صنعاء نيوز - 
كنت في بداية شبابي والسواد الاعظم من اليمنيين نستمع عبر اذاعة صنعاء الى برنامج فتاوى الذي يقدمه عز الدين تقي والاغاني والاناشيد

الأربعاء, 02-يوليو-2025
صنعاء نيوز/بقلم/ احمد الشاوش -


الأربعاء, 02-يوليو-2025



كنت في بداية شبابي والسواد الاعظم من اليمنيين نستمع عبر اذاعة صنعاء الى برنامج فتاوى الذي يقدمه عز الدين تقي والاغاني والاناشيد الوطنية والكثير من البرامج والقضايا الاجتماعية والسياسية وفي الطليعة برنامج قضايا واحداث للاعلامي الكبير عبدالله الكهالي رحمة الله عليه وغيرها من البرامج التي كان لها صدى وتأثير كبير يشد المواطن الى فضاء الاعلام .

نشاهد التلفزيون وخارطة برامجه اليومية من نشرات الاخبار بصوت عبدالله شمسان واحمد الذهباني وامة العليم السوسوة وهدى الضبة وعلى صلاح وعمالقة المذيعين والمقدمين والمحاورين بشوق بلا حدود.

نستمع بشوق ولهفة الى برنامج " صورة " الناقد للاستاذ احمد الذهباني ، وبرنامج " صور من بلادي" للاعلامي محسن الجبري بلهجته الشعبية الدارجة وبساطته ولطافته وطرافته العجيبة ، كما نستمع الى البرنامج الثقافي للاستاذ والاديب محمود الحاج ، وبرنامج نادي السينماء للاعلامي عبدالملك السماوي وبرنامج العالم المصري مصطفى محمود والاعلامي العيزري وعلي صلاح وبرنامج نسمه الرمضاني قبل المغرب بدقائق الذي يعالج قضايا الساعة بطريقة ساخرة و احترافية ولهجة شعبية تجذب المستمع من على بُعد .

كما كان لبرنامج عيادة رمضان ، وسلامتك حضور وشوق وصدى كبير في ذاكرة رواد تلك المرحلة الذهبية في كافة فنون ومجالات الحياة.

كانت العيون تنظر بعين الاعجاب الى الحفلات الفنية .. والاذان تستمع بدقة وامعان وتذوق واحساس نادر الى أغنية الفنان الكبير " محمد البصير " ، الذي غنى للثورة والوطن والجمهورية وهو يرتدي البدلة العجيبة والكرفتة النادرة والنظارة الشمسية في جوف الليل وهو يردد بزقعة بلاحدود والى جانبه الفرقة الموسيقية انشودة " جمهورية من قرح يقرح " ، من أعماق قلبه بحركاته العجيبة والمثيرة والمدهشة ومعنوياته المرتفعة وسط تصفيق وسعادة بلاحدود من جمهور الفن وتصفير وترديد" كلمات جمهورية من قرح يقرح" بصوت صادم ولحن ساحر وكلمات تُمثل عنفوان الثورة والجمهورية اليمنية الفتية ، بينما الطرف الآخر المشدود الى الماضي أكثر توتراً وعصبية وغضب وسخرية وكأنه يتلقى تلك الانشودة الحماسية والكلمات النابعة من القلوب واللحن البديع والاثارة وسعادة الجمهور كعواصف مثيرة.

كانت الصحف والمجلات المصرية واللبنانية والكويتية تتدفق الى الجمهورية الفتية من العربي والشبكة والموعد واخر ساعة والمصور واخبار اليوم واكتوبر ومجلة المجلة والوطن العربي وهنا لندن وروز اليوسف والشاهد واليوم السابع ..

وكان لصحيفة الثورة والجمهورية و14 أكتوبر وأضواء اليمن ومجلة معين والجيش وغيرها من المجلات والصحف الرسمية والاهلية وجبة يومية للقراء وجرعة ثقافية للموظفين والدكاترة والاكاديميين والسياسيين والنُخب والسفارات والعمال ونزلاء الفنادق واللوكندات والطلبة والرياضيين وصفوة المجتمع ، قبل أن تسيطر على اليمن لغة وأصوات البنادق والفنادق والخنادق وثقافة " قيح .. قاااح .. بم.. وسيناريوهات الجهل وخطابات الوهم واحلام الحور العين ومفاتيح الجنة ولغة الحديد والنار.

كان الناس أكثر سعادة وبساطة وتواضع ووفاء وتكافل وقبيله وقيم وحُب للتعليم والدراسة والقراءة والكتابة واقبال على مراكز العلم والاشعاع والابداع ..

وأفضل مافي تلك الفترة أن مؤسسات ومدارس الجمهورية العربية اليمنية كان يديرها نخبه من المدراء والتربويين والمدرسين متخصصين وإن كان البعض منهم أمنيين أو حزبيين لكنهم كانوا أكثر وعياً وثقافة وادارة وادراكاً بأن قاطرة العلم هي المستقبل الآمن والمزهر لليمن السعيد.

كانت الدراسة مجاناً والكتب المدرسية مجاناً ورسوم التسجيل زهيده جداً والمناهج نوعية وجودة التعليم عاليه قبل دخول عالم الملازم والوجبات السريعة وسياسة تضييع وتغييب وتدمير اجيال الغد.

ذكريات جميلة :
رتزال الذكريات الجميلة عالقة في الذاكرة وفي رواية التوهمي عندما كنت وسائر الطلبة في مدرسة الطبري بصنعاء في الصفوف الابتدائية نرتدي القميص الابيض والبنطلون الكحلي الجميل .. لافرق بين كبيرنا وصغيرنا وغنينا وفقيرنا بدون تمييز..

ما اجمل طابور الصباح والاذاعة المدرسية وتنظيم ونشاط طلبة الكشافة وترديد الاناشيد الوطنية وتحية العلم وتجسيد الهوية الوطنية الواحدة والنسيج الاجتماعي العظيم الذي ذابت فيه جميع الالقاب والافكار والمنغصات والاساطير والخرافات.

كان المدرس يمني ومصري وفلسطيني وسوداني وسوري وعراقي وسعودي أشبه بلوحة عربية بديعة ورمز للتعليم في وطننا الحبيب .. ورغم التنوع حافظنا على هويتنا الوطنية والقومية والاسلامية.. مازلت أتذكر تلك الاستاذة المصرية العظيمة التي كانت تدرسنا في الصف الخامس الابتدائي وندرس الى جوار أخواتنا البنات بكل أدب واحترام دون ان يسير حسنا بعيد أو تغزونا ثقافة التشكيك وزيااااادة الايمان وقوانين الضرط والحنحنة وسياسة وايدلوجية التضليل.

كانت حياة المجتمع اليمني بسيطة جداً جداً ، ومشاهد المؤسسات والاماكن والمحلات والاسواق والناس أنيقة ورائعة وفي قمة الجمال والاريحية والتفاؤل والامل والاقبال على التطور والحداثة وكانت تلك المناظر الجميلة وحركة الناس العفوية والتقاليد العظيمة ماتزال شاخصة في العين والقلب والوجدان..

مناظر تاريخية ..
بيت العجمي في باب النهرين بصنعاء القديمة أسرة حديرة بالاحترام تفننت في صناعة "القرابيا".. وهي نوع من الكيك بطول الاصبع .. والكعك " المسمن " ، ذو الشكل الدائري الفريد واللذيذ.. يمر العجمي بـ " تبسي الكعك " فوق يده اليمني واليد الاخرى تمسك بسكان السيكل وفجأة يقف الى جانب دكان قديم لا يتعدى المترين في متر للوالد محمد هاجر ويوزع له بعض انتاجه من الحلوى للبيع بأسعار زهيدة للاطفال..

وفي الجوار دكان الحج على الاسدي تلك الشخصية اللطيفة والاكثر مرحاً وبساطة وطرافة جالساً في دكانه بجوار هاجر يبيع سجائر التريفف والثلاث خمسات وبعض الاشياء ..

أستديو شاكر للتصوير أمام مسجد النهرين ، تصوير ابيض واسود ، ما اجمل ذلك الاستديو البديع والغريب وما أجمل تلك اللقطات ولا أروع من التلوين اليدوي ..

وبجوار بيت الصباحي على السايلة صندقة وطربال العم " علي حميشان " لبيع الكباب والسلطة مع السحاوق..

على بُعد امتار وفي دكان لا تتجاوز المترين في مساحة متر تنظر الى قهوة الشعوبي وخبرته وتميزه في عمل قلص بُن يعدل المزاج أو شاي حليب مفور وشاي احمر بالهيل والزر لذة للشاربين ..

الناس عايشه ومبسوطة .. فرص العمل .. وظائف شاغرة.. الارزاق مفتوحة .. المرتبات .. الناس في قمة البساطة .. مستورة .. متواضعة .. هادئة .. ضاحكة .. مستبشرة .. ليس عليها غبرة ولا قترة ولا مشاريع سياسية تطلع لها الروح والجنان.

واذا ما دخلت حارة الطبري التي تُعتبر جزء من صنعاء القديمة تجد بشاشة وحلاوة لسان العم "عبدالله الحضوري" المستاجر تحت بيت المخرج الاذاعي عبدالله هديان ، وأمامه دكان محمد العماري وقبله دكان الحاج علي غراب وفرن العم عبده قاسم " منشلين" ذلك الرجل الصالح ، ودكان العم عبده حمود شريان النقيب ، وصالون محمد فارع البعداني واخيه مرشد وعيادة هاشم ومحمد غراب فيما بعد .. وقبلها الحضوري لاصلاح الراديو..

ماتزال الذكريات الجميلة عالقة في الذاكرة .. لاسيما ذلك الاسلوب الظريف للبائع عبدالله الحضوري وكيفية تأثيرة في صيد الزبون بحركة أو اشارة أو ابتسامة ونظراته التي تحمل حنان الاب وتأثيره في جلب المشتري وكأنه يقول للجار تعال ما قل لك على وقع أغنية الفنان احمد السنيدار ، لشراء سكر او شاي أو جعالة او أي عطارة..

كانت حارة الطبري وباب السباح تدب فيها الحياة بكل ألوانها ومعانيها.. بيت الرحبي والسري والمحاقري وعنبه والعدلة والشاوش والبياضي والحيمي والذيبة والشامي والقعطري والفران ودستان والثور والديواني والكحلاني والعقيلي والاسدي والهبل والصعدي والنشاد وبيت شيبان وقاطة وكباس والدبعي والقيداني والحيمي والشرقي وعبادي والحمامي والضلعي والجماعي والخاشب والاسطى والمتوكل والعيني والجرافي والمؤيد والقاضي ودحابه والمناخي وعاطف وفطيرة وسنبل والموقي والغراسي والانسي وهاشم والنادرة والقليسي والغرارة ..

ما أروع تلك الذكريات الجميلة .. نصلي فجر .. ندرس القرآن .. نشرب البُن .. نشتري فول بلدي في طاسه رائحته النفاذة الى آخر الشارع وطعمة لايقاوم .. من العم محمد المفول وفي رواية محمد " النقيب " .. نجهز الدفاتر نذهب الى المدرسة .. نعود ونصلي الظهر ونتناول الغداء ونذاكر ونصلي العصر ونتريض ونصلي مغرب وعشاء ثم نتناول العشاء ومجابرة مع الاسرة ومن ثم النوم مبكراً استعداداً ليوم جديد وأمل بلا حدود..

كان مطعم الدبعي الصغير الحجم والشهير في تقديم الاطعمة وقلابة الفول والبيض والكبدة والفاصوليا بطريقة أحترافية تأكل أصابعك من الطعم وروائحه الزكية ونظافته.. ذلك الرجل الكبير بأخلاقه وانسانيته وتواضعه والتزامه الديني دون ايدلوجيا الذي أحبه سكان حارة الطبري حتى أصبح واحداً منهم واحب الحارة وتعمر الى أكثر من 100 عام في صنعاء رحمة الله عليه ..

كان في منتصف الشارع مطعم " فرج " القريب من منزل الدكتورة رؤوفة حسن رحمة الله عليها.. فرج وما أدراك مافرج وقُلابة فرج .. للبيض والفاصوليا والكبده .. سندويتشات حتى الشاي الاحمر والروتي له مذاق وطعم ثااااني أحلى من السكر .

مسيرة دقائق تنقلك الى عالم اللحوم في مجزرة وسوق باب السباح لبيع لحوم الغنمي والعجل والبقري .. ماركة الجمالي .. فطيرة .. كابع .. العلاني .. علي حالي .. احمد عمنا.. الغرارة..الموقي..

واذا ااردت ان تشتري الخضرة نظيفة وصحية وبدون سماد ومبيدات ومسرطنات فأمامك دكان بيت غدر ومصطفى في قمة الامانة والتواضع والاخلاق .. باميا بلدي مثل لساسين العصفر من الصافية وطماط من الاهجر وبطاط من قاع البون .. فاصوليا .. بصل بلدي .. براصة .. ثوم .. واذا نظرت يمنياً وجدت بائعي السلطة والكراث والنعنعه والبقدونس والكبزرة والطرودة .. واذا اتجهت الى شمالك وجدت الرياحين والشذاب والورود ..

أسواق جميلة وأكلات طيبة ومشروبات زكية وروائح تفتح الشهية .. ثم تنظر الى دكان حويس وما ادراك ما حويس .. لا أجمل ولا أطعم ولا انظف من كباب وسلطة العم حسين حويس وعبدالله حويس واحمد حويس رحمة الله عليهم .. وكذلك كباب بيت العماااااااااد.

وفي طريقك ما اعجبك شله .. لا ننسى ألذ قلص بُن ينعش العقل والمخ ويعدل المزاج من قهوة عمنا محمد الماورررررري رحمة الله عليه ، وكذلك مايقدمه من كأس شاي حليب أوشاي احمر مع الهيل والزر وأغصان المليس العطرة.

كما تفنن بيت الشعباني في اتقان وصناعة حلويات الرواني والبقلاوة والشعوبيات ومربى الجزر ومربى الدباء وشراب الشعير والقديد والعنب ولكل له نكهة وطعم ثاني.

وتتواصل ذكريات الجمال والحلاوة ، بحلاوة الحلواني الكبير أحمد الابي ، الذي كان عنواناً للصنعة والحرفة واللذة بعد ان أكتسب خبرته من خلال عمله مع الاتراك في محافظة الحديدة ومن ثم اشترى أدواتهم وجاء الى صنعاء وفتح محل كبير تحت بيت الكتف جوار باب النهرين .. فكانت بقلاوة الابي المعجونة باللوز والقطرررر لا مثيل لها والشعوبيات والقطائف ومربى الدباء والجزر ..

كما أشتهر على الاحدب وفي رواية " قحزة" في عمل وصناعة الحلويات الصنعانية من بقلاوة ورواني وشراب وغيره وبيع يورت بيت سنبل ، وبعده صعدت شهرت احمد غليس وفي رواية احمد حدة .. بعمل بديع وتقديم أطيب الحلويات والمربيات والاشربة .

نتذكر الحاج علي سنبل راعي الغنم في الصباح الباكر .. ذلك الرجل الوقور والانسان العظيم .. قبل العصر في نادي الظرافي ومدرج مشجعي أهلي صنعاء لمشاهدة المباريات .. نتذكر نادي القمر الرياضي الذي كوناه شخصياً وعلي الشعباني وجميل المعصب وعبدالسلام صدقة وعبدالله العنس" الملقب بالزمالك وآخرين في شارع "المطيط".

كان يوجد تحت قسم شرطة جمال جميل .. مطعم الشوكاني للحم والمرق الغنمي ظهراً والصباح الباكر لبيع الفول البلدي وبجواره مطعم المذبحي لبيع السلتة واللحم البقري ..

نتذكر الحاج " الهمداني " مثمن ومصلح بيع الفواكة أو الوسيط بين القبيلي المزارع والمستهلك ..

نتذكر دكان حمادي النهمي وعبدالله النهمي وسرحان لبيع الزبيب واللوز والبسكويت وانواع الشكليت ..

نتذكر بسطة أبو هاشم السيد المطاع وهو يبيع الموز ابو نقطه تحت دكان خرصان وامام محل يحي بكيل والذي كان عنواناً للجودة والقناعة والرزق الحلال.

كما نرى دكان العم "يحي بكيل " لبيع الفواكة اليمنية والمصرية واللبنانية.. ودكان التام ودكان الرجل العظيم والرياضي الكبير حسين النهمي ومهدي عنبه والحيمي المتخصصين في بيع الفواكة من عنب وموز وبرتقال وتفاح وفرسك وكل الفواكة باسعار رمزية وفي متناول كل أسرة.

نتذكر بائعات الورد البلدي والرياحين والشذاب والبيض البلدي واللبن والفرسك والبرقوق والتوت بجوار قسم شرطة جمال جميل والشطفة ..

حلاوى صباح :
ومن اجمل ما كان موجود في أسواق صنعاء حلاوى " صباح " ويامحلى صباح وما اجمل الشحرورة صباح .. وحلاوى " ناصر" وما أعظم ناصر وحلاوى القذافي وحلاوى السلال .. وحلاوى قعنن التي كان يتفنن في صناعتها بيت السلال ..

أخيراً .. اليوم تغيرت الحياة وأصبح الجمال غير الجمال والطعم غير الطعم والمزاج غير المزاج والناس غير الناس والقيم غير القيم والمجتمع غير المجتمع والشعب غير الشعب والحكام غير الحكام وتغيرت اللعبة وتعدد اللاعبون وتجار الحروب والازمات ومنظري الايدلوجيات.

[email protected]
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 03-يوليو-2025 الساعة: 08:58 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://sanaanews.net/news-103616.htm