صنعاء نيوز - 
كل وصفة طبية لا تكتمل إلا بيد صيدلي، وكل علاج لا يصل إلى المريض إلا عبر عينيه الساهرتين.

ومع ذلك، كم مرة التفتنا لنقدّر هذا الجندي المجهول في معركة الصحة؟

الخميس, 28-أغسطس-2025
صنعاء نيوز/بقلم د. غسان شحرور -









كل وصفة طبية لا تكتمل إلا بيد صيدلي، وكل علاج لا يصل إلى المريض إلا عبر عينيه الساهرتين.

ومع ذلك، كم مرة التفتنا لنقدّر هذا الجندي المجهول في معركة الصحة؟

في الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر، يحتفل العالم باليوم العالمي للصيادلة، تحت شعار:

“كلما فكّرتَ بالصحة، فكّر بالصيدلي”

“Think Health, Think Pharmacist”

الرسالة واضحة: الصيدلي ليس مجرد موزّع للأدوية، بل شريك أساسي في بناء أنظمة صحية أكثر أمانًا واستدامة.

فهو من قدّم اللقاحات في زمن الجائحة، وضبط وصفات الدواء، وعزّز الوعي الصحي في القرى والمدن، ووقف إلى جانب الإنسان حين كان العالم مرتبكًا أمام كوفيد-19.

وها هو اليوم في مواجهة تحديات مقاومة المضادات الحيوية والتغير المناخي، وشيخوخة المجتمع، والتثقيف والرصد الدوائي، يثبت أن مهنته أوسع من جدران الصيدلية.



الأرقام تؤكد الصورة: الاتحاد الدولي للصيادلة يمثّل أكثر من أربعة ملايين ممارس عبر 158 منظمة وطنية، وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى فجوة واضحة؛ إذ تضم الدول ذات الدخل المرتفع 12.1 صيدليًا لكل 10,000 نسمة، مقابل 3.8 فقط في الدول النامية.

ورغم هذا الدور الحيوي، ما زالت المهنة تواجه تحديات عديدة: نقص الكوادر، الضغوط المالية، توظيف غير المؤهلين، التطوير المهني، والصحة الإلكترونية. لكنها في الوقت نفسه تحمل فرصة ثمينة لإعادة النظر في الاستثمار في الصيدلي باعتباره استثمارًا في صحة المجتمع وسلامته.

لقد تطورت المهنة من مجرد صرف أدوية إلى تخصصات دقيقة: الصيدلة السريرية، علاج الأورام، المعلوماتية الطبية، البحث الطبي والتعليم الصيدلاني، والأمن الدوائي، الدواء والشيخوخة أوحالات الإعاقة وغيرها… لتصبح الصيدلة اليوم أكثر من أي وقت مضى شريكًا في التشخيص والوقاية، والنهوض بصحة المجتمع، لا مجرد منفّذ لوصفة طبية.

لقد قضيت مع زملائي الصيادلة وقتًا طويلاً على مقاعد الدراسة، ثم عملنا جنبًا إلى جنب في المراكز الصحية التخصصية، وفي المستشفيات العامة والخاصة. كما اجتمعنا كثيرًا في الندوات والمؤتمرات، العربية والدولية، ولا أنسى زميلي الصيدلاني “ياسر نور الدين” الذي فقد حياته في مواجهة كوفيد-19 وغيره

ومن هذا المنطلق، كثيرًا ما كتبت عن تمكين الصيادلة العرب وتعزيز دورهم المنشود في مجتمعاتنا، لأؤكد أن حضورهم الفعلي في السياسات الصحية ليس خيارًا، بل ضرورة لضمان صحة الإنسان والمجتمع.

أما في عالمنا العربي، فما زال الدور الفعلي للصيادلة دون المستوى الذي يليق بإمكاناتهم، كما هو الحال في البلدان المتطورة. الحاجة ملحّة لإشراكهم أكثر في صياغة السياسات الصحية، وتعزيز مكانة نقاباتهم ومنظماتهم، كي يسهموا في تحقيق التغطية الصحية الشاملة للجميع وفي كل مكان.

إننا حين نتأمل الإرث الحضاري، ندرك أن الصيدلي العربي كان دومًا حاملًا لرسالة الشفاء، من خزائن بغداد إلى صيدليات قرطبة. وفي عصرنا الحديث، تدعم مسيرته مؤسسات راسخة ذات تاريخ كبير، كاتحاد الصيادلة العرب ومجلس وزراء الصحة العرب.

لهذا، أجدّد الدعوة إلى اعتماد أسبوع عربي للصيادلة، يكون منصة علمية ومهنية وإعلامية لتكريم الرواد، عرض إنجازات النقابات، والتحديات التي تواجهها في التعليم الصيدلاني والأمن الدوائي، وتبادل الخبرات بين الأجيال لتعزيز دور ومكانة الصيادلة العرب.



إنها فرصة لترسيخ حضور الصيدلي العربي أكثر في السياسات الصحية، والإعلام المجتمعي، وتأكيد استعداده ليكون جزءًا من الحل الذي ينشده المجتمع في كل مكان.

اليوم العالمي للصيادلة يذكّرنا بأن الوصول إلى دواء آمن وفعّال حق للجميع، وأن هذا الحق يبدأ من دعم الصيدلي وتمكينه.

فلنحوّل المناسبة من مجرد احتفال عالمي إلى انطلاقة عربية راسخة، تعيد للصيدلي مكانته كحارس للصحة ورفيق للأمل.

نعم، إن تمكين الصيدلي يجعل الرعاية الصحية شاملة ودامجة، ويحوّل شعار ‘الصحة للجميع في كل مكان وزمان’ من حلم إلى واقع.


* د غسان شحرور، طبيب وكاتب وباحث.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 28-أغسطس-2025 الساعة: 11:19 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://sanaanews.net/news-104465.htm