبوك” أو غيره من المنصات، لتفاجأ بأن كثيرًا ممن نعرفهم في الواقع قد تحولوا — بقدرة شاشة — إلى حكماء في الرأي، فقهاء في الدين والسياسة، خبراء في العلاقات، حراس الوطن والمواطن، أدباء مرهفين، وفلاسفة لا يُشق لهم غبار.

ينشرون صورًا مصحوبة بعبارات “عميقة”، وآيات منتقاة، وأحاديث مأثورة، وسِيَرًا ملهمة، يتحدثون باسم المظلومين، ويدافعون عن القضايا الكبرى، ويتصدّون للفساد — كل ذلك من خلف الشاشة، وبضغطة زر!

لكن السؤال البسيط: هل هذه “الفروسية الرقمية” حقيقية؟ أم أنها مجرد قناع جديد للوهم، لإشباع الذات، في عالم محبط، تغذّيه الرغبة في الظهور والترويج والتسويق، أو الحاجة لأن نكون “أبطالًا” ولو على جدار افتراضي؟

تمامًا كما قاتل “دون كيشوت” طواحين الهواء، يخوض البعض اليوم معارك ضد خصوم من خيالهم، ويخرجون منها منتصرين أمام جمهور لا يملك إلا زر الإعجاب.


“سانشو” المعاصر: جمهور الإعجاب الفوري والتفاعل التلقائي


لكن هذه البطولات لا تكتمل دون “سانشو” المعاصر — النسخة الرقمية من التابع المخلص. هو من يعلّق فورًا:

“منوّر”، “كلام من ذهب”، “الله عليك”، “ملك”، “يسعدلي أوقاتك”، “ما شاء الله”، “أبدعت”، “أحسنت ودمت”، وغير ذلك.

لا يهمّ المحتوى. المهم هو الدور في اللعبة التفاعلية: أن نُصفّق اليوم، ليُصفَّق لنا غدًا. أن نكون “سانشو” الآن، ليمنحنا غيرنا درع الفارس لاحقًا.
فكم مرة لعبنا هذا الدور — دون أن ندري؟

لعبة الأدوار واللا محتوى

الأمر لا يقتصر على الصور والمنشورات. حين يُبدي شخص ما رأيًا سياسيًا أو دينيًا، تجد حوله “السانشوهات” — جمع سانشو — يحلّقون، يهاجمون من يعارضه، ويدافعون عنه بإخلاص — دون مساءلة أو مراجعة:

هل هذا الرأي منطقي؟
هل تغيّر عن الأمس؟
هل يستحق فعلًا هذا التهليل والتصفيق؟


هنا نواجه نمطًا من التفاعل المبرمج، لا يُنتج معرفة، ولا يبني ثقافة منتجة، بل ولا يشجّع على التفكير، والتقدم بفعل يواجه التحديات المختلفة، بل وللأسف، يرسّخ ثقافة التكرار والتبجيل وصناعة الوهم.
الكل يريد أن يكون فارسًا… ولو من خيال!. ما أحوجنا إلى دراسة هذه الظاهرة، وبناء مرصد رقمي للوصول إلى التقييم والتوصيات لمعالجة ذلك.

بين الوهم والحقيقة… متى نصحو؟

هكذا يمضي كثير من إعلامنا الاجتماعي بين فارس يحارب طواحين الوهم، وجمهور من “سانشو” يصفّق له كلما تحرك أو تكلم، توجه إلى هنا أو هناك، وكلما رفع سيفه في الهواء.

ليست المشكلة في الحلم أو الطموح أو التعبير عن الذات — بل في مدى صدق هذا التعبير، وفي إدراكنا لموقعنا الحقيقي من هذا المسرح الرقمي.

هل نملك الشجاعة لنقف أمام مرآة رقمية ونسأل:
هل أنا حقًا ما أُظهره؟ وهل أسهم بأي شكل من الأشكال في بناء الفرد والأسرة والمجتمع، وهل التفاعل من حولي حقيقي… أم تمثيل صامت في مسرحية بلا جمهور؟

ربما نحتاج إلى لحظة صدق رقمية، نصغي فيها لا لصدى اللايكات والتعليقات… بل لصوت الذات.

فمتى نختار أن نكون حقيقيين… لا فرسانًا من وهم؟
————-






















































القديمة

الإعلام الاجتماعي أم عالم دون كيشوت .. بقلم د غسان شحرور

فى: نوفمبر , 2019فى: ثقافة وأدب

يؤثر التقدم التكنولوجي بشكل كبير على جوانب كثيرة من حياتنا. وكلما ازداد هذا التقدم كلما أثر في تغيير نمط حياة الأشخاص. ومع الاعتماد المتزايد على الإنترنت، أصبح استخدام منصات التواصل الاجتماعي جزءا أساسيا للتواصل اليومي واستقبال المعلومات لكثير من الأشخاص في العالم. فهناك من يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة للترفيه وتقضية الوقت، وربما لإضاعة الوقت، وآخرون أدركوا مدى قوة وسائل التواصل الاجتماعي، فاستخدموها بشكلها الفعال.

ومع الجدل المتكرر حول منصات التواصل الاجتماعي هل هي أمر جيد أم سيء، دعونا نتفق على أن لكل شيء مبتكر جانبا سلبيا وآخر إيجابي، وهذا يتوقف على كيفية استخدامنا لهذه الأدوات.

تعرف مواقع التواصل الاجتماعي على أنها وسائل تواصل والتي من خلالها ينشئ المستخدم حسابا يمكنه من التواصل عبر شبكة الإنترنت مع غيره من الأشخاص إلكترونيا؛ لمشاركة المعلومات والأفكار والآراء والرسائل وغيرها من المحتوى المكتوب و المرئي والصوتي والملفات. ومن أمثلة هذه المنصات Facebook و Twitter و Snapchat و Instagram و WhatsApp وYouTube، ومنها كذلك ما يكون له جانب مهني مثل LinkedIn، وقد تدخل من ضمنها المدونات مثل WordPress و Blogger.

وللاستفادة من هذه المنصات بالشكل الأمثل، وخصوصا في الجانب المهني، يجب إدراك مزايا تلك المنصات وتجنب سلبياتها.

من إيجابيات منصات التواصل الاجتماعي:

إتاحة فرص للشباب في التعبير عن أفكارهم: أصبح العالم في ظل مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات متصل بدرجة كبيرة حيث يسهل على أي شخص التعبير عن أفكاره وجمع المهتمين لها من كل أنحاء العالم.

الحصول على الدعم والمشاركة: تشير بعض الأبحاث إلى أن مجرد مشاركة الشخص لمشاكله والتعبير عنها والحصول على دعم الآخرين أو سماع خبراتهم حول نفس المشكلة وكيفية حلها يسهل على الشخص تخطي التجربة بشكل أفضل.

الحصول على فرص عمل والتسويق لأنفسهم: حسب آخر إحصائية يوجد إعلان عن 6.5 مليون فرصة عمل متاحة على موقع com وهو مثال لمنصة تواصل اجتماعي مهنية تهدف إلى ربط الباحثين عن عمل وأصحاب العمل، وأصبحت الشركات تستخدمه كأداة لاستقطاب الموظفين في كل أنحاء العالم، بالإضافة إلى ظهور ما يسمى بمهارات تسويق والتي يستخدم فيها مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات لإبراز مهارات الشخص وتوثيق إنجازاته في العمل.

فتح آفاق جديدة وكبيرة للأفكار الرائدة: تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي إحدى أهم وسائل التسويق التي تستخدمها الشركات الكبرى والشباب وأصحاب الأفكار الجديدة لتسويق منتجاتهم وخدماتهم، وهما ما يسمى بالتسويق الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

خلق فرص عمل وظهور مسارات مهنية جديدة: أصبح هناك فرص للعمل الكامل أو الجزئي، والتي يستطيع القيام بها العديد من الشباب، مثل: كاتب المحتوى التسويقي، أخصائي التسويق منصات التواصل الاجتماعي، مصمم جرافيك متخصص لتصميم إعلانات المنتجات على منصات التواصل الاجتماعي.

الاتصال الدائم بالعالم: في الماضي لم يكن لدينا الفرصة للبقاء على اتصال دائم مع الأصدقاء والعائلة في حالة وجود كل منهم في دولة أو مدينة أخرى، ولكن الآن أصبح الأمر سهل للتواصل مع أي شخص في أي مكان. وهذا يفتح فضاءات كثيرة للعمل وأخذ المعلومات من كل مكان.

من سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي:





الإدمان: حسب إحصائية تم الإشارة إليها في مجلة Business Insider أن كثير من الأفراد، وخاصة المراهقين، يقضون ما بين 13 و18 سنة حوالي 9 ساعات يوميا في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. وذلك أكثر من ساعات النوم والطعام والشراب وغيرها من الأنشطة! حتى يصل البعض إلى أنه لا يستطيع قضاء ساعة كاملة بدون تصفح منصات التواصل الاجتماعي. ويؤثر ذلك بشكل كبير وسلبي على جوانب الحياة الأخرى، حيث أنه يتم قضاء الوقت في استخدام الإنترنت على حساب أوقات العائلة والعمل والدراسة بلا شعور. والإدمان على استخدام هذه المنصات يؤثر كذلك على تركيزنا بشكل عام ويسبب تشتت التفكير.

العزلة الاجتماعية ووهم التواصل الافتراضي: قد يصل الأمر إلى أن نجد عائلة في بيت واحد تتواصل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو أن تجد عوائل يقضي أفرادها ساعات في استخدام الهواتف دون أي تواصل شخصي فعال، ويكتفي الجميع بالتواصل الافتراضي. وقد تؤدي مثل هذه الممارسات إلى ضعف تطور الشخص اجتماعيا ومهنيا بسبب عدم قدرته على التفاعل الإيجابي والطبيعي مع جوانب الحياة المختلفة.

مراقبة أحوال الآخرين والنظر إلى مظاهر الترف: يتعمد البعض في إظهار الجانب الإيجابي والمثالي فقط على وسائل التواصل الاجتماعي؛ مما يسبب الإحباط واليأس للبعض من كثرة تتبع المشاهير والمؤثرين وأخبارهم.

كما نرى في هذا المقال أن لمنصات التواصل الاجتماعي كثير من الإيجابيات والعديد من السلبيات أيضا؛ لذلك يجب التركيز على كيفية استخدامها وتوظيفها لتحسين جودة حياتنا الشخصية والمهنية.

وهنا بعض الإرشادات لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أفضل وفعال شخصيا ومهنيا:

من المناسب أن نستوعب أن منصات التواصل الاجتماعي في العصر الحالي ليست مجرد أدوات ثانوية، وأن دورها تنامى بشكل كبير ومؤثر، حتى في سوق العمل. وفيما يلي بعض الإرشادات للتعامل الفعال مع هذه المنصات:

لا تبالغ في مقارنة نفسك بأحد، ولا تنفصل عن الواقع وتكتفي بالواقع الافتراضي، بل كن متيقظا أن أي مقارنة صحية يجب أن تكون إيجابية، أي أنها تدفعك للأمام، وألا تدفع نفسيتك للاكتئاب الإحباط.

لدفع مسارك المهني بشكل إيجابي، يجب الظهور في منصات التواصل جميعها بشكل لا يخل بالآداب العامة، أو الدخول في مهاترات قد تعطي فكرة سلبية عنك وعن مستوى تفكيرك، والتي قد لا تكون صورة حقيقية عنك ولكن مشاركاتك قد يعطي هذا التصور.

يعتبر المحتوى المقدم من أقوى وسائل التأثير الشخصية والإعلامية، سواء كان مكتوبا أم مرئيا أم صوتيا. حيث سينجذب إليك المهتمين ويفتح فرصا مهمة، فضلا عن إثراء معلوماتك شخصيا عند تطوير هذا المحتوى وجمعه.

تحديث صفحتك على منصات التواصل الاجتماعي المهنية مثل com و Bayt.com ومثيلاتها بشكل احترافي وجذاب، وخال من الأخطاء، ويجب أن تكون مشاركاتك متزنة في هذه المنصات.

اجعل وسائل التواصل الاجتماعي وسيلتك للوصول لأشخاص مؤثرين، وتواصل معهم للحصول على الدعم لأفكارك ومشاريعك الحياتية والمهنية، واحرص على بناء شبكة علاقات شخصية ومهنية بما يخدم أهدافك الشخصية والمهنية، واختر الطرق الأنسب لذلك لا تكتف بالتواصل مع أصدقائك وعائلتك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بل اهتم بقضاء أوقات معهم واحرص على التواصل المباشر، فللتواصل المباشر جوانب إيجابية لا يمكن الوصول إليها بالتواصل بشكل إلكتروني

بشكل عام من أكثر المنصات الاجتماعية استخدامًا لدى الشباب الفيس بوك ، الواتس اب، اليو تيوب، التويتر، انستاغرام، لينكدان وغيرها

والتي كانت عاملًا حاسمًا في هجرة ذلك الجيل مختلف أشكال ووسائل التواصل التقليدية، بشكل أحدث قطيعة بين ذلك الجيل وجيل عصر الوسائط المطبوعة الذي فرض بنيته الفكرية الخطية على امتداد قرون، منذ تعميم القراءة والكتابة حتى نهاية القرن العشرين. وقد تولَّد عن تلك الهجرة الجماعية للفضاء الرقمي بروز سلوكيات اجتماعية وقيم ثقافية جديدة أصبحت تزاحم مقتضيات التنشئة الاجتماعية

إن التحدي الكبير الذي سيشكِّله هذا التغير لاحقًا على المجتمعات العربية يكمن في تحول المنصات الاجتماعية إلى منصات تنشئة اجتماعية لا تنبني محتوياتها وفقًا لمقتضيات بناء المجتمع الواحد وبمقتضيات الحفاظ على تماسك ذلك المجتمع عبر إنتاج وتوارث قيم ثقافية واجتماعية وفكرية متجانسة. وبذلك ستزاحم تلك المنصات مؤسسات التنشئة التقليدية التي تخضع في محدداتها لتصور واضح المعالم والتوجه والأهداف، بينما تتضارب المحددات الرَّقمية في معالمها وتوجهاتها وأهدافها.

الأولى من الآثار الإيجابية لوسائل الإعلام الاجتماعية والإنترنت القائم على الشبكات الاجتماعية. وفقا للمؤلفين، يتم استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية لتوثيق الذكريات ومعرفة واستكشاف الأمور، والإعلان عن الذات وتشكيل الصداقات. فعلى سبيل المثال، يدعون أن الاتصال من خلال الخدمات القائمة على شبكة الإنترنت أكثر خصوصية مما يحدث في الحياة الحقيقية. علاوة على ذلك، يناقش ريني وويلمان أن الجميع لديه إمكانية أن يصبح صانع للمحتوى. بذلك فإن إنشاء المحتوى يوفر للأفراد فرصاً الوصول إلى جمهور أوسع نطاقا. وعلاوة على ذلك، يمكن أن تؤثر بشكل إيجابي على مكانتهم الاجتماعية والحصول على الدعم السياسي.وهذا يمكن أن يؤدي إلى التأثير في القضايا التي تهم الشخص

وجود تحولات جديدة في ميادين مختلفة كالتأثير على التغيرات الاجتماعية والثقافية، وتمكين الشباب والمرأة، وريادة الأعمال، وحرية التعبير، وسلوكيات استهلاك الإعلام، وكذا دور الحركات المدنية الشعبية.




@@@



من منا لا يذكر القصة الشهيرة (دون كيشوت) أو (دون كيخوتي) (بالإسبانية: Don Quixote de la Mancha)، التي ابتدعها (ثربانتس Miguel de Cervantes) في عام 1605، وتعد واحدة من روائع الأدب العالمي، ومن أكثر الكتب التي تم نشرها وترجمتها على مر التاريخ.

بطل الرواية أو الشخصية الأولى فيها هو (دون كيشوت) الذي ورغم جسمه العليل الواهن صور له خياله الفياض أنه فارس، انطلق بدرعه المتهالك وخوذته البالية على صهوة حصانه المتداعي في طريق المغامرة، والأعمال العظيمة.

لقد امتلأ طريق (دون كيشوت) الواهم بعشرات القصص والمغامرات، إلا أن أشهرها وأكثرها طرافةً كان صراعه مع طواحين الهواء التي توهم أنها (شياطين لها أذرع هائلة تقوم بنشر الشر في العالم). كان خياله يحول كل العالم الحقيقي المحيط به الى مسرح لفروسيته وشهامته ونرجسيته التي لا تعرف الحدود. والشخصية الأخرى في الرواية الشهيرة كان (سانشو) الذي كان لابد منه ليكتمل المشهد، فهو يطيع أوامره ويثني دائما عليه، ويصدق كل أوهامه ونرجسيته، بل يمجد ويستحسن اي شيء يقوم به.

إن جولة سريعة في وسائل التواصل الاجتماعي العربية لاسيما الفيس بوك تبين أن الكثير من الأشخاص العاديين الذين نعرفهم حولنا، قد تحولوا بقدرة قادر في صفحات العالم الافتراضي الى فرسان، نعم فرسان في النبل والوفاء، في الصدق والورع، في حب الإنسان والوطن، فرسان في ذكر الأحاديث الشريفة والسير النبوية العطرة، لا ينقطعوا عن الذكر والتذكير في كل ما ينشرونه لاسيما قصص السلف الصالح، يدعون فيها الى نصرة الضعيف والمسكين وابن السبيل، نعم فكل منهم فارس مغوار لا يشق له غبار، لقد أصبحوا في الإعلام الاجتماعي كوكبة فرسان في مختلف صنوف العلم والمعرفة، إنهم نبلاء وادباء وعلماء وحكماء وظرفاء وأذكياء وأصدقاء وأوفياء وأتقياء، عطر فروسيتهم يفوح هنا وهناك، وأينما تجولت في صفحاتهم.

وهنا أيضاً في إعلامنا الاجتماعي لا بد من (سانشو) الذي يسارع إلى تقديم الإعجاب والتقدير، ويثني على الفارس، ويصدق ويصادق على ما يدعيه، إذا ما هاجم هاجم، وإذا ما دافع دافع، وإذا ما هادن هادن، وهكذا يجري تبادل الدور بين الفارس (دون كيشوت) و(سانشو) حتى تستمر الرواية، فمن يكن فارساً عند نشره شيء ما، يقوم الآخرون بدور (سانشو)، ويعود الفارس بالمقابل ويؤدي دور (سانشو) تجاه الآخرين عندما يكونون في طور الفرسان، وهكذا إذا ما نشر الفارس صورته على صفحته وهو يلتفت ذات اليمين وذات اليسار، مع هذا أو ذاك، أو نشر شيئاً أو قولاً ما، أو أبدى رأياً، سارع (سانشو) إلى الإعجاب والقول: (منور)، (ما شاء الله)، (الله يحميك)، (شباب.. الله عليك)، (إطلالة رائعة)، (ملك أو ملكة)، (مبدع)، (يسعدلي كل أوقاتك)، وغيرها من باقي كلمات وعبارات التصديق والإعجاب والثناء.

وهكذا ما بين (دون كيشوت) و (سانشو) يمضي الإعلام الاجتماعي العربي.








```
P Please consider the environment before any printing

عرض النص المقتبس
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 09-يونيو-2025 الساعة: 11:27 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://sanaanews.net/news-103210.htm