صنعاء نيوز - 
تشكل مسألة توزيع عائدات النفط في العراق أحد أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا في المشهد السياسي والاقتصادي للبلاد. منذ الاحتلال الامريكي للعراق

الإثنين, 27-أكتوبر-2025
صنعاء نيوز/إيهاب مقبل -



تشكل مسألة توزيع عائدات النفط في العراق أحد أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا في المشهد السياسي والاقتصادي للبلاد. منذ الاحتلال الامريكي للعراق في العام 2003، أصبح لإقليم كردستان العراق دور في إدارة نفطه الخاص، إضافة إلى حصته المقررة في الموازنة الاتحادية. ومنذ ذلك الحين، أثارت نسبة 17٪ من الموازنة المخصصة للإقليم، والتي يطالب البعض أن تُعكس على عائدات النفط، جدلاً واسعًا بين العراقيين، إذ يراها كثيرون غير متناسبة مع حجم السكان ومساهمتهم في إنتاج النفط.

إنتاج نفط إقليم كردستان مقارنة بإنتاج العراق
يُنتج إقليم كردستان العراق نحو 314 ألف برميل يوميًا من النفط، وفقًا للبيانات المتاحة لعام 2024، أي حوالي 7.5% من إجمالي إنتاج العراق الذي يبلغ حوالي 4.2 مليون برميل يوميًا. في عام 2023، بلغ إجمالي إنتاج النفط في الإقليم حوالي 100 مليون برميل، مقارنة بإجمالي الإنتاج العراقي الأكبر، مما يبرز أن إقليم كردستان يُنتج نسبة صغيرة مقارنة بإجمالي الإنتاج الوطني.

التورط الأمريكي في دعم الإقليم الكردي
التورط الأمريكي في مسألة توزيع عائدات النفط وإقرار نسبة 17٪ لإقليم كردستان العراق يأتي من السياق السياسي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003:

1. واشنطن أرادت كسب دعم الأكراد لضمان السيطرة على مناطق النفط الغنية.

2. خلال صياغة دستور العراق في ظل الاحتلال 2005، تم الاتفاق على توزيع الموازنة الاتحادية وفق نسبة تقديرية تعتمد على تعداد السكان: حوالي 17٪ للكرد و77٪ لبقية العراق. هناك معلومات تقول إن أمريكا الشمالية ضغطت ضمنيًا أو أيدت هذه النسبة كجزء من جهودها لتأمين ولاء الأكراد في مرحلة ما بعد الحرب، وذلك بهدف اضعاف بغداد وتأثير الجارتين تركيا وإيران في العراق.

3. استخدام الإقليم الكردي كقوة سياسية ومالية وقاعدة صليبية أمريكية موجهة ضد العراق وإيران، ما منح الأكراد نفوذا أكبر في الحكومة الاتحادية. ويبرز التناقض في أن الأمريكيين خصصوا لحصتي رئاسة جمهورية العراق ووزارة الخارجية للاكراد، بينما الإقليم يُدار تعليميًا وصحيًا وسياسيًا وعسكريًا بصورة منفصلة عن إدارة بغداد!

المبررات الاقتصادية والسياسية للنقد:
1. التفاوت السكاني مقابل الحصة المالية: وفق الإحصاءات الرسمية، يشكل سكان إقليم كردستان العراق نحو 12–15٪ من مجموع سكان العراق. إلا أن نسبة 17٪ المخصصة للإقليم من الموازنة العامة، خاصة إذا اعتبرت ضمن عائدات النفط، تُظهر تحيزًا واضحًا لصالح الإقليم مقارنة بعدد سكانه. هذا التفاوت يطرح سؤالاً أخلاقيًا واقتصاديًا: هل من العدل أن يحصل أقلية سكانية على حصة تفوق نسبتها الحقيقية؟

2. تأثير على التنمية الوطنية: العراق يعاني من تحديات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك البطالة، الفقر، ونقص الخدمات الأساسية في المحافظات الجنوبية والوسطى التي تشكل أغلبية السكان. ارتفاع حصة الإقليم الكردي من الموارد المالية يحد من قدرة الدولة على الاستثمار في البنية التحتية والخدمات العامة لبقية المناطق، ويعمّق الفوارق الاقتصادية بين المحافظات.

3. إشكالية إدارة النفط خارج المركزية: الإقليم يستثمر في النفط بشكل مستقل أحيانًا، ويبيع إنتاجه مباشرة إلى الخارج، وهو ما يؤدي إلى تدني الشفافية والمساءلة. بينما يُطالب بقية العراق بمشاركة عادلة في إدارة الموارد، يبرز التوتر حول ما إذا كان هذا التوجه يخدم الوحدة الوطنية أم الانفصال الفعلي عن المركز.

4. الإجحاف في توزيع الثروات الوطنية: النفط هو ثروة وطنية مشتركة، وليست ملكًا إقليميًا فقط. حصول الإقليم على نسبة مرتفعة من عوائد هذه الثروة يشكل إجحافًا بحق المواطنين الآخرين الذين يساهمون بشكل مباشر أو غير مباشر في الإنتاج الوطني، وخاصة في المحافظات المنتجة للنفط جنوب العراق.

5. الانعكاسات السياسية: استمرار هذه السياسة يزيد من التوتر بين بغداد وأربيل، ويعقد الجهود الرامية لإصلاح الاقتصاد الوطني وتحقيق العدالة الاجتماعية. كل زيادة أو تخصيص غير متناسب يعزز شعور الاستياء لدى غالبية العراقيين الذين يرون أن الموارد النفطية يجب أن توزع وفق معايير عادلة وشفافة.

الخلاصة
إن مسألة حصول إقليم كردستان العراق على نسبة كبيرة من عائدات النفط ليست مجرد خلاف سياسي، بل هي مسألة عدالة وطنية واقتصادية. من غير العادل أن يحصل الإقليم، الذي يمثل أقلية سكانية، على حصة تتجاوز نسبته الحقيقية، بينما يعاني باقي العراق من نقص الخدمات والفوارق الاقتصادية. الحل يتطلب قرارات عراقية شجاعة ومراجعة توزيع الموارد وفق معايير عادلة، وضمان أن تُدار الثروات الوطنية بما يخدم كل العراقيين دون استثناء أو تمييز.
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 27-أكتوبر-2025 الساعة: 12:55 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://sanaanews.net/news-105298.htm