صنعاء نيوز - الحَنِين ليس الحَنَان ، إن تقارَبا في الحروف شكلاً وعدداً ، تباعَدا في المعنى مضموناً مُتَجَدِّداً ، الأول إنعاش الذاكرة لاختبار العقل ذاته

الأربعاء, 12-نوفمبر-2025
صنعاء نيوز/ القصر الكبير : مصطفى منيغ -


الحَنِين ليس الحَنَان ، إن تقارَبا في الحروف شكلاً وعدداً ، تباعَدا في المعنى مضموناً مُتَجَدِّداً ، الأول إنعاش الذاكرة لاختبار العقل ذاته ، إن ظلَّ في مستوى الحُكمِ على التمييز (مع تقدُّم عمر صاحبه) بين أحقية الماضي المُسجَّل عليه مباشرة مشهدا ناطقا بعد مشهد في خزان خيال ، و ترميم عجز الحاضر بما يُهَيَّأُ لحظة بلحظة لحسن الختام . أما الثاني فارتباط فطري بين الناتج وأصل الإنتاج ، يبقَى على حاله غير مُتأثِّر بمرور الزمن أو تغيُّر الأمكنة ، عاطفة تُحَسُّ ولا تُلْمَس ُ أو تُرَى ، تيارها غير المألوف بتصادم الايجابي مع السلبي ، بل لقاء بين الجزئي الحي بالكلي الحي ، قد يتحوَّل حنيناً إن ارتبط بحادث جميل يُراد الاحتفاظ به ذِكرَى عزيزة تنعش الخاطر وتريح اللحظة المٌعاشة ولو لدقائق تَرُدُّ الخيال لحقيقة مرحب بتكرار فحواها الغير قابل للتغيير.

... بعد معركة وادي المخازن المجيدة أتت على مدينة القصر الكبير مراحل وإن تَناسَى مَن تناسَى وقائعها وحتى المميزة منها ، حيث أُدرِجت من نُظُمٍ متعاقبة ضمن المناطق المحسوبة (عنوة) على غير النافعة ، لإسقاط معنوياتها في وحل من إجراءات ظالمة تمهيدا لإعادتها مجرَّد موقع سكني عادي ، كائن في سهل اللوكوس بعيداً عن مراكز الحكم المركزية المتربعة على مغانم ، تخدم بها استمرارية فتن لانفراد فريق بالسيطرة على مجموع الفرق الأخرى ، المتمردة (أحيانا) المنتشرة في جغرافية المغرب .

... ما يصل للناحية يكتفي بالوقوف في مدينتي تطوان وطنجة ومرات قليلة جدا في العرائش ، أما القصر الكبير فنبع خوف يتفادى البعض التقرب منه حتى لا يُصاب الأكبر فيهم نفوذا بداء الكرامة تقزم مكانته وتعيده فارغ النفع ، غير قادر على الأمر أو النهي . وصمدت غير منعزلة عن إشغال نفسها بما يضمن بقاءها ، من مجالات الفلاحة والصناعة التقليدية والتجارة والصيد من واديها الغني بنوع من السمك عز وجوده في وديان أخرى ، وقبل هذا وذاك الانكباب على التعلم وتحصيل الفقه على يد فطاحل الاختصاص المشهود لهم بالكفاءة . فتكونت الزوايا ومنها زاوية أولاد غيلان المؤسسة من طرف عائلة تحمل نفس اللقب أصلها أندلسي من مدينة غرناطة ، برز منها القائد المجاهد أبو العباس أحمد الخضر غيلان زعيم حركة الجهاد بمنطقة الهبط ، الذي استطاع ضم مدن تطوان وشفشاون ومعظم طنجة و تازة وما حولها من دواوير وبعض القبائل ذات الصيت تحت راية نفوذه ، جاعلا من القصر الكبير عاصمة له ، ممَّا جعل السلطان إسماعيل العلوي يشعر بجسامة خطورة هذا القصري الزاحف عبر مراحل لتأسيس دولة ، فلم يهدأ له بال حتى جمع حوله جيشاً جراراً كامل العتاد والعُدَّة ، اقتحم به بعد قتال شرس وعناء مضني مدينة القصر الكبير ، لتتعرَّض (بعد قتل غيلان) لتخريب طال مجمل أرجائها ، ولتُلحَق بقائمة المغضوب عليهم بشكل متجدِّدٍ ، لولا عراقتها وصبر أهاليها على تحدي المتاعب القاهرة وتجاوز المصاعب المدمِّرة لاندثر حتى حسها ، لم يقتصر المشرفون على معاقبتها بحكم علني واضح ، بل تكتموا (ومن عوّضوهم) على الطريقة المُتبعة عبر العقود المتتالية ، لتذوب من تلقاء نفسها ، لكنها بقيت بواسطة أبنائها وبناتها جيلا بعد جيل ، تناضل بذكاء وتجلد ونكران الذات وتحصيل العلم ، وتخصين تاريخها الحقيقي من تلاعب قلة قليلة راغبة في الظهور لتُشكَر، ثم ليتبدد ذكرها كأنها فاصلة بين جملتين ، احداهما تتحدث عن ماضي وانتهى ، والثانية عن مستقبل الفائز فيه حق القصر الكبير فيما قبلة من حاضر .

... إلى أن حل الاحتلال الاسباني بسبب ضعف هؤلاء الحكام ، و تقصيرهم البيِّن في تحمل مسؤولية الدفاع عن حوزة الوطن بما يبقيه بعيداً عن مثل المأساة ، الجاعلة غرباء أسبان بصلون حتى القصر الكبير في راحة وبغير خسارة كبيرة تُذكر ، الاسبان الذين استولوا على المدينة وهم أعلم بما يتوفر لذى أهلها من بذور قابلة للزع ، ان وُضِع رهن إشارتهم ما يتطلب الأمر من إمكانات مادية ، كفيلة بالسقي ومتابعة المراقبة المنتظمة طيلة مرحلة النمو ، كأول خطوة لانبعاث مدينة بعد سبات عميق فُرِض عليها فرضاً.

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

[email protected]

212770222634


تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 12-نوفمبر-2025 الساعة: 08:40 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://sanaanews.net/news-105550.htm