صنعاء نيوز - منذ أن دخل أحمد الشرع، المعروف سابقًا بأبي محمد الجولاني، إلى قصر الشعب في دمشق بصفته "رئيسًا انتقاليًا" لسوريا، انقلبت المعادلات

الأحد, 13-يوليو-2025
صنعاء نيوز/ -

إيهاب مقبل

منذ أن دخل أحمد الشرع، المعروف سابقًا بأبي محمد الجولاني، إلى قصر الشعب في دمشق بصفته "رئيسًا انتقاليًا" لسوريا، انقلبت المعادلات. الرجل الذي كان قبل سنوات يتزعم أحد أقوى التنظيمات الجهادية في الشمال بات اليوم يجلس على مقعد الحكم في العاصمة. وسرعان ما تحوّل السؤال من: "كيف وصل؟" إلى: "كيف سيحكم؟" وهل سيصمد؟ وربما الأهم: هل يذهب نحو التطبيع مع تل أبيب ليؤمّن بقاءه؟

تنويه تحليلي:
هذا المقال لا يدّعي التنبؤ بالغيب، بل يستند إلى تحليل معطيات سياسية وأمنية واقتصادية قائمة، ويعتمد على تتبع سلوكيات الفاعلين، وردود الفعل المحلية والدولية، والتوجهات التي بدأت تتشكّل منذ وصول الشرع إلى دمشق في ديسمبر كانون الأول 2024. ما يرد هنا هو قراءة واقعية لسيناريوهات محتملة، وليس كهانة أو تنجيمًا.

من هو أحمد الشرع الجديد؟
من قائد ميداني لتنظيم جهادي في إدلب، إلى رجل يرتدي بدلة رسمية ويتحدث عن "الاستقرار والمؤسسات" في قلب دمشق، تتشكل شخصية الشرع الجديدة على أنقاض شخصية الجولاني القديمة. لكنه في العمق لم يغادر بعد هويته المركّبة: "حاد الذكاء، سلطوي النزعة، قادر على التكيف والتلون".

وبينما يحاول بناء صورة "الرئيس المدني" في العاصمة، لا يزال الشارع السوري، حتى بين خصوم الأسد، ينظر إليه بحذر. السيطرة على دمشق تعني أنه بات في قلب الدولة، لكن الثقة لم تصل إلى القلب بعد.

توقعات حكم أحمد الشرع من 6 إلى 24 شهرًا
خلال الأشهر الستة المقبلة، يتوقع أن يواصل الشرع ترسيخ سلطته داخل مؤسسات الدولة، من وزارات إلى أجهزة أمنية. سيعتمد على شخصيات تكنوقراطية لتجميل واجهته، بينما يضبط المشهد الأمني بقبضة مشددة. في الوقت ذاته، سيبدأ اتصالات إقليمية حذرة، وربما فتح قنوات خلف الستار مع دول غربية وعربية.

بين يناير كانون الثاني ويوليو تموز 2026، ستبدأ الضغوط في الظهور بوضوح: "قوى سياسية مهمّشة ستطالب بالشراكة، فيما سيبدأ خصومه بالتحرك سياسيًا وربما أمنيًا". الاقتصاد سيكون عبئًا كبيرًا، وقد يظهر التململ في الشارع الدمشقي نفسه، مع ازدياد التناقض بين صورة الشرع الجديدة وماضيه.

بين يوليو تموز وديسمبر كانون الأول 2026، ستكون دمشق في قلب المعركة السياسية. الشرع سيواجه إما صراعًا داخليًا ناعمًا أو اضطرابات صريحة، وقد يلجأ إلى التسويات الكبرى أو يعمّق سلطويته. في هذه المرحلة، سيتزايد الحديث عن "ضمانات دولية" و"شرعية ما بعد الثورة"، وهنا قد تظهر أول إشارات التطبيع مع تل أبيب.

أما بين يناير كانون الثاني ويوليو تموز 2027، فإما أن يكون قد ثبت حكمه بشكل نهائي عبر انتخابات مزيفة أو تفاهمات دولية، أو ينهار المشهد أمام أزمات داخلية أو انقلاب ناعم أو تصعيد مسلح. دمشق قد تكون مستقرة أمنيًا ظاهريًا، لكنها في الحقيقة ستكون على صفيح سياسي ساخن.

التطبيع: متى؟ ولماذا؟
في أول سنة من سيطرته على دمشق، لن يُقدم الشرع على التطبيع بشكل علني. لكنه، وبحكم موقعه الجديد، سيتعرّض لضغوط حقيقية من بعض العواصم الداعمة له: "الخليج وأوروبا وواشنطن". هناك عرض مبطن دائم: "شرعية دولية مقابل تطبيع تدريجي مع إسرائيل". وربما يشهد الوضع نوعًا من التطبيع غير العلني أو التواصل الخفي مع تل أبيب كجزء من هذه الضغوط والمفاوضات، قبل أي إعلان رسمي.

بين يناير كانون الثاني ويوليو تموز 2026، قد تظهر تصريحات مبطنة عن "السلام الإقليمي" أو "عدم العداء"، وقد تُجرى لقاءات غير علنية مع وسطاء إسرائيليين برعاية غربية. الشرع سيتردد كثيرًا، لكنه قد يلمح إلى أنه "منفتح على جميع الخيارات".

بين منتصف 2026 وبداية 2027، إذا استمرت أزماته واشتدت الضغوط، فقد يُقدم على أول خطوة علنية: "فتح مكتب تنسيق خارجي أو إجراء لقاء علني غير رسمي مع شخصية إسرائيلية، تمهيدًا لاتفاق أوسع". في هذه المرحلة، سيكون التطبيع جزءًا من صفقة بقاءه على كرسي الحُكم وليس خيارًا استراتيجيًا حرًا.

وبحلول صيف 2027، إذا نجا من التحديات واحتفظ بالسلطة، فقد يعلن اتفاقًا أمنيًا أو اقتصاديًا مشتركًا مع تل أبيب، بغطاء عربي – خليجي – أميركي.

ردود فعل السوريين
السيطرة على دمشق لم تعنِ تلقائيًا السيطرة على الوجدان السوري. حتى بين من تعبوا من الحرب، هناك حساسية عالية تجاه التطبيع، خصوصًا في دمشق التاريخية التي تحمل إرث الصراع العربي – الإسرائيلي.

في حال بدأ الشرع بتلميحات التطبيع، فإن أول من سيتحرك ضده هم من قاتلوا معه سابقًا باسم الثورة أو الدين.

الاحتجاجات الشعبية، والرفض داخل الجيش والفصائل، بل وحتى محاولات الاغتيال، كلّها احتمالات جدية.

سيحاول الشرع احتواء الغضب بوعود داخلية: "تحسين المعيشة، إطلاق المعتقلين، أو إشراك أطراف جديدة في الحكم". لكن إذا أعلن التطبيع رسميًا، فسيخسر شرعيته الثورية والدينية والمدنية دفعة واحدة.

موقف تركيا من التطبيع وتفكيرها في قسد
تركيا تتبنى موقفًا متوازنًا تجاه موضوع تطبيع الشرع مع تل أبيب. رغم التوترات السياسية والتاريخية مع إسرائيل، فإن أنقرة قد لا تعارض التطبيع بشكل كامل إذا اعتبرته خطوة تخدم استقرار المنطقة ومصالحها الأمنية في سوريا. مع ذلك، تظل تركيا حذرة في موقفها الرسمي بسبب الضغوط الداخلية والرأي العام المناهض للتطبيع، مما يجعل دعمها محدودًا وغير معلن.

وبالتالي، يمكن القول إن تركيا "تؤيد بحذر" أو "تراقب" التطبيع، لكنها لن تكون داعمًا معلنًا قويًا في الوقت الراهن، وستعتمد مواقفها على ما يحقق مصالحها الإقليمية والأمنية بشكل أكبر.

أما بالنسبة لقسد، فتعتبرها تركيا خصمًا أمنيًا رئيسيًا بسبب ارتباطها بحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيًا في أنقرة، ولذلك ترى تركيا أن دعم أو تقوية حكم الشرع قد يكون وسيلة للحد من نفوذ قسد في شمال شرق سوريا، حتى وإن كان ذلك على حساب تحالفات أخرى أو التوتر مع أطراف إقليمية ودولية.

خلاصة تحليلية
تحوّل أحمد الشرع من زعيم ميداني إلى حاكم دمشق هو واحد من أكثر التحولات دراماتيكية في تاريخ سوريا الحديث. لكنه، وهو يجلس اليوم في قصر الشعب، يبدو أنه يعلم أن المعركة لم تنتهِ… بل بدأت.

بين كرسي الحكم في دمشق وتل أبيب، هناك خط رفيع يفصل بين النصر والسقوط.
هل يغامر بتطبيع يحميه دوليًا؟ أم يتمسك بشرعية داخلية باتت هشة؟
الأيام وحدها ستكشف إن كان أحمد الشرع رجل دولة… أم مجرد جسر في مرحلة عابرة.

وختامًا، أؤكد مجددًا: هذا المقال ليس قراءة غيبية، بل تحليل سياسي يستند إلى معطيات ومؤشرات متوفرة اليوم، قد تصيب أو تخطئ… لكنها تنطلق من الواقع لا من الكهانة.

انتهى
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 13-يوليو-2025 الساعة: 06:50 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://sanaanews.net/news-103777.htm