صنعاء نيوز - ‏تخيل المشهد، يذهب ناخبٌ الى صندوق الاقتراع، لا ليحمل معه شعوراً بإنجاز الواجب، بل ليُساوم على ورقة صوته التي تُعد أمانة، "صوتٌ للبيع!"

الثلاثاء, 30-سبتمبر-2025
صنعاء نيوز/محمد النصراوي -








‏تخيل المشهد، يذهب ناخبٌ الى صندوق الاقتراع، لا ليحمل معه شعوراً بإنجاز الواجب، بل ليُساوم على ورقة صوته التي تُعد أمانة، "صوتٌ للبيع!" رغم أن الأغلبية الساحقة من العراقيين تُدرك القيمة الحقيقية لصوتها وتُمارس حقها بضميرٍ وطني، تبقى هذه الصورة، وإن كانت تمثل شريحةً صغيرة، تمثل مأزقاً أخلاقياً وسياسياً يجب التصدي له، إنها محاولة تحويل الحق السياسي المقدس - الذي هو جوهر الديمقراطية - إلى سلعةٍ تُساوَم وتُشترى على أرصفة الانتخابات، هذا التساؤل ليس مجرد تأمل؛ إنه بداية تشخيصٍ عميق لخطرٍ يهدد مسيرة وطننا الديمقراطية، ويهدف إلى تقويض ثقة الناس بالعملية السياسية.

‏إن محاولات شراء الأصوات ليست مجرد أفعالٍ فردية، بل هي نتاج استغلالٍ لجذورٍ اقتصادية وسياسية يمكن معالجتها، ففي بعض المناطق، قد يُستغل الاحتياج الاقتصادي لبعض الشرائح لدفعهم إلى التخلي عن حقهم الانتخابي مقابل منفعةٍ زائلة، هذا الاستغلال يقابله حالةٌ من فقدان الثقة التي يمكن أن تسيطر على البعض، لا سيما بعد دوراتٍ انتخابية لم يلمس فيها المواطن التغيير المأمول، قد يتولد لدى البعض شعورٌ خاطئ بأن صوته "لا يغير شيئًا"، فيتم استغلال هذا اليأس لدفعهم إلى التعامل مع هذا الحق كبضاعةٍ يمكن التضحية بها لإنقاذ اليوم بدلاً من الاستثمار في المستقبل.

‏إن خطورة هذا المسلك تكمن في تداعياته العميقة على الديمقراطية، فالنتيجة المباشرة هي محاولة تحويل البرلمان إلى سوق صفقاتٍ بدلاً من أن يكون بيتاً حقيقياً لتمثيل الشعب، عندما يعتمد السياسي في الوصول إلى البرلمان على المال المدفوع بدلاً من البرنامج الانتخابي، فإنه يصبح مديناً للمُمول وليس للجمهور، كما أن قبول هذا المسلك يعمل على تعطيل فكرة "العقد الاجتماعي" بين الناخب والمنتخب؛ إذ تنتهي المسؤولية بمجرد قبض المبلغ، وتُلغى معه قدرة الناخب على المساءلة أو المحاسبة، هذا يكرس هيمنة القوى التي تمتلك التمويل الأكبر ويغلق الباب أمام الكفاءات النزيهة التي تفتقر للمال السياسي او التي تتنزه عن هكذا افعال.

‏هنا، يبرز واجب المواطن في استعادة "وعي القيمة"، عندما يُدرك الناخب أن صوته هو القوة الوحيدة التي يمتلكها لتغيير واقعه، فإنه يتحصن ضد كل إغراء، إن بيع الصوت ليس فقط بيعاً للمستقبل، بل هو اعترافٌ ضمني بالهزيمة والتنازل عن دور "المواطن" ليصبح "زبوناً" سياسياً، وهذا ما يجب أن نرفضه جميعاً، يجب علينا غرس ثقافةٍ لدى الجيل الجديد من الناخبين مفادها أن الإجراء الانتخابي هو مرادفٌ للمسؤولية الوطنية وليست صفقةً مادية رخيصة، لقد عانت دولٌ أخرى من محاولات شراء الأصوات، لكن التجارب الناجحة أثبتت أن الحل يكمن في بناء مؤسساتٍ قوية تمنع الظاهرة، وتعزيز استقلال القضاء وشفافية تمويل الحملات، والأهم من هذا كله، اليقظة الشعبية، إن الديمقراطية لا تقوم على مجرد صناديق اقتراع، بل على إيمان المواطن بقيمة مشاركته.

‏نعود إلى البداية: "صوتٌ للبيع" فهل يمكن أن تنجح مسيرتنا الديمقراطية في ظل هذه التحديات؟ نعم، فالإجابة تكمن في المشاركة الواعية والنزيهة، إن قوة العراق تكمن في الأغلبية الصامتة والواعية التي ترفض المساومة على مبادئها، فهل سنستمر في إحكام قبضتنا على أصواتنا، ونتخلى عن وهم "اليأس" لنُطلق رصاصة الرحمة على "السوق السياسي" ونبني وطناً قوياً؟ إن المستقبل مرهون بهذه اليقظة وهذا الإيمان بقيمة الضمير الوطني.

تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 30-سبتمبر-2025 الساعة: 08:56 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://sanaanews.net/news-104928.htm