صنعاء نيوز - الموت والبطولة في صمت: أسرار دفن جمجوم وحجازي والزير في سجن عكا


في صيف فلسطين عام 1929، عندما اشتعلت الأرض تحت أقدام أهلها

السبت, 08-نوفمبر-2025
صنعاء نيوز/ -

إيهاب مقبل

في صيف فلسطين عام 1929، عندما اشتعلت الأرض تحت أقدام أهلها، ظهر ثلاثة رجال وقفوا في وجه الاستعمار، متحدين النفوذ البريطاني والتهديدات التي كان ينذر بها الاحتلال. هؤلاء هم: محمد جمجوم، وفؤاد حجازي، وعطا الزير. لم يكونوا مجرد مشاركين في احتجاجات، بل كانوا رمزًا للشجاعة والتحدي، قادة شعبيين قاوموا الظلم وأصبحوا أيقونات لمقاومة الاحتلال.

قصتهم لم تنتهِ بالمحاكمات أو الإعدام، بل استمرت في الذاكرة الفلسطينية والعربية، حيث بقي لغز مواقع دفنهم يشعل فضول المؤرخين ويثير مشاعر الحزن والفخر في آن واحد.

الأبطال في قلب الأحداث
شهدت فلسطين صيف 1929 موجة من مقاومة الاستيطان اليهودي برعاية بريطانية، امتدت من القدس والخليل إلى صفد والمدن الأخرى. وسط هذه الثورة، برز محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير كأسماء قيادية، دافعوا عن حقوق شعبهم، وحاولوا حماية الأرض والمقدسات.

المراسلات البريطانية في ملفات Colonial Office (CO 733) تذكرهم كأبرز الفاعلين في أحداث «ثورة البراق»، حيث حملتهم سلطات الاحتلال البريطاني مسؤولية "قتل وإصابات جسيمة" في صفد والخليل. لكن بعيدًا عن الوثائق الرسمية، يروي التاريخ الشعبي أنهم وقفوا كرموز للمقاومة الشعبية المنظمة، متحدين خوف الانتداب وسلطة الاحتلال.

المحاكمات: مواجهة الظلم بشجاعة
جرى تنظيم المحاكمات في إطار محاكم الاحتلال البريطاني، حيث واجه الأبطال الثلاثة تهمًا خطيرة. لكن حتى في أروقة المحكمة، أظهروا شجاعة وصمودًا، رافضين التنازل عن مبادئهم.

كانت محاولات الاستئناف محدودة، فقد حاول الاحتلال البريطاني أن ينفذ حكم الإعدام بسرعة وبصمت، خشية أن تتحول المحاكمات إلى منصة للشهرة لهؤلاء القادة الأبطال.

الإعدام: تسابق نحو الشهادة
فجر يوم الثلاثاء 17 يونيو حزيران 1930، استيقظ سجن عكا على صمت ثقيل، لم يقطعه سوى وقع خطوات الحراس البريطانيين. في داخل الزنازين، كان محمد جمجوم، وفؤاد حجازي، وعطا الزير ينتظرون مصيرهم، بقلوب ثابتة وإيمان عميق بأنهم سيمضون شهداء من أجل فلسطين.

لكن ما ميّز لحظات الإعدام لم يكن الخوف، بل السباق نحو الموت!

تروي الروايات الشفوية من رفاق السجن أنّ الثلاثة كانوا يتسابقون ليكونوا أول من يُعدم. وعندما نادى السجّان اسم أحدهم، بادر الآخر قائلاً: "دعني أذهب بدلًا عنه".

تحوّلت غرفة الإعدام إلى ساحة بطولة صامتة، حيث لم يكن أحد يصرخ أو يجزع، بل كان كل واحد منهم يتقدّم بخطوات واثقة نحو المشنقة كمن يسير إلى نصرٍ مؤكد.

سلطات الاحتلال البريطاني دفنتهم بصمت بعيدًا عن الأنظار، لكن روحهم القوية ألهبت قلوب الفلسطينيين، وتحولوا إلى أسطورة حيّة عن الشجاعة والمقاومة، حيث الموت لم يحطم إرادتهم، بل رفعهم إلى مرتبة الأبطال.

لكن بطولاتهم تجاوزت حدود فلسطين. فبينما كانت فلسطين تقاوم الاحتلال البريطاني، كان العراق أيضًا يشهد غضب شعبي ضد المحتلين البريطانيين، خصوصًا بين العشائر العربية والنخب المُفكرة، وبرزت أواصر التواصل بين المقاومين في كلا البلدين. قصتهم اليوم ليست مجرد ذاكرة فلسطينية، بل جزء من نضال عربي مشترك ضد الاحتلال الغربي، يجمع فلسطين والعراق في رمز واحد للشجاعة والمقاومة.

لغز مكان الدفن وبحث الأجيال
رغم مرور أكثر من تسعين عامًا، لا يزال موقع دفن محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير مجهولًا. الوثائق البريطانية تشير إلى أنهم دُفنوا داخل أو قرب سجن عكا، في قبور غير معلمة. لم يُسمح بتسليم الجثث إلى العائلات، في محاولة واضحة لمنع تحوّل هذه القبور إلى رموز احتجاجية.

الباحثون والمؤرخون حاولوا على مر العقود كشف هذا اللغز. بعض الدراسات اعتمدت على الأرشيف البريطاني، بينما اعتمد آخرون على الشهادات الشفوية من الحراس والسكان المحليين، لكن كل محاولة لم تصل إلى نتيجة مؤكدة.

يبقى البحث عن مكان دفنهم أكثر من مجرد مسألة تاريخية، إنه رمز للعدالة وإعادة سرد القصة البطولية لأولئك الذين رفضوا الخضوع للظلم. فكل قبور محتملة، رغم عدم تحديدها بدقة، تمثل إرادة الشعب الفلسطيني في تذكر أبطال مقاومته.

الأبطال في الذاكرة الفلسطينية والعربية
محمد جمجوم، وفؤاد حجازي، وعطا الزير لم يكونوا مجرد ضحايا للأحداث، بل أيقونات صمود ومقاومة. محاكماتهم وأحكام الإعدام الموثقة في الملفات البريطانية (CO 733) تظهر كيف تعامل الاحتلال مع قادة الشعب، لكن شجاعتهم حولتهم إلى رموز خالدة.

لغز دفنهم ليس نهاية القصة، بل استمرارية لرمزية الوجود الفلسطيني، حيث كل محاولة للبحث عن قبورهم تذكّر الأجيال بأن هؤلاء الأبطال لم يمتوا في قلب الشعب، بل في ذاكرته، في قصصه، وفي نضاله المستمر ضد الظلم والاحتلال.

انتهى
تمت طباعة الخبر في: السبت, 08-نوفمبر-2025 الساعة: 01:01 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://sanaanews.net/news-105476.htm