صنعاء نيوز - في الوقت الذي لا تزال فيه النيران مشتعلة في شمال سوريا بين القوات الكردية الطامحة إلى مشروع حكم ذاتي موسع، والسلطات المركزية

الخميس, 17-يوليو-2025
صنعاء نيوز/ إيهاب مقبل -



في الوقت الذي لا تزال فيه النيران مشتعلة في شمال سوريا بين القوات الكردية الطامحة إلى مشروع حكم ذاتي موسع، والسلطات المركزية في دمشق، تتعمق الأزمة في الجنوب أيضًا، حيث تواجه محافظة السويداء تصعيدًا غير مسبوق بعد تدخل عسكري إسرائيلي مباشر، استهدف مبنى وزارة الدفاع في العاصمة دمشق. الهجوم يأتي بذريعة حماية الطائفة الدرزية في السويداء، التي تشهد توترات مسلحة بين فصائل محلية والسلطة المركزية.

لكن خلف هذه التطورات الظاهرة، تكمن صراعات إقليمية أكثر تعقيدًا: فالأكراد يسابقون الزمن لفرض واقع إداري إنفصالي بدعم أميركي، بينما تسعى إسرائيل إلى تفكيك أي نواة وطنية مركزية في دمشق يمكن أن تعيد طرح ملف الجولان المحتل، خاصة بعد سقوط نظام الأسد وصعود قيادة جديدة برئاسة أحمد الشرع. وبين طموحات الانفصال شمالًا، والقصف الإسرائيلي جنوبًا، يُطرح سؤال محوري: هل ما زال من الممكن إنقاذ وحدة سوريا؟ وهل تلعب قوى إسلامية غير عربية، مثل باكستان، دورًا في إعادة التوازن إلى ساحة باتت مفتوحة لكل اللاعبين؟

أولًا: لماذا قد ترسل باكستان قوات إلى سوريا؟
1. استجابة لدعوة رسمية من الحكومة السورية الجديدة: إذا أرادت دمشق دعمًا عسكريًا خارجيًا غير أمريكي وغير روسي، فقد تكون باكستان خيارًا مفضلًا بسبب علاقاتها الجيدة مع عدة أطراف متصارعة، وحيادها النسبي في الصراع السوري.

2. دعم وحدة الأراضي السورية: باكستان دائمًا ما دعمت وحدة الدول الإسلامية، ورفضت مشاريع التقسيم. مشاركتها في سوريا قد تكون إعلانًا صريحًا برفض تقسيم البلاد إلى كانتونات طائفية أو عرقية.

3. بناء نفوذ إقليمي جديد: دخول باكستان إلى الساحة السورية يفتح أمامها بوابة نفوذ في قلب المشرق العربي، ويمنحها أوراقًا تفاوضية على طاولة الإقليم، في وقت تتراجع فيه بعض القوى التقليدية.

ثانيًا: العلاقات بين باكستان وإسرائيل
رغم غياب علاقات دبلوماسية رسمية بين باكستان وإسرائيل، إلا أن العلاقة بين البلدين تتسم بالحذر والتوجس المتبادل. باكستان، التي تأسست كدولة إسلامية، ظلت تاريخيًا من أشد المناصرين للقضية الفلسطينية، ورفضت الاعتراف بإسرائيل حتى اليوم. ويمثل هذا الموقف أحد أعمدة السياسة الخارجية الباكستانية التي تنسجم مع توجهات الشارع الإسلامي الباكستاني.

ومع تصاعد التوتر في الشرق الأوسط، تنظر إسرائيل بقلق إلى أي تقارب بين باكستان ومحور المقاومة، أو تحركات عسكرية باكستانية محتملة في سوريا، إذ تعتبر الجيش الباكستاني من أقوى الجيوش الإسلامية غير العربية، وقادرًا على تغيير موازين القوة إذا ما تدخل في أي نزاع إقليمي.

من هنا، فإن أي خطوة باكستانية تجاه دعم دمشق، أو حتى تشكيل شراكة عسكرية مع تركيا أو إيران، ستثير حفيظة إسرائيل، وتدفعها لإعادة حساباتها الأمنية في الجولان وجنوب سوريا.

ثالثًا: العلاقة الثلاثية — باكستان، تركيا، وإيران
1. العلاقات العسكرية والأمنية بين باكستان وتركيا:
🔹تحالف إستراتيجي يتجاوز الشكليات، ويتجلى في تدريبات عسكرية مشتركة، وتبادل تقني دفاعي متسارع.

🔹باكستان شريك في تطوير الصناعات الدفاعية التركية، وتركيا تزوّد باكستان بمسيّرات وأنظمة حرب إلكترونية.

🔹يتفق الطرفان على أهمية "الأمن الإقليمي الإسلامي"، ويعملان على موازنة النفوذ الغربي والإيراني في المنطقة.

🔹باكستان منسجمة أمنيًا مع الموقف التركي من المسألة الكردية، وقد صنفت سابقًا حزب العمال الكردستاني (PKK) كمنظمة إرهابية، مما يجعلها، إن تدخلت عسكريًا، تميل تلقائيًا إلى موقف لا يرضي الأكراد.

2. العلاقات العسكرية بين باكستان وإيران:
🔹تعاون استخباراتي وعسكري على الحدود، رغم وجود احتكاكات متكررة.
🔹الحوار الأمني بين الحرس الثوري الإيراني والجيش الباكستاني يخفف من احتمالات التصعيد.
🔹طهران تراقب باهتمام أي خطوة باكستانية نحو سوريا، لكنها تميل إلى احتوائها عبر التفاهمات وليس المواجهة.

رابعًا: لماذا تخشى إسرائيل من تدخل باكستاني؟
1. باكستان دولة إسلامية نووية وصاحبة جيش خبير لا تربطه بإسرائيل علاقات دبلوماسية.

2. تمركز قوات باكستانية في الجنوب السوري يضعها على تماس مباشر مع الجولان المحتل، ويهدد بإعادة رسم توازن القوى في المنطقة.

3. إسرائيل تخشى أن يشكل التدخل الباكستاني غطاءً لإعادة بناء الجيش السوري بمساعدة دولة مسلمة صديقة لتركيا، وهو ما يُضعف مكانتها الإستراتيجية.

خامسًا: الآثار المحتملة لتدخل باكستاني في سوريا
1. تعزيز استقرار الجنوب السوري، وقد يقلق واشنطن، لكن تل أبيب تخشى المواجهة المباشرة مع باكستان.

2. منع التقسيم وخلق توازن عسكري، مما يخلق توترات مع قسد شمال سوريا، لكن قسد تخشى من دولة إسلامية نووية مثل باكستان.

الخلاصة: هل تفعلها باكستان؟
باكستان ليست دولة مغامِرة، لكنها تدرك أن التغييرات في الشرق الأوسط تخلق فرصًا نادرة لإعادة تعريف أدوار اللاعبين الكبار. تدخل عسكري باكستاني في سوريا، حتى لو كان رمزيًا، قد يكون خطوة أولى لتثبيت حضور جديد في معادلة المنطقة، يُحسب لها حساب في تل أبيب، وأنقرة، وطهران، وجنوب وشمال سوريا على السواء.

قد لا تكون باكستان طرفًا مباشرًا في صراع سوريا، لكنها قد تصبح قريبًا طرفًا مباشرًا في رسم خريطة نهايته.

انتهى
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 17-يوليو-2025 الساعة: 07:17 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://sanaanews.net/news-103837.htm