صنعاء نيوز - رغم السمعة العالمية الطيبة التي تحظى بها السويد من حيث العدالة الاجتماعية، الرعاية الصحية، التعليم المجاني، والمساواة بين الجنسين

الثلاثاء, 05-أغسطس-2025
صنعاء نيوز/إيهاب مقبل -



رغم السمعة العالمية الطيبة التي تحظى بها السويد من حيث العدالة الاجتماعية، الرعاية الصحية، التعليم المجاني، والمساواة بين الجنسين، فإن واقع الهجرة إليها ليس بهذه البساطة، خاصة بالنسبة للعرب والمسلمين.

ففي حين يجد البعض فيها فرصة لبداية جديدة، يرى آخرون أنها بيئة بعيدة تمامًا عن القيم الدينية والثقافية التي نشأوا عليها.

في هذا المقال، 10 أسباب واقعية ومنطقية تجعل بعض العرب أو المسلمين يرفضون أو يترددون في الهجرة إلى السويد:

1. الانفتاح الاجتماعي المبالغ فيه: السويد من أكثر الدول تحررًا في العالم، خاصة في ما يتعلق بالجنس والعلاقات. في المجتمع السويدي، المساكنة دون زواج أمر طبيعي جدًا، والمثلية الجنسية ليست فقط مقبولة، بل يتم الاحتفاء بها بشكل رسمي، كما في "أسبوع الفخر" الذي يُنظم سنويًا في كل المدن الكبرى، وتُشارك فيه حتى المؤسسات الحكومية. وبصورة أوضح، لا يوجد "نظام أسري" في السويد، فكل شيء قائم على "نظام الفردانية"، فمثلا يوفر القانون السويدي الحماية للزوجة باقامة علاقة جنسية مع رجل غريب، ولا يوجد فيه أية إشارة إلى الخيانة الزوجية.

مثال عملي: امرأة لبنانية محجبة تقول إنها صُدمت عندما رأت طلابًا في مدرسة ابنتها يحتفلون بـ"يوم الفخر"، وكانت ابنتها الوحيدة التي لم تشارك، ما جعلها عرضة للتنمر.

2. تدخل الدولة في تربية الأطفال (السوسيال): القانون السويدي يمنع أي شكل من أشكال العقاب الجسدي أو النفسي للأطفال. ويمكن للمدرسة أو حتى الجيران الإبلاغ عن "سوء معاملة"، ما يؤدي إلى سحب الطفل من والديه مؤقتًا أو دائمًا عبر مؤسسة "السوسيال".

مثال عملي: عائلة عراقية تم سحب أطفالها الثلاثة بسبب "الاستخدام المفرط للسلطة الأبوية"، بعدما اشتكى أحد الأطفال أن والده لا يسمح له بالخروج مساءً مع الأصدقاء.

3. العلمانية المطلقة: السويد دولة علمانية بشكل صارم. لا مكان للدين في السياسات العامة أو التعليم. لا تُعترف بالأعياد الإسلامية كعطل رسمية، ولا يُسمح للأذان في أغلب المساجد باستخدام مكبرات الصوت، إلا بتصاريح نادرة.

مثال عملي : أحد الأئمة في مدينة "أوبسالا" اشتكى من أن المجلس البلدي رفض السماح للمسجد برفع الأذان مرة واحدة في الأسبوع، رغم السماح للكنائس باستخدام الأجراس بحرية.

4. محدودية المساجد والمدارس الإسلامية خارج المدن الكبرى: في مدن مثل ستوكهولم أو مالمو، يمكن العثور على مساجد ومدارس إسلامية رغم قلة عددها، لكن في القرى أو البلدات الصغيرة، الأمر شبه معدوم. هذا يُصعّب ممارسة الشعائر أو توفير تعليم ديني للأطفال.

مثال عملي: عائلة فلسطينية في بلدة صغيرة لا تستطيع إرسال أطفالها لتعليم القرآن أو اللغة العربية بسبب بُعد أقرب مركز إسلامي مسافة ساعة بالسيارة.

5. صعوبة بناء حياة اجتماعية: المجتمع السويدي معروف بالبرود والعزلة. السويدي لا يرحّب بالحديث مع الغرباء، ولا يفضل دعوة الناس للمنزل. العلاقات غالبًا سطحية، ولا تتطور بسهولة.

مثال عملي: رجل سوري يقيم في السويد منذ 7 سنوات قال إنه لم يتلقَ دعوة عشاء واحدة من زميل سويدي، رغم علاقات العمل اليومية.

6. العنصرية المقنّعة في سوق العمل: رغم القوانين الصارمة ضد التمييز، إلا أن الأسماء العربية أو الحجاب أو المظهر "غير الأوروبي" يؤدي إلى تهميش المهاجرين في سوق العمل.

مثال عملي: دراسة سويدية أُجريت عام 2022 أظهرت أن الأشخاص الذين يحملون أسماء عربية مثل "أحمد ومحمد ومحمود وعمر وعلي" يضطرون لإرسال ضعف عدد الطلبات للحصول على مقابلة عمل مقارنة بأصحاب الأسماء السويدية.

7. محتوى تعليمي يخالف القيم الدينية: المدارس تُدرّس التربية الجنسية بدءًا من المرحلة الابتدائية، بما يشمل شرح العلاقات المثلية، وأنواع الهويات الجنسية المختلفة، مثل "اللاجندر" و"الترانس".

مثال عملي: والد مغربي احتج على قيام المدرسة بشرح موضوع "التحول الجنسي" لطفلته البالغة من العمر 10 سنوات دون علمه، وتم تهديده بإبلاغ السوسيال بتهمة "تقييد حرية الطفل".

8. انتشار الكحول والمخدرات: رغم أن بيع الكحول منظم من خلال متاجر خاصة، إلا أنه منتشر بشكل واسع، وكذلك الحال بالنسبة للمخدرات الخفيفة. الثقافة المجتمعية تشجّع تناول الكحول في المناسبات وحتى في العائلة كجزء من الاندماج في المجتمع.

مثال عملي: مراهق يمني تعرّض للضغط في حفل مع أصدقائه لتجربة الكحول، وحين رفض، أصبح موضع سخرية بين زملائه.

9. الضرائب المرتفعة وتكاليف المعيشة: الضرائب في السويد من الأعلى في أوروبا، وقد تصل إلى 50% من الدخل. رغم توفر الخدمات، إلا أن ارتفاع الأسعار يرهق كثيرًا من الأسر، خصوصًا ذات الدخل المحدود.

مثال عملي: أسرة صومالية مكونة من 5 أفراد تعيش في ضواحي ستوكهولم، تضطر لتقنين التدفئة والطعام بسبب ارتفاع الإيجارات وفواتير الكهرباء رغم عمل الأب والأم بدوام كامل.

10. الشعور الدائم بالغربة وعدم الانتماء: رغم الإقامة الطويلة، لا يشعر كثير من العرب والمسلمين أنهم "جزء من المجتمع". يُعاملون كغرباء في الإعلام، وأحيانًا من الجيران، ويُنظر إليهم كـ"مهاجرين" حتى بعد الحصول على الجنسية السويدية.

مثال عملي: امرأة تونسية حاصلة على الجنسية السويدية منذ 10 سنوات تقول: "أشعر أنني أجنبية هنا وأجنبية في بلدي الأصلي... لا أنتمي لأي مكان".

خاتمة
ليست السويد جنة ولا جحيمًا، إنها ببساطة دولة ذات قيم ومجتمع مختلف جذريًا. قد يجد فيها البعض فرصة للنمو، الحرية، والاستقرار، بينما يشعر آخرون فيها بالضياع والاغتراب. فالهجرة إلى السويد ليست مجرد "رحلة جوية" من بلد عربي إلى أوروبا الشمالية، بل هي قفزة زمنية ضخمة.

المشكلة الحقيقية ليست في المسافة بين الشرق والغرب، بل في المسافة الزمنية بيننا وبينهم.

في السويد، تعيش في مجتمع سبقنا بعقود أو حتى قرون في بعض القضايا، سواء أتفقنا معهم أم لا: المساواة الجندرية، حقوق الفرد، الحرية الجنسية، العلمانية، نظم التعليم، علاقة الدولة بالدين، مفهوم الأسرة، وحتى فلسفة الحياة اليومية. هذا يعني بكل بساطة بإن عليك أن تكون منزوع الشرف في البلاد، بل وهناك قوانين سويدية صريحة لمحاربة ثقافة الشرف!

هذه الفجوة الزمنية تجعل كثيرًا من المهاجرين يشعرون أنهم يعيشون في زمن ليس زمنهم، وثقافة ليست لهم، مهما تعلموا اللغة أو حصلوا على الجنسية.

لهذا السبب، فإن الهجرة إلى السويد يجب ألا تكون فقط قرارًا اقتصاديًا أو هروبا من واقع عربي صعب، بل قرارًا فكريًا وثقافيًا ونفسيًا بالدرجة الأولى.

فإما أن تكون مستعدًا لعبور هذا الزمن... أو ستبقى هناك، جسدك في السويد، وروحك في وطن لم يعد كما تركته.

انتهى
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 05-أغسطس-2025 الساعة: 08:35 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://sanaanews.net/news-104136.htm