صنعاء نيوز - منذ صعود قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وسيطرتها على مساحات واسعة من شمال شرق سوريا، يتكرر سؤال جوهري في النقاشين السياسي

الإثنين, 22-ديسمبر-2025
صنعاء نيوز/ -

إيهاب مقبل

منذ صعود قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وسيطرتها على مساحات واسعة من شمال شرق سوريا، يتكرر سؤال جوهري في النقاشين السياسي والإعلامي: هل نحن أمام مشروع شبيه بتجربة إقليم كردستان العراق؟ وهل تسير سوريا نحو نموذج فيدرالي أو إقليم كردي بحكم الأمر الواقع؟

رغم التشابه الظاهري في بعض العناصر، فإن النموذج العراقي لإقليم كردستان غير قابل للاستنساخ في سوريا، لا سياسيًا ولا قانونيًا ولا إقليميًا. والاعتقاد بإمكانية تكراره يتجاهل اختلافات عميقة في السياق التاريخي، وطبيعة الدولة، وتوازنات الإقليم، والموقف الدولي.

أولًا: السياق التاريخي مختلف جذريًا
لم ينشأ إقليم كردستان العراق نتيجة تفاوض داخلي طبيعي، بل بسبب هزيمة العراق في حرب الخليج الثانية 1991، وفرض حظر جوي دولي على العراق، وتوفير حماية عسكرية أمريكية–غربية مباشرة للقوات الكردية، وانسحاب فعلي لسلطة بغداد من الإقليم. أي أن الإقليم وُلد في فراغ سيادي محمي دوليًا، ثم تطوّر لاحقًا إلى كيان دستوري معترف به بعد حرب الخليج الثالثة والإحتلال الأمريكي للعراق 2003. في المقابل، لم يشهد شمال شرق سوريا انهيارًا نهائيًا للدولة السورية، ولا يتمتع بأي غطاء قانوني دولي، كما يخضع لميزان قوى عسكري مؤقت ومتقلب، يجعل أي كيان ناشئ عرضة للتغيير السريع.

ثانيًا: الإطار الدستوري… الاعتراف مقابل الغياب
كردستان العراق منصوص عليه في الدستور الأمريكي المفروض على العراق لعام 2005، ويتمتع ببرلمان وحكومة معترف بهما، ويملك صلاحيات واضحة ولو متنازع عليها. بينما لا يحضى شمال شرق سوريا باعتراف دستوري أو قانوني، والإدارة الذاتية كيان أمر واقع، والدولة السورية ترفض أي صيغة فيدرالية أو إقليمية. وبالتالي يمكن القول إن إقليم كردستان العراق كيان شرعي متنازع الصلاحيات، بينما الإدارة الذاتية في سوريا كيان غير معترف به أصلًا.

ثالثًا: العامل الإقليمي… تركيا وإيران خط أحمر
تقبل تركيا، بحذر شديد، بواقع إقليم كردستان العراق، لكنها ترفض رفضًا قاطعًا أي كيان كردي مستقل أو شبه مستقل في سوريا، لأسباب تتعلق بحساسية الجغرافيا السورية، وارتباط قسد بحزب العمال الكردستاني (PKK)، وخشيتها من انتقال عدوى الانفصال إلى داخل أراضيها. وبذلك تُعدّ المسألة الكردية في سوريا قضية أمن قومي تركي بامتياز.

أما إيران، فتتسامح نسبيًا مع إقليم كردستان العراق لضعف تأثيره المباشر عليها، لكنها تعارض بشدة أي كيان كردي في سوريا قد يفتح الباب لمطالب مشابهة داخل حدودها.

وعليه، فإن أي مشروع إقليمي كردي في سوريا سيصطدم بجدار إقليمي صلب لا توجد إرادة دولية حقيقية لكسره.

رابعًا: الموقف الأمريكي… قسد أداة لا مشروع دولة
دعمت أمريكا الشمالية قسد لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بالنيابة عنها، لكنها لم تعترف بالإدارة الذاتية، ولم تطرح يومًا مشروع إقليم كردي رسمي في سوريا. الفرق الجوهري هنا أن واشنطن أسقطت النظام في العراق وأعادت تشكيل الدولة، بينما في سوريا تدير نفوذًا محدودًا ومؤقتًا، بلا التزام طويل الأمد أو مشروع سياسي متكامل. بعبارة أوضح قسد بالنسبة لأمريكا الشمالية ورقة وظيفية مرحلية، لا نواة دولة مستقبلية، وهذا وحده كافٍ لإسقاط فرضية استنساخ النموذج العراقي.

خامسًا: الانقسام الكردي السوري مقابل الوحدة العراقية النسبية
رغم الخلافات، يمتلك إقليم كردستان العراق قيادات تاريخية واضحة، ومشروعًا قوميًّا كرديًا صريحًا. أما في سوريا، فالحركة الكردية تعاني انقسامات حادة، وقسد ليست مظلة كردية خالصة، بل تحالف عسكري متعدد المكونات، مع توتر دائم بينها وبين قوى كردية أخرى، فضلًا عن غموض الخطاب السياسي وتجنبه إعلان مشروع قومي واضح. هذا التشتت يجعل بناء إقليم مستقر أكثر تعقيدًا وأقل قابلية للاستمرار.

سادسًا: الديموغرافيا والجغرافيا ليست في صالح الاستنساخ
إقليم كردستان العراق يتمتع بتواصل جغرافي واضح، وعمق تاريخي كردي، شهد قيام إمارات كردية متعددة عبر القرون. في المقابل، يتميز شمال شرق سوريا بتعقيد ديموغرافي واضح، وتداخل عربي–كردي–عشائري، مع مدن رئيسية ذات أغلبية غير كردية. أي مشروع إقليمي كردي في هذه المنطقة سيواجه رفضًا اجتماعيًا داخليًا، وتوترات أهلية كامنة، وهشاشة في الشرعية المحلية.

الخلاصة: لماذا الاستنساخ وهم سياسي؟
وذلك لأن الظروف الدولية مختلفة، والإطار الدستوري غائب، والرفض الإقليمي حاسم، والدعم الأمريكي محدود ومصلحي، والبنية الداخلية غير متماسكة. لقد كان إقليم كردستان العراق استثناءً تاريخيًا فريدًا، لا نموذجًا قابلًا للتكرار.

الخاتمة: ماذا يعني ذلك عمليًا؟
لا يعني ما سبق إنكار حقوق الأكراد في سوريا أو التقليل من مطالبهم المشروعة، لكنه يعني بوضوح أن أي رهان على سيناريو "كردستان ثانية" هو رهان خاسر سياسيًا واستراتيجيًا. فالسقف الواقعي لما يمكن أن تحققه قسد لا يتجاوز صيغة إدارة محلية محدودة الصلاحيات، ضمن إطار الدولة السورية، وفي بعض القرى والبلدات ذات الغالبية الكردية، مثل عامودا والدرباسية والمالكية والقحطانية، إضافة إلى كوباني بوصفها حالة محلية معزولة، دون أن يشمل ذلك عفرين الخارجة فعليًا من نطاق سيطرة قسد منذ عام 2018. وفي عالم السياسة، غالبًا ما تنتهي الأوهام المكلفة بخسائر تفوق الطموحات التي قامت عليها.

انتهى
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 22-ديسمبر-2025 الساعة: 12:40 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://sanaanews.net/news-106222.htm