صنعاء نيوز - 
يُعدّ المشهد المتداول لتسليم متهم إلى أولياء دم المجني عليه، ثم تصفيته ميدانيًا دون محاكمة، وصمة عار أخلاقية وقانونية

الثلاثاء, 16-ديسمبر-2025
صنعاء نيوز/ عبد الواحد البحري -



يُعدّ المشهد المتداول لتسليم متهم إلى أولياء دم المجني عليه، ثم تصفيته ميدانيًا دون محاكمة، وصمة عار أخلاقية وقانونية، وانتهاكًا صارخًا لقيم العدالة، قبل أن يكون خرقًا فادحًا لأعراف القبيلة اليمنية التي قامت عبر التاريخ على الإنصاف وضبط النفس، لا على الانتقام الأعمى.

فما جرى لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال؛ إذ جرى تسليم المتهم إلى أولياء الدم دون أن تأخذ العدالة مجراها الطبيعي عبر القضاء، ودون محاكمة عادلة تكفل حق الدفاع، وتثبت الجريمة بالأدلة، وتحدد المسؤولية الجنائية وفق الشرع والقانون. الأخطر من ذلك أن عملية القتل نُفذت قبل أي اعتراف صريح، رغم تأكيد المتهم مرارًا أنه مظلوم، وأن اسمه محمد بن سالم، وابنه نايف، نافياً ارتكاب الجريمة المنسوبة إليه.

القصاص في الشرع.. لا زيادة ولا تشفٍّ

القصاص في الشريعة الإسلامية شُرع لتحقيق العدل، لا لإشباع الغضب أو تصفية الحسابات، وهو قائم على مبدأ “النفس بالنفس” دون زيادة أو تمثيل أو تعذيب. أما ما حدث، فيمثل خروجًا فاضحًا عن هذا المبدأ، ويحوّل القصاص إلى فعل انتقامي فاقد للشرعية الدينية والأخلاقية.

أعراف القبيلة.. أين ذهبت؟

الأعراف القبلية اليمنية، التي طالما تغنّى بها اليمنيون، تُعلي من قيم الرجولة والمروءة والكرم والشهامة. ووفق هذه الأعراف، فإن القبيلة التي تستلم المتهم من أهله تكون مسؤولة عن حفظ حياته، وردّه إلى الدولة، أو ضمان محاكمته العادلة. أما قتله بعد تسليمه طوعًا، فهو انتهاك جسيم للأعراف قبل أن يكون جريمة قانونية.

وفي هذا السياق، يرى متابعون أن ما جرى لا يُسيء فقط إلى أسرة المتهم وقبيلته، بل يُعد إساءة أكبر لأولياء دم المجني عليه وقبيلتهم، إذ أظهرهم المشهد أمام الرأي العام بلا التزام بالأعراف، ولا احترام لقيم العدالة والإنسانية.

الدولة الغائبة.. والمسؤولية المشتركة

كان الأولى – والأجدر – إعادة المتهم إلى مؤسسات الدولة، لتمكين القضاء من الفصل في القضية، وإنصاف المظلوم، ومحاسبة الجاني إن ثبتت إدانته. فقتل المتهم بهذه الطريقة الوحشية، بعد تسليمه من أقاربه، لا يحقق العدالة، بل يفتح بابًا واسعًا للفوضى، ويكرّس منطق الغاب، ويضاعف الجريمة بدل أن يطوي صفحتها.

جريمة لا تسقط أخلاقيًا

وفق الأعراف اليمنية المستقرة، فإن الثأر يُمارس – في أسوأ حالاته – عندما يفرّ الجاني ويغيب عن يد الدولة وأولياء الدم. أما إذا سلّم نفسه أو سلّمته قبيلته، ثم يُقتل، فإن الجريمة تكون مضاعفة، والذنب أعظم، والمسؤولية مشتركة بين من نفذ ومن حرّض وصمت.

إن ما حدث ليس مجرد حادثة عابرة، بل مؤشر خطير على تآكل القيم، وغياب الدولة، وانزلاق المجتمع نحو العنف المنفلت. وهي جريمة أخلاقية وقانونية ستظل شاهدة على أن العدالة قُتلت قبل أن يُقتل الإنسان، وأن اليمنيين – جميعًا – خسروا حين غابت الحكمة، وحضرت الفوضى.
https://www.facebook.com/share/v/1CfieSserM/
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 16-ديسمبر-2025 الساعة: 06:46 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://sanaanews.net/news-106107.htm