صنعاء نيوز/ يوسف السعدي -
في بلد مثقل بالتجارب والانقسامات الحادة، لم تعد الوسطية السياسية ترفًا فكريًا أو خيارًا تكتيكيًا، بل أصبحت ضرورة وجودية لحماية الدولة والمجتمع، العراق بتنوعه الديني والمذهبي والسياسي، لا يحتمل منطق الغلبة، ويُبنى استقراره عبر توازن دقيق بين الوطنية الجامعة والمرجعية الضامنة للقيم.
لقد أثبتت التجربة أن الخطاب المتطرف، مهما امتلك من قوة آنية، يعجز عن تحقيق استقرار طويل الأمد، في المقابل، يبرُز نهج الاعتدال بوصفه المسار الأكثر قدرة على احتواء الاختلاف وتحويله إلى تنوع منتج، هذا النهج، الذي تبنته شخصيات سياسية بارزة، لم يكن مساومة على المبادئ، بل محاولة لربط السياسة بأخلاقياتها، والسلطة بمسؤوليتها الاجتماعية.
الوسطية هنا لا تعني الحياد البارد، بل وضوح الموقف دون انزلاق، والانحياز للوطن دون قطيعة مع المرجعية، والالتزام بالدين دون توظيفه في الصراع السياسي، هذه المعادلة الصعبة شكّلت أساسًا لرؤية سياسية ترى في الدولة مظلة للجميع، لا ساحة لتصفية الحسابات.
العلاقة المتوازنة مع المرجعية الدينية لعبت دورًا محوريًا، ليس من باب التبعية، بل من موقع الاحترام المتبادل، فالمرجعية بوصفها صمام أمان أخلاقي، تساهم في ضبط إيقاع السياسة، وتمنع انزلاقها نحو العنف أو الإقصاء، دون أن تتحول إلى طرف في الصراع.
كما انعكس الاعتدال السياسي على إدارة الخلافات، حيث أُعطي الحوار أولوية على التصعيد، والشراكة على الإقصاء، والدولة على الجماعة، ما عزز ثقة المواطنين بخطاب يبتعد عن الشعارات العالية ويقترب من همومهم اليومية.
التجربة العراقية تشير إلى أن المجتمعات الخارجة من الصراع لا تُدار بالحدّة، ولا تُبنى بالاستقطاب، بل بالحكمة والتوافق، ومن هنا، فإن الاعتدال ليس خيار أشخاص، بل خيار دولة تسعى إلى الاستقرار والاستمرار.
في المحصلة، تتحول الوسطية السياسية، حين تُبنى على وطنية صادقة وعلاقة رشيدة مع المرجعية، من خطاب تهدئة إلى مشروع حكم حقيقي، مشروع يراهن على الإنسان، يحمي الدولة، ويمنح السياسة معناها الأخلاقي قبل أن يمنحها السلطة.
|