صنعاء نيوز/ بقلم: د. غسان شحرور -
حين يلتقي الفكر النبيل بالالتزام الإنساني والثقافي، تجد نفسك أمام شخصية استثنائية كالدكتور كمال أحمد الخالدي، الذي شكّل، عبر عقود من العمل والعطاء، نموذجًا للمثقف العربي الفلسطيني، الحامل لقضيته في قلبه وعقله، والساعي بجدٍّ لتجسيدها علميًا ومجتمعيًا.
وُلد الدكتور الخالدي في مدينة حيفا عام 1936، مدينة الثقافة العربية في ذلك الوقت كما وصفها في كتابه، وفيها بدأ مسيرته التعليمية، التي تنقّلت بعد النكبة بين الناصرة وصيدا ودمشق، حتى نال الشهادة الثانوية السورية عام 1957. تابع دراسته الجامعية في القاهرة، فنال إجازة في علم الاجتماع من جامعة عين شمس عام 1962، تلتها شهادة البكالوريوس في الخدمة الاجتماعية من المعهد العالي للخدمة الاجتماعية عام 1963. واصل دراسته العليا في جامعة دمشق، حيث حصل على الماجستير والدكتوراه في علم الاجتماع بمرتبة الشرف الأولى، وكان موضوع أطروحته:
“الصهيونية وفكرة الدولة ثنائية القومية في فلسطين”، وهي من أوائل الدراسات العربية الحقوقية التي تناولت هذا الموضوع المعقد بمقاربة علمية نقدية.
بدأ الدكتور الخالدي مسيرته المهنية أستاذًا في المعهد العالي للخدمة الاجتماعية بجامعة دمشق (1963–1967)، ثم انخرط في العمل التنموي والاجتماعي في المؤسسة العامة لسد الفرات في سورية، حيث شغل منصب نائب المدير العام لمشروع حوض الفرات في القطاع الاجتماعي (1968–1972).
إلى جانب عمله الأكاديمي والميداني، نشط في الساحة الثقافية والاجتماعية والسياسية، فانتُخب رئيسًا لاتحاد الكُتّاب والصحفيين الفلسطينيين في سورية (1980–1987). وكتب مئات المقالات في الصحافة السورية والفلسطينية واللبنانية، وأنجز عشرات الدراسات والتقارير في الشؤون الثقافية والاجتماعية والسياسية.
من أبرز مؤلفاته:
-الأرض في الفكر الاجتماعي الصهيوني (1948–1973)
-الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: إلى أين؟ منظور ثقافي – قدّم له المفكر الدكتور جلال صادق العظم
-حيفا البداية وفلسطين المستقر، وهو كتاب توثيقي تأملي صدر عن دار الرواد في بيروت عام 2000، ألفه رغم تطور كف البصر لديه.
تعرفتُ إلى الدكتور الخالدي من خلال العديد من الفعاليات الاجتماعية والثقافية والإنسانية في سورية، ثم انضم لاحقاً إلى الهيئة الفلسطينية للأشخاص المعوقين، وهي هيئة تطوعية كنت أشرف عليها، وقد أسهم بفعالية في محطات مهمة من برامج التوعية والتمكين. ومن أبرز مشاركاته:
-المشاركة في دورات تدريبية لمشرفات رياض الأطفال في المخيمات الفلسطينية حول الكشف المبكر عن الإعاقة وسبل التأهيل والدمج.
-تقديم محاضرة في ندوة حول تكنولوجيا المعلومات والإعاقة، في المركز الثقافي العربي بدمشق، عرض فيها تجربته الشخصية كشخص مكفوف، خاصة بعد انتقاله إلى الولايات المتحدة.
-تمثيل الهيئة في ندوة لجنة الشيخوخة بالأمم المتحدة – نيويورك، عام 2005، بمناسبة اليوم العالمي لكبار السن وحقوقهم.
-المشاركة بمحاضرة حول إشارة المرور الصوتية للمكفوفين بدمشق عام 2011، بالتعاون مع محافظة دمشق وإدارة المرور.
-المشاركة في دورات ميدانية في مخيم درعا للاجئين عام 2010 حول برامج التعرف والتنقل للمكفوفين وذويهم.
كان حضوره في هذه الفعاليات فاعلًا ومميزًا، ولمستُ عن قرب إخلاصه وتواضعه وسعة أفقه، وحرصه على التواجد في الفعاليات الثقافية والإنسانية، وبناء جسور المحبة والتواصل بين أبناء المجتمع الفلسطيني والعربي، لا سيما فئة المثقفين. هذا، ولا زلت أذكر، منذ أسابيع فقط، كيف غادر سريره في المستشفى ليحضر ندوة إطلاق كتاب علمي لصديق له، ففاجأ إصراره هذا الحضور، ونال تقديرهم.
كما تعرفتُ إلى أفراد أسرته الكريمة، ولا سيما زوجته الدكتورة خيرية الحريري، التي قدّمت خدمات صحية جليلة لأبناء المجتمع من خلال عيادتها الخاصة. أما أبنه وبناته، فقد بادلوه حبًا بحب، وعطاءً بعطاء، وهم يشاركون بفعالية متميزة في خدمة المجتمع في مختلف أماكن تواجدهم، ويشكّلون نموذجًا حيًّا للأسرة الفلسطينية المنتمية والفاعلة.
ظلّ الدكتور كمال الخالدي وفيًا لفلسطين التي لم تغادره، حريصًا على أن يكون علم الاجتماع أداة لفهم الواقع وتغييره، وعلى أن تكون الكلمة موقفًا والمعرفة التزامًا.
نعم، هو من أولئك القلائل الذين يَسكنون الذاكرة لا بما قيل عنهم، بل بما تركوه من أثر حيّ وقيم راسخة.
*"عرفتهم": زاوية ثقافية دورية يكتبها د غسان شحرور.
مرفق صورة للدكتور كمال الخالدي
```
P Please consider the environment before any printing
|