صنعاء نيوز/ -
الجمود الاستراتيجي وبركان الغضب الاجتماعي.. العد التنازلي لنهاية الدكتاتورية الدينية
وصل التناقض في المشهد السياسي الإيراني بين السلطة والمجتمع اليوم إلى نقطة اللاعودة؛ حيث أصبح نظام ولاية الفقيه الذي أسس بقاءه لعقود على ركيزتي "القمع الداخلي" و "تصدير الأزمة إلى الخارج" أصبح عليه أن يواجه الآن إخفاقات استراتيجية لا يمكن تعويضها على كلتا الجبهتين.. إذ يرى محللو الشأن الإيراني من خلال رصد دقيق للتطورات أن خامنئي يتمسك بكل وسيلة في محاولة يائسة للحفاظ على توازن نظامه؛ لكن الحقائق الميدانية تشير إلى دخول الدكتاتورية الدينية المرحلة النهائية من عمرها.
تفكك مفهوم "العمق الاستراتيجي"
لسنوات عديدة استخدمت آلة الدعاية التابعة للنظام وخامنئي شخصيًا مفهومًا يسمى "العمق الاستراتيجي" لتبرير تدخلاتهم في المنطقة وإنفاق المليارات من جيوب الشعب الإيراني على الجماعات الوكيلة.. كان منطقهم هو أنه إذا لم يقاتلوا في بغداد ودمشق وبيروت وغزة فسيتعين عليهم مواجهة العدو في شوارع طهران وكرمنشاه.. لكن التطورات الإقليمية الأخيرة أظهرت بوضوح أن هذه الاستراتيجية لم تضمن أمن النظام فحسب بل تحولت إلى كعب أخيل له.
اليوم، تُسمع سياسة "رأس الأفعى في طهران" أكثر من أي وقت مضى في الأوساط الدولية والإقليمية، وإن الدرع الدفاعي الذي بناه خامنئي حول الحدود بأموال نفط الشعب الإيراني المحروم بدأ يتصدع.. كما أن العزلة الدولية للنظام ووضع قوات حرس ما يسمونا بـ الثورة الإسلامية في دائرة العقوبات الدولية يشيران إلى أن حقبة الابتزاز بورقة الإرهاب وإشعال الحروب قد انتهت، وخامنئي الذي أراد إخماد نيران الانتفاضة في الداخل بخلق أزمات في الخارج يرى الآن أن لهيب إشعال الأزمات هذا قد بدأ بالارتداد إلى عباءته.
الاقتصاد المنهوب والفقر الذي تحول إلى سلاح ثوري
على الجبهة الداخلية انتقل الوضع بالنسبة للنظام من سيئ إلى أسوأ إلى الأشد سوءاً متجهاً نحو منحدر النهاية.. حيث انهار الاقتصاد الإيراني فعليًا ليس بسبب العقوبات بل بسبب الفساد الهيكلي وإنفاق جميع الموارد الوطنية في بئر مشاريع الأسلحة النووية والصاروخية والإرهابية، والإحصاءات الحكومية نفسها تتحدث عن عمق الكارثة؛ حيث يتسع مسار خط الفقر يومًا بعد يوم، وتتقلص موائد الطعام لدى الغالبية من الشعب.. كما لم يعد هذا الفقر مجرد ظاهرة اقتصادية بل تحول إلى محرك رئيسي للغضب الثوري.
لقد تجاوز المجتمع الإيراني مرحلة "الاستياء" ووصل إلى حالة "الغضب الانفجاري"، وتُظهِر احتجاجات الشرائح المختلفة من المتقاعدين والمعلمين والعاملين بمجال التمريض وعمال النفط والصلب وغيرهم أنه لا توجد شريحة بمنأى عن سلب النظام ونهبه.. في المقابل يزيد النظام في ميزانياته السنوية حصة الأجهزة القمعية العسكرية والأمنية والمؤسسات الدعائية الدينية بينما تتدهور حصة الخدمات العامة والتعليم والصحة؛ هذا التناقض الصارخ كشف طبيعة النظام المعادية لإيران كدولة وشعب.. وكذلك تُبرز السخط الشعبي المتعاظم لنظام ولاية الفقيه.
آلة الإعدام في مواجهة إرادة المقاومة الصلبة
كان رد خامنئي على هذا المأزق الشامل هو اللجوء الهستيري إلى آلة الإعدام والقتل.. وإن تحطيم الأرقام القياسية في إعدام السجناء لهو محاولة يائسة لنشر الرعب والخوف بين أفراد المجتمع للحيلولة دون حدوث الانفجار الاجتماعي؛ لكن تجربة الانتفاضات المتتالية (من عام 2017 إلى 2022 وما بعدها) أثبتت أن القمع قد فقد فعاليته.. وأن كل إعدام بدلاً من أن يبث الخوف يزرع بذور الحقد والانتقام في قلوب الشباب ويزيد من عزمهم على الإطاحة بالنظام.
في خضم ذلك يعد دور وحدات المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق دوراً حاسمًا باعتباره رأس حربة استراتيجية المقاومة.. حيث تقوم هذه الوحدات بعمليات كسر الكبت واستهداف رموز القمع والجهل مما يهدم جدار الخوف ويوضح للمجتمع أن شيطان الاستبداد قابل للتحطيم والزوال.. وإن استمرار أنشطة وحدات المقاومة في ظل التكتم البوليسي الشديد هو شهادة على تجذر المقاومة المنظمة وفشل الأجهزة الاستخباراتية للنظام في احتواء القوة الرائدة.
بزشكيان.. مناورة فاشلة لكسب الوقت
إن تولي مسعود بزشكيان السلطة من قبل خامنئي لم يكن مؤشرًا على انفتاح أو تغيير سلوك بل كان تكتيكًا لكسب الوقت وخداع المجتمع الدولي؛ إذ حاول خامنئي من خلال هذا العرض ترميم الفجوات الداخلية لزمرته وتهدئة نار غضب الشعب.. لكن سرعان ما اتضح أن الرئيس في هيكل ولاية الفقيه هو مجرد مدبر لأوامر "الولي الفقيه" وأن أزمات النظام عميقة لدرجة لا يمكن حلها بتغيير الممثلين أو العلاج بالشعارات، واليوم ومنذ سنوات نرى أن الشعب الإيراني قد تجاوز هذا النظام بالكامل من خلال شعار "إصلاحي.. أصولي.. انتهت القصة كلها" وأنه لن ينخدع بعد بألاعيب الفصائل.
الأفق الواضح: الحل الوحيد هو الإسقاط وتطبيق برنامج مريم رجوي
ملخص الظروف الحالية يقودنا إلى نتيجة حتمية واحدة وهي أن: النظام الحاكم في إيران لا يمتلك القدرة على حل مشاكل الشعب، ولا القابلية للإصلاح، ولا إمكانية للعودة إلى الماضي.. أما الطريق والحل الوحيدين هو المضي إلى الأمام بمشروع التغيير الجذري وإسقاط نظامه بالكامل على يد الشعب والمقاومة الإيرانية.
اليوم يحتاج العالم أكثر من أي وقت مضى إلى سماع صوت البديل الديمقراطي؛ البديل الذي لن يجلب الحرية والديمقراطية لإيران فحسب بل سيعيد السلام والاستقرار إلى المنطقة.. إذ يحمل هذا البديل رؤية ناضجة برنامج تقدمي محدد وواضح يرسم مسار مستقبل إيران حرة.. وبهذا الخصوص أكدت السيدة مريم رجوي الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية مرارًا بأن الحل النهائي لإنهاء هذه الدكتاتورية المظلمة والمشعلة للحرب هو إقامة جمهورية ديمقراطية تقوم على فصل الدين عن السلطة.. ويُعد برنامج المواد العشر للسيدة مريم رجوي الذي يتضمن مبادئ تقدمية مثل المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، إلغاء عقوبة الإعدام، حرية التعبير والأحزاب، حقوق القوميات وإيران غير نووية مسالمة بمثابة خارطة طريق دقيقة وشاملة للعبور من أنقاض ولاية الفقيه نحو إيران مزدهرة وحرة، ويحظى هذا البرنامج اليوم بدعم واسع من المشرعين والبرلمانيين والشخصيات السياسية في جميع أنحاء العالم.. كما ويُعرف المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بأنه البديل الوحيد الموثوق به للانتقال من سياسة الدكتاتورية والفوضى إلى حقبة الحرية والديمقراطية والسلام.
لقد بدأ العد التنازلي؛ وإرادة الشعب الإيراني والمقاومة المنظمة ستكون هي القاضي النهائي في هذه المعركة التاريخية.
عبدالرزاق الزرزور محامي و ناشط حقوقي سوري
|