صنعاء نيوز - 

  كان يبدو في لباس وهندام جيدين، دَفُه الذي يعلقه على كتفه الايسر لم يكن يفارقه، اما نظارته الانيقة السوداء فهي الاخرى لم تكن تخفي السعادة التي تملأ وجهه..

الأحد, 12-أكتوبر-2025
صنعاء نيوز/د. عبدالوهاب الروحاني حاني -



كان يبدو في لباس وهندام جيدين، دَفُه الذي يعلقه على كتفه الايسر لم يكن يفارقه، اما نظارته الانيقة السوداء فهي الاخرى لم تكن تخفي السعادة التي تملأ وجهه..

كنت اراه بين الثالثة والرابعة عصرا من كل يوم (تقريبا) يسير بصحبة احد ابناء اخيه في مداخل ميدان اللقية، المؤدية غربا إلى سوق الملح وجنوبا باتجاه باب السلام، او شمالا باتجاه قبة البكيرية وحي المدرسة.. ربما كان يسكن في ذلك الحي المجاور لمدرستنا.

لم اعرف محمد البصير شخصيا، لكني عرفته عبر ابن أخيه محمد الرخمي زميلي الذي كنا ندرس معا في الرابع الابتدائي، كان يقول ان عمه الفنان البصير يحفظ القرآن ويجيد تجويده بقراءات مختلفة ( وكلانا لم يكن يدري معنى قراءات مختلفة)، من هنا (ربما) استدرج للفن واللًحن والغناء ..

محمد البصير (رحمه الله) فنان ذاع اسمه منذ عقد الستينات، كان معروفا في صنعاء وربما في كل اليمن، فقد انتشرت شهرته باغنيته الوطنية الشهيرة (جمهورية ومن قرح يقرح)، التي كان يؤديها بلحن بسيط لكنه جذاب ومؤثر.. يقول مطلعها:

يا الله يا من لنا تفتح
والرزق مطلوب سِهّالِه
جمهورية ومن قرح يقرح
والشعب عاجب بأبطاله
***
من قارب الظلم ما يربح
وأخرج من الشعب دجّاله
جمهورية ومن قرح يقرح
***
لازم نغير بها الحالة
ذي ما يبي شعبنا ينجح
قد عجل الله بزلزاله
جمهورية من قرح يقرح

الكلمات شعبية وطنية توثق للحظة تاريخية فارقة من حياة شعبنا، الذي انتفض في وجه الطغيان الامامي ومعاناته من القهر والظلم والاستبداد الذي ساد.. حيث كان احتكار السلطة والثروة والتعليم والحياة لفئات معينة من الناس.. وحيث المشهد يتكرر اليوم بتفاصيل مختلفة، وربما أشد قسوة بمقاييس الزمن وتغير الاشخاص.

الابيات المتبقية من كلمات الاغنية تؤرخ لهروب آخر حكام الائمة محمد البدر (رحمه الله) حيث تقول:

والبدر ما عاد ذي أصبح
خرج بشرشف وبركاله
يحرم على البدر يزور ابلح
يشوف صنعاء ولا صالة
جمهورية من قرح يقرح

لم يخطر ببال كاتب الكلمات ان مشهد الهروب سيتكرر بعد نصف قرن من هروب البدر وخروجه ب"الشرشف"، ولم يكن يدر ان الهروب الثاني سيكون بالعباءات والشراشف، وبالاموال المنهوبه ايضا، كان الهروب الثاني بطابور طويل.. "مجلجل" وفاضح..

تركوا الجمهورية، التي استثمروا خيراتها وراءهم، تلاحقهم لعناتها بمصيرها الجديد، وبمآلات دورات الفساد التي خاضوها خلسة وعلانية.. الوحيد الذي ناضل من اجلها وعاش ومات عليها هو الزعيم علي الله صالح رحمة الله تغشاه، وقلة من رجالات الدولة الذين ظلوا على عهدهم بها..

الملفت ان الهاربين رغم ربكة الهروب الجديد المشحون بتيار الخوف على "المال والبنون" لم ينسوا اصطحاب اشرطة "جمهورية ومن قرح يقرح"، ولم ينسوا النشيد الوطني الذي رسم حروفه ولحنه وغناه المناضلين الوطنيين ثنائي الحرف والنغم عبدالله عبدالوهاب نعمان (الفضول) وايوب طارش، لا لتيحيي فيهم روح الولاء والانتماء الوطني، وانما ليتغنوا بهما (خفة وسذاجة) في افخم فنادق الرياض والقاهرة واستنبول وابوظبي والشعب يموت من الجوع والتشرد والفوضى .

كانت - ولا تزال- لاغنية البصير شعبية كبيرة، وتكاد تكون الاكثر انتشارا اليوم الى جانب اغاني ايوب الوطنية، لكن السؤال من كتب كلماتها؟!
الكاتب لا يزال محل خلاف، فمنهم من ينسبها للمناضل أحمد عبدربه العواضي، ومنهم من ينسبها لشاعر مأربي اسمه عبدالله خميس عطية.

والمهم نحن جمهورية سيطر عليها اللصوص والمفسدون واضاعها البياعون و"جمهورية ومن قرح يقرح".
د. عبدالوهاب الروحاني https://www.facebook.com/share/p/1WmnDkA8U1/
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 12-أكتوبر-2025 الساعة: 11:08 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://sanaanews.net/news-105120.htm