صنعاء نيوز/ القصر الكبير : مصطفى منيغ -
الحنينُ استرسالُ ترابطِ امرئ الوثيق بينه وماضي نِتاجه الطيِّب أو غير ذلك مهيَّا لاسترجاعه عن طلبٍ وليس عن استعلاء كمن له مكانة في الوسط أو نضوة ، الحنين أنيس وَحِيدٍ سَلَّمتهُ الوحدة لمَلَلٍ ثقيل الظل فارِس اليأسِ المعبَّأ بالقنوط واستنفار الدموع وصُداع الرأس وتجمُّد التفكير في وضعية لا تتغيَّر محسوبة على الشديدة الضراوة ، الحنين عودة للوراء للتفرُّجِ عما كان مصدر افتخارٍ لن يتكرَّر لصاحبه حيث انتهَى به ومعه إلى آخر المشوار دون تحقيق أي شيء يُذكَر سوى النجاة من الوقوع في أعمق هُوَّة ، الحنين سلطان الخيال للمتعوِّد على الانبطاح لمراسيم سادة له معهم الطاعة دون استفادة متَى غابوا تركوه دون قيادة تتقاذفه أرجل بلا هوادة فيُصاب مِن تلقاء نفسه بداء اللقوة ، الحنين واقع سابح بنسخته الوحيدة لكل حَدَثٍ على حِدة عبر ذرات المخ الباقية حيث بقيت ولو برحيل صاحبها لتكون الدليل عليه حيث انتهى لنعيم أو عذاب متجدِّد أليم مُخْتَرَق كله بسُرْوَة .
... قد تكون القصر الكبير المدينة الأكثر تحمُّلاً لعوامل مختلفة منها الشعور بتركها ومَن فيها منعزلة عن اهتمام السلطات المركزية المغربية ومن زمان ، وازداد مثل التصرُّف الغريب أثناء احتلالها من طرف الإسبان ، تأخذ منها الصبر وتُصدِّر لها عدم الاكتراث ، تصل لعاية "عرباوة" وتقفز عائدة للعاصمة الرباط ، هناك في القصر الكبير نفسها مَن أدركَ ليس السبب وحسب ، بل عمق أعماق هذا السبب ، المتَّصل أساساً بالعقلية السائدة الجاعلة من أبناء هذا البلد العريق الأصيل غير منحنين لاي جهة ما لم تعامل التعايش معهم الند للند ، عارفين بواجباتهم تجاه أي مجال محلياً كان أو وطنيا ، إن تمتعوا بحقوقهم كاملة من طرف الدولة ، لكن الأخيرة اتبعت موقفاً لولا حكمة القصريين وتشبثهم بوطنيتهم لسببوا لها من القلاقل الشيء الكثير ، والفضل في تربيتهم الدينية علي يد فقهاء صلحاء شاع صيتهم العلمي في كل الأرجاء ، القصر الكبير مليئة بأضرحتهم الموقرة التي حافظ القصريون عبر العصور عليها مهابة كما كان أصخابها الأجلاء ، وانطلاقا من هذا المفهوم طالما كتبت وبلغات عدة " أن القصري قصري يبقَى ولو استوطن مثلى استراليا " ، هناك حنين لا تفتر رحلات السفر بينه وعقل أي منتسب صاحبه لهذه المدينة الفريدة ، حيث التعايش مضمون بين معتنقي المِلل الثلاث ، وحتى ما بين الإنس والجن ، حيث للجنس الأخير أمكنة معينة لهم فيها مقام عمَّروه منذ الآف السنين .
الاحتلال الاسباني فكر مِن اول وهلة ملأ فراغ التفاهم المسيطر كان بين المدينة والسلطات المغربية الرسمية المركزية ، لكنه أُبعْدَ عن شأن لن يرضَى أي قصري أن يُحَلَّ بواسطة مُحتلّ منبوذ ، مستمرة بأبطالها حفدة شهداء معركة وادي المخازن ، بهدف طرد هذا الدخيل الذي لولا ضعف تلك السلطة المغربية المركزية لما عرفته هذه المدينة الشريفة ، وما دنَّس طهارة تربتها بالمشي فوقها متباهياً بنصر لا طعم له ولا رائحة ، أتَى به ظرف لن يطولَ لتعود الأمور لمصيرها بيد القصريين بمشيئة الرحمان ، وإصرارهم على أخذ حقهم اعتمادا على النفس .
مصطفى منيغ
سفير السلام العالمي
مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا
[email protected]