صنعاء نيوز - تعتبر تل أبيب الفصائل المسلحة العراقية المدعومة من طهران جزءًا من شبكة استراتيجية إقليمية تهدف إلى تعزيز نفوذ إيران في العراق والمنطقة

الثلاثاء, 30-ديسمبر-2025
صنعاء نيوز/إيهاب مقبل -



تعتبر تل أبيب الفصائل المسلحة العراقية المدعومة من طهران جزءًا من شبكة استراتيجية إقليمية تهدف إلى تعزيز نفوذ إيران في العراق والمنطقة، وخلق عمق جيوسياسي يسمح بالضغط على الكيان الصهيوني وحلفائه عبر ساحات متعددة، من دون الدخول مباشرة في مواجهة تقليدية. تُعد هذه الفصائل، رغم بعد تأثيرها المباشر عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، أدوات مهمة في استراتيجية إيران للتموضع الإقليمي، وتختلف فيما بينها من حيث طبيعة الدور، مستوى السيطرة الإيرانية، وطبيعة التهديد الذي تمثله لكل أهداف إسرائيلية محتملة.

كتائب حزب الله العراقي
تأسست كتائب حزب الله العراقي في العام 2003 على يد أبو مهدي المهندس، والذي اغتيل في 2020 في غارة جوية أمريكية على طريق مطار بغداد، كرد فعل على الغزو الأمريكي للعراق ووجود القوات الأجنبية في البلاد. كان الهدف من تأسيس الكتائب حماية المجتمع الشيعي، ومواجهة النفوذ الأمريكي، وتوفير قاعدة إسناد لإيران على الأرض العراقية. يُنظر إلى كتائب حزب الله كأكثر الفصائل قربًا من النموذج اللبناني لحزب الله، سواء من حيث الهيكل التنظيمي أو مستوى الانضباط.

تقوم الكتائب بدور الذراع العملياتية لإيران داخل العراق، إذ يُستخدم الفصيل لتأمين خطوط الإمداد بين إيران وسوريا ولبنان، ولتنفيذ هجمات غير مباشرة على المصالح الأمريكية أو حلفائها، بما يشكل تهديدًا استراتيجيًا غير مباشر لتل أبيب. مستوى السيطرة الإيرانية على الكتائب عالٍ جدًا، إذ يُنظر إليها كامتداد شبه مباشر للسياسة العسكرية الإيرانية داخل العراق، مع قدرة على العمل خارج الحدود العراقية في أي سيناريو إقليمي.

حركة حزب الله النجباء
تأسست حركة حزب الله النجباء في العام 2013 على يد أكرم الكعبي، بعد انشقاقه عن عصائب أهل الحق. جاء تأسيس النجباء في سياق الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في العراق، وفي وقت كانت إيران تبحث فيه عن مقاومين إضافيين لتعزيز حضورها العسكري والإيديولوجي في المنطقة، خصوصًا على طول محور بغداد–دمشق. الهدف المعلن كان حماية العراق من التنظيمات المتطرفة ودعم النظام السوري السابق، إلى جانب تعزيز حضور إيران في العراق.

النجباء تُصنَّف في التقدير الإسرائيلي كفصيل عقائدي وتعبوي عابر للحدود، يشارك في الصراعات الإقليمية، ويحتفظ بعلاقة وثيقة بالحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس. طبيعة التهديد الذي تمثله النجباء هي تعبوي واستنزافي أكثر من كونه تهديدًا مباشرًا، أما مستوى السيطرة الإيرانية فيُعتبر عاليًا من حيث التوجيه الاستراتيجي، لكنه أقل صرامة من كتائب حزب الله بسبب اعتماد الحركة على الخطاب العلني والدور السياسي–العقائدي أكثر من العمل السري الدقيق.

عصائب أهل الحق
تأسست عصائب أهل الحق في العام 2006، بعد انشقاقها عن تنظيم بدر، كرد فعل على الغزو الأمريكي للعراق ورغبة بعض القيادات الشيعية في إنشاء تنظيم مقاوم أكثر استقلالية وذات توجهات واضحة في مواجهة الاحتلال. يقودها قيس الخزعلي، ويضم فصيل العصائب قيادات محلية بارزة في المناطق الشيعية العراقية. الهدف من تأسيسها كان مزيجًا من مقاومة الاحتلال الأمريكي والحفاظ على النفوذ السياسي للشيعة في العراق بعد إنهيار النظام العراقي في العام 2003.

تُصنَّف العصائب في الرؤية الاستخبارية الإسرائيلية كفصيل ظرفي وميداني، يمكن تفعيله لدعم العمليات الإيرانية أو استهداف مصالح أعداء إيران في العراق أو المنطقة عند الحاجة، لكنه أقل اندماجًا في الاستراتيجية الإيرانية الإقليمية مقارنة بكتائب حزب الله والنجباء. مستوى السيطرة الإيرانية على العصائب موجود لكنه ليس مطلقًا، إذ تحتفظ الحركة بهامش قرار أوسع نسبيًا في العمليات المحلية والسياسية.

الفروق الجوهرية بين الفصائل الثلاث
رغم انتماء جميعها إلى شبكة مدعومة من إيران أو إلى محور المقاومة، فإن الرؤية الاستخبارية الإسرائيلية تميز بينها بوضوح. كتائب حزب الله العراقي هي الذراع العملياتية الأكثر انضباطًا، والتي يمكن الاعتماد عليها في أي تصعيد إقليمي. حركة النجباء تمثل القوة العقائدية التعبوية، القابلة للتحرك خارج العراق لكنها أقل صرامة تنظيمية، بينما عصائب أهل الحق هي القوة الظرفية الأكثر ارتباطًا بالحسابات المحلية والسياسية العراقية، مما يجعل تهديدها متغيرًا حسب الظروف.

الفارق الجوهري أيضًا يكمن في الهدف من كل تأسيس: كتائب حزب الله أنشئت أساسًا لدعم استراتيجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية طويلة الأمد ولتأمين خطوط الإمداد، النجباء تأسست لتعزيز حضور إيران العقائدي والقتالي في مواجهة داعش، وعصائب أهل الحق تأسست لموازنة النفوذ المحلي والسيطرة على السياسة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي، مع إمكانية المشاركة في العمليات الإقليمية عند الحاجة.

الدور الاستراتيجي للفصائل الثلاث
تشكل هذه الفصائل جزءًا لا يتجزأ من الشبكة الإيرانية الممتدة من العراق إلى سوريا ولبنان وصولًا إلى اليمن وفلسطين، بما في ذلك حزب الله اللبناني، وحركة حماس، وأنصار الله في اليمن. وتُستخدم هذه الفصائل لتعزيز النفوذ الإيراني، وفتح جبهات متعددة ضد الكيان الصهيوني وحلفائه، من خلال دورها العملياتي، أو التعبوي، أو الظرفي، بحسب طبيعة كل فصيل ومستوى ارتباطه وإرادته.

طريقة تعامل تل أبيب مع الفصائل الثلاث
في الرؤية الاستخبارية الإسرائيلية، لا يجري التعامل مع الفصائل العراقية المدعومة من إيران بالطريقة نفسها التي تُدار بها المواجهة مع حزب الله اللبناني أو الفصائل الفلسطينية، وذلك بسبب اختلاف الجغرافيا، وطبيعة الاشتباك، والكلفة السياسية والعسكرية لأي تحرك مباشر داخل العراق. لذلك تعتمد تل أبيب مقاربة مركبة تقوم على الاحتواء، والردع غير المباشر، والعمل الاستخباري طويل الأمد بدل المواجهة المفتوحة.

أول أداة تعتمدها تل أبيب في التعامل مع هذه الفصائل هي الاختراق والرصد الاستخباري. فالأولوية الإسرائيلية ليست الاشتباك العسكري المباشر، بل بناء صورة استخبارية دقيقة عن القيادات، شبكات الاتصال، خطوط الإمداد، ومستويات التنسيق مع الحرس الثوري الإيراني. ترى تل أبيب أن المعرفة المسبقة هي العامل الحاسم، خصوصًا مع فصائل مثل كتائب حزب الله العراقي التي تتسم بالسرية والانضباط. لذلك يُنظر إلى هذه الفصائل كساحات مراقبة دائمة، لا كأهداف فورية.

ثانيًا، تعتمد تل أبيب ما يمكن وصفه بـ الردع غير المباشر. فهي نادرًا ما تعلن أو تنفذ ضربات مباشرة ضد الفصائل العراقية داخل العراق، لكنها تعمل على إيصال رسائل ردع عبر استهداف عناصر من الشبكة الإيرانية في ساحات أخرى، أو عبر عمليات منسوبة إلى "ساحات مجهولة". الهدف من ذلك هو كبح أي تفكير بنقل المواجهة إلى مستوى يطال الكيان الصهيوني مباشرة، من دون فتح جبهة عراقية علنية قد تجر تداعيات سياسية وأمنية واسعة.

ثالثًا، تمارس تل أبيب ضغطًا سياسيًا ودبلوماسيًا غير مباشر، خاصة عبر أمريكا الشمالية وحلفائها، لدفع الحكومة العراقية إلى تقييد نشاط هذه الفصائل أو دمجها شكليًا ضمن أطر رسمية تقلل من حريتها العملياتية. من وجهة النظر الإسرائيلية، لا يُعد نزع سلاح هذه الفصائل هدفًا واقعيًا على المدى القريب، لكن تقليص استقلالها ومنع تحولها إلى قوة هجومية عابرة للحدود يُعد مكسبًا مرحليًا.

رابعًا، تميّز تل أبيب في تعاملها بين الفصائل نفسها. فـ كتائب حزب الله العراقي تُعامل كتهديد استراتيجي مؤجل، أي فصيل لا يُستهدف إلا إذا اقترب من التحول إلى تهديد مباشر للكيان الصهيوني أو إذا شارك فعليًا في سيناريو حرب إقليمية. أما حركة النجباء، فتُنظر إليها كفصيل ذي طابع إعلامي–عقائدي أكثر من كونه خطرًا عملياتيًا فوريًا، ولذلك يتركز التعامل معها على تحجيم دورها الإقليمي ومنعها من اكتساب شرعية قتالية ضد الكيان. في حين تُعامل عصائب أهل الحق بحذر سياسي أكبر، نظرًا لاندماجها في المعادلة الداخلية العراقية، حيث ترى تل أبيب أن أي تصعيد ضدها قد تكون له انعكاسات سياسية غير محسوبة.

خامسًا، تعتمد تل أبيب على إستراتيجية الفصل بين الساحات. أي منع انتقال تأثير الفصائل العراقية إلى الجبهة اللبنانية أو الفلسطينية. فالتقدير الإسرائيلي يرى أن الخطر الحقيقي لا يكمن في ضربة عراقية مباشرة، بل في مساهمة هذه الفصائل في دعم جبهات أخرى بالسلاح أو الخبرات أو الإسناد اللوجستي. لذلك تتركز الجهود الإسرائيلية على تعطيل هذا الترابط أكثر من مواجهة الفصائل بذاتها.

في المحصلة، لا تسعى تل ابيب حاليًا إلى نزع سلاح الفصائل العراقية بالقوة، ولا إلى فتح مواجهة مباشرة معها، بل إلى احتوائها، مراقبتها، وتقييد دورها الإقليمي ضمن شبكة إيران الأوسع. ويقوم هذا النهج على قناعة استخبارية مفادها أن هذه الفصائل تشكل خطرًا كامنًا لا فوريًا، وأن التعامل معها يجب أن يكون جزءًا من إدارة الصراع مع إيران ككل، لا كملف مستقل بذاته.

الخلاصة
في الرؤية الاستخبارية الإسرائيلية، تُعد هذه الفصائل العراقية أدوات استراتيجية غير مباشرة: كتائب حزب الله العراقي هي الأخطر والأكثر انضباطًا واستعدادًا للعمل خارج العراق، النجباء قوة عقائدية واستنزافية، وعصائب أهل الحق قوة ظرفية تعتمد على التوازن المحلي. جميعها تشكل شبكة ضغط متكاملة تتيح لإيران إبقاء الكيان الصهيوني تحت ضغط دائم من عدة جبهات دون اللجوء إلى مواجهة تقليدية مباشرة، مع مستويات مختلفة من السيطرة الإيرانية تتناسب مع طبيعة كل فصيل ودوره في المخطط الإقليمي. الاستراتيجية الإسرائيلية تعتمد على الاحتواء، المراقبة، الردع غير المباشر، والتحكم في الدور الإقليمي للفصائل الثلاث. الهدف النهائي لتل أبيب إدارة الخطر الكامن، والحفاظ على التفوق الاستراتيجي الإسرائيلي مقابل الجمهورية الإسلامية الإيرانية دون فتح جبهة عراقية تقليدية.

انتهى
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 30-ديسمبر-2025 الساعة: 09:58 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://sanaanews.net/news-106343.htm