الأربعاء, 12-أكتوبر-2011
صنعاءنيوز/ المقالح عبدالكريم -




‮(‬كثيراً‮ ‬ما نتساءل أمام صور فوتوغرافية معينة‮..‬
ما الذي‮ ‬فعله المصور حتى استطاع الاقتراب إلى هذا الحد‮... ‬دون أن‮ ‬يكتشفه أحد‮..‬؟‮!!‬
بأي‮ ‬خطوات صافية استطاع الاقتراب من ذلك العصفور الرائع الذي‮ ‬حط على فرع الشجرة لبرهة وجيزة‮...‬؟؟‮)‬
-المصور إيف بنفوا-

الأبدية الأولى‮..!‬
في‮ ‬فنه إعجاز لا‮ ‬يفسر‮ ..‬ومتعة لا تضاهي‮..‬
وعذوبة لا تقاوم‮..‬وروعة لا شبيه لها‮.. ‬
إدهاشه دائم‮.. ‬لا‮ ‬يتوقف عند حدود‮.. ‬وأكيد لن‮ ‬يتوقف‮..!‬
لقطاته آسرة كما ملامح جديدة عليك‮.. ‬لكنها محببة‮.. ‬تضخ تباشير حميمة تقطر ودا‮.. ‬تماما كما حكاية أثيرة سمعتها في‮ ‬ربيع طفولتك‮.. ‬وفجأة وبلا موعد مرتب مسبقاً‮.. ‬تغمرك دواليها الخضر مجدد‮اً.. ‬بذات الصوت الحاني‮ ‬المألوف‮.. ‬وذاتها الهناءة الدافئة‮..!‬
لحظة‮.. ‬لكن من أين‮ ‬يأتي‮ ‬بكل هذا البهاء‮..‬؟‮! ‬
أهو حبه للتصوير‮..‬أم هو عشقه للمكان‮.. ‬ام تراه هيامه بالكائنات‮ .. ‬أيا كانت ومهما كانت؟‮! ‬إنها الحياة‮.‬
الحياة وحدها هي‮ ‬سره الممتنع ولغزه الخفي..‮ ‬يعيشها ثانية ثانية‮.. ‬اللحظة عنده ملحمة نادرة‮ .. ‬عليه تصيدها بوله لا‮ ‬يحده حد‮. ‬لقد تعلم الناس‮ «‬العمل‮» .. ‬ولكنهم وحسب مكسيم جوركي‮ «‬لم‮ ‬يتعلموا الحياة‮»...‬وهو ما ساقه إلى احتراف عظيم من أفنان ثلاثة‮.. ‬لا‮ ‬يدلك على مكامنه مثل الفيلسوف فريدريك نيتشه‮.. ‬في‮ ‬إحدى مقولاته الخالدات‮ .. ‬تختصر ما نحن بصدده‮:» ‬حبنا للجمال‮.. ‬هو الإرادة المصورة‮..‬وقيمة الفن أنه الدافع الكبير للحياة‮..».‬
هكذا إذن‮: »‬حب الجمال‮ - ‬قيمة الفن‮ - ‬دافع الحياة‮«.‬
أنه تماماً‮ ‬ما خططت له الأقدار‮.. ‬فكان أن لمع نجم مميز في‮ ‬فضاء الإبداع وتحديداً‮ ‬في‮ ‬مدار الفوتوغرافيا‮.. ‬منذ أواخر ستينيات القرن العشرين‮..‬مع إبزاغه للعالم فجره الأول‮.. ‬بكر لقطاته التي‮ ‬ما تزال كنزه الأثير المحتفظ به حتى لحظتنا هذه لمدى أهميته كونه‮ ‬يدرك كما في‮ حواره المنشور في‮ ‬ملحق‮ ‬«الثورة الثقافي» أن (‬النشاط الأول لكل صاحب هواية‮ ‬يكون وفيراً‮.. ‬ربما كنوع من محاولة الإشباع‮.. ‬طبعاً‮ ‬كلها تندرج بعد ذلك‮.. ‬تحت عنوان البدايات والمحاولات‮.. ‬لأنها لا تتصف بأي‮ ‬احترافية‮) ‬وربما لأنه دوزن في‮ ‬إطارها سمفونية الأرض المختزلة في‮ ‬نغمة جنانية التعابير أزلية المعاني‮.. ‬عرفتها الإنسانية على مر عصورها تحت مسمى شائع واحد هو‮ « ‬الأم‮» ‬أما الأداة فكانت أبسط مما‮ ‬يمكن تصوره‮ .. ‬خاصة إذا ما علمنا أنه تحصل عليها بجهد شخصي‮..‬
لحظة‮.. ‬لكن ماذا عن مخططات الأقدار‮..‬؟
كيف أسطعت اسم عبدالرحمن الغابري‮ ‬في‮ ‬فضاءات الفوتوغرافيا‮..!!‬
إنها حكاية‮ .. ‬كما كاميرته الأولى‮.. ‬بسيطة المكونات لكن فعالة الأداء‮.. ‬تشي‮ ‬مضامينها بدلالات كثر لا تصدق‮.. ‬تكاد تكون ضرباً‮ ‬من خيال‮ ..‬كيف‮..‬؟‮!!.‬
ما إن تستطلع الممهدات وتراجع أبجديات التصوير‮.. ‬سرعان ما سترفع حاجبيك دهشة لكم التطابق الذي‮ ‬ستقبض عليه في‮ ‬نهاية المطاف كنتيجة للمقارنة بينهما‮...‬ومدى ما فيهما من انعكاسات وتقارب‮.. ‬ولتوضيح أدق‮ ‬وأبين‮.. ‬سنسلك درباً‮ ‬من ثلاثة معالم‮.. ‬أولاها‮: ‬وصية الوصايا التي‮ ‬تنهد بها‮.»‬نيكوس كازانزاكس‮» ‬على الشكل التالي‮» ‬حينما نقف مبهورين أمام جلال عمل فني‮.. ‬نحس أن متعتنا‮ ‬يتهددها فراق أبدي‮.. ‬يحوم حول رؤوسنا‮.. ‬وندرك أننا لا نملك‮ ‬غير لحظة واحدة من الخلود‮.. ‬فلنسرع إذن باغتنام هذه اللحظة‮.. ‬قبل أن‮ ‬ينتزعها منا الفضاء‮.. ‬فليس ثمة شكل آخر الخلود‮».‬
أما آخرها‮ - ‬المعالم‮ - ‬فيتمحور حول الصورة‮..‬ولأن النظر ليس أبداً‮ ‬طريقة للتلقي‮ ‬بقدر ما هو ترتيب للمرئي‮.. ‬لذا فإن الصورة حسب مو هو‮» ‬تمتح معناها من النظرة‮.. ‬كما‮ ‬يمتح المكتوب معناه من القراءة‮ . ‬فالصورة فائض الفكرة‮» ‬أما الوجود داخل الصورة فمعناه البقاء في‮ ‬مداها الزمني‮ ‬الممتد والمجهول‮» ‬كون الصورة في‮ ‬محصلتها النهائية كما‮ ‬يرى الباز هي‮ ‬الامساك بشيء وتثبيته على قطعة ورق،‮ ‬سواءً‮ ‬كان ذلك حائطاً‮ ‬قديماً‮ ‬أو لحظة نادرة‮» ‬فأمام سطوة الزمن الذي‮ ‬يزيل الأشياء لا تجد الذاكرة تعويذه أفضل من الصورة‮».‬
وماذا بعد‮..‬؟‮!‬
المنطقة الوسطى‮.. ‬مابين المعلمين السابقين‮..‬ماذا لدنيا‮.. ‬لدينا كثير الكثير‮.. ‬سنوجزه كما‮ ‬يلي‮:‬
‮> ‬المكان‮: ‬محمية عتمة‭ ‬محافظة ذمار‮.‬
‮> ‬الزمان‮: ‬أعوام خلال فترة الستينات من القرن العشرين‮.‬
> المشهد‮: «‬كوني‮ ‬فلاح وكوني‮ ‬ابن هذه الأرض‮.. ‬وفي‮ ‬منطقتي‮.‬كان أبي‮ ‬وأمي‮ ‬يوفدانني‮ ‬يومياً‮.. ‬قبل أن تصحو الطيور‮.. ‬إلى الحقل‮.. ‬كي‮ ‬أحميه من الغربان أو الطيور التي‮ ‬تأكل الذري‮».‬
هكذا إذن‮.. ‬الصغير عبدالرحمن حارس‮ ‬يقظ‮ ‬يدافع باستبسال منقطع الحيطة والتنبه عن مكونات حقله‮.. ‬صغراها وكبراها‮..‬لكنه فنان‮.. ‬إدراكه أكبر من عمره‮... ‬استجابته الجمالية لبدائع الطبيعة التي‮ ‬تحيطه‮.. ‬إشارة بالغة لحس مرهف‮..‬دليل على ذائقته متناهية الاندهاس لشتى التفاصيل التي‮ ‬تتخاطر تجاهه متدفقة إلى مختلف حواسه‮ ‬فيلتهمها بنهم مدمن على العسل‮.. ‬ما إن‮ ‬يعب كوباً‮ ‬منه حتى‮ ‬يتوق تلذذه إلى عشرة منه وأزيد‮..!‬
وها هو‮.. ‬في‮ ‬حواره سابق الذكر‮.. ‬ترسم لنا ذكرياته‮ .. ‬فياضة العبير‮.. ‬في‮ ‬تجسيد‮ ‬رائع لبهيج لحظاته اللامنسية تلك‮ »‬كنت أعيش أجواء تلك اللحظات البديعة في‮ ‬الريف اليمني‮.. ‬كنت أستمع لأغاني‮ ‬الطيور‮.. ‬لخرير المياه‮» ‬وماذا أيضاً‮..‬؟‮!.‬
إنه الإنسان‮.. ‬أساس المكان وجوهر الطبيعة‮.. ‬والذي‮ ‬انهمرت تأملات الفتى عبدالرحمن صوبه‮.. ‬على اختلاف جنسه ومهامه ومواقيته‮.. ‬فمن‮ « ‬حركة البتول مبكراً‮ ‬هو وثوره‮» ‬إلى راعيات الصباح مع قطعانهن و‮» ‬المحطبات واللواتي‮ ‬يوردين الماء‮» ‬وحتى تراتيل العبير المنداح من التفاصيل اليومية‮ »‬كنت أستمع إلى المطحن‮.. ‬وأشتم رائحة‮ «‬الخبز‮.. ‬خبز أمهاتنا وأخواتنا وفلاحاتنا‮..» ‬لكن كم كان عمره حينذاك‮... ‬عشر سنوات‮..!!‬؟ أقل‮.. !‬؟ أكثر‮..!‬؟
ما هم‮.. ‬المهم أنه فتى مغاير‮.. ‬إنسان آخر‮...‬وطد علاقة روحية مع الطبيعة منذ نعومة أظفاره‮ ..‬خواطره عنها‮.. ‬تأملاته فيها إصغاؤه لمعزوفاتها الأسطورية تدلك عليه وسنه‮.. ‬إنه من ذلك النوع النادر من البشر‮... ‬والذي‮ ‬لا‮ ‬يقاس عمره بعداد السنين لكن بمقياس خبراته وتجاربه ونمط علاقاته مع الآخر إنساناً‮ ‬و مكاناً‮.. ‬لحد أوصله إلى ضفاف الحلم‮.. ‬أن‮ ‬يمس وجده الوتر فيهامسه صداحا أنيقاً‮ ‬لكن بشرط هام‮: ‬أن تبقى دندناته الولهى أبدية التحنان خالدة التكرار لروائعها الساحرة‮..!.‬
إنها بحق بداية فنان حقيقي‮.. ‬أصيل فذ‮.. ‬مادام في‮ ‬سني‮ ‬شبابه المبكرات تلك هفا إلى معانقة مستحيلٍ‮ .. ‬ربما لم‮ ‬يساور قلب أمرئ حفنة سناء منه‮... ‬ممن أحاطوه حينها‮.. ‬وربما ممن جاؤا قبله ومن أتوا بعده‮ « ‬حينها كنت أشعر بشيء في‮ ‬نفسي‮ ‬يدفعني‮ ‬إلى الاحتفاظ بكل هذا الجمال في‮ ‬نفسي‮.. ‬كبر هذا الشعور إلى أن أصبح سؤالاً‮ ‬وهو كيف أعبر عن هذا الجمال‮. ‬كنت طفلاً‮ ‬ولم‮ ‬يكن بمقدوري‮ ‬حتى الكتابة بعد‮ .. ‬لكن ازدحام مخيلتي‮ ‬بهذا الجو كان‮ ‬يكرر علي‮ ‬نفس الرغبة ونفس السؤال كيف؟ ما هي‮ ‬الوسيلة التي‮ ‬تمكنني‮ ‬من أبراز ولو جزء من هذه البيئة‮.. ‬ومن هنا‮ ‬يمكن القول أن الطبيعة كانت ملهمي‮ ‬إلى هذا الجمال‮».‬

صاحب السحر‮..!‬
من منا‮ ‬يعرفه.؟ لا بل من منا لا‮ ‬يعرفه‮..‬؟‮!!‬
عبدالرحمن الغابري‮ ... ‬حروف اسمه‮ - ‬من كم‮ - ‬وهي‮ ‬مرادف لفن التصوير الفوتوغرافي‮.. ‬تعريف به‮.. ‬إشارة إليه‮.. ‬دليل عليه‮..!.‬
الغابري‮ ‬اشتغال إبداعي‮ ‬لا تعبير مهما كان مبتكراً‮ ‬يفيه حقه تجربه فنية بامتداد الجمال‮.. ‬التميز‮.. ‬الفرادة‮.. ‬إنه رؤية عبقرية لا‮ ‬يصفها كلام ولا‮ ‬يحيط بها معنى‮..!.‬
على امتداد مشواره الإبداعي‮ ‬حقق حضوراً‮ .. ‬أسس مدرسة خاصة به‮.. ‬صوته أصبح مميزاً‮ ‬جداً‮ ‬ولو اختلط بألف صوت‮.. ‬أسلوبه‮ ‬غدا فريد نوعه‮.. ‬ولو جاء مقلد وحاول مجاراته بشبيه مشهد أو مثيل لقطة هنا أو صورة‮ ‬هناك‮. ‬ولأن لكل شيء ثمن‮ .. ‬فلا بد من التغاضي‮ « ‬لأن التضحية مطلوبة‮» ‬يقول في‮ ‬حوار آخر‮ ‬أجراه معه محفوظ البعيثي‮ « ‬من أجل المحافظة على الود فيما بين زملاء المهنة‮» ‬لماذا وكيف‮..‬؟‮!.‬
أنما المعاناة الصامته التي‮ ‬يتجرعها مصور فوتوغرافي‮ ‬مثل الفنان الغابري‮ ..‬وذلك على صعيد الحقوق الأدبية لنتاجه الفني‮ ‬والتي‮ ‬تهدر علناً‮ ‬وعلى مستويين‮: ‬داخلي‮ ‬في‮ ‬شارع الصحافة‮ ..‬وخارجي‮ ‬في‮ ‬مسابقات ومهرجانات عربية معترف بها كما حدث معه في‮ ‬الكويت‮..!!‬؟ لكن ثمة عزاء خارج الحدود العربية‮ .. ‬دولياً‮.. ‬لقطات استثنائيات الحدث والكادر تجدها تحصد جوائز عالمية بعد أن طبقت شهرتها الآفاق‮.. ‬وعل أقرب دليل‮: « ‬توأم الفزع‮»..!! ‬
إنه الغابري‮.. ‬مهرجاناته الضوئية‮.. ‬اختر ما شئت‮.. ‬وسيداهمك ذات الإحساس‮.. ‬أنها قريبة منك‮.. ‬أنك تعرفها‮.. ‬أنها منك وفيك‮ .. ‬حتى وإن جهلت اسم المكان الذي‮ ‬أسرتك تفاصيله فواحة الحيوية بيسر وتلذذ وابتهاج‮.. ‬في‮ ‬زمن اقل ما‮ ‬يقال عنه أنه قياسي‮...‬وبجهد لن تبالغ‮ ‬أن وصفته بأنه لا‮ ‬يكاد‮ ‬يذكر‮..!‬
إن شئت أن تكون فوتوغرافياً‮ ‬ذائع الصيت‮.. ‬فعليك به‮.. ‬اقترب من عوالمه بتأن وعلى خطوتين‮... ‬الأولى‮ : ‬انصت لخبرته اللامحدودة لتقف حقاً‮ ‬على شروط النجاح‮:» ‬الوعي‮ ‬والثقافة وحب هذا الفن البديع‮» ‬لذا فعلى أي‮ ‬مصور‮ « ‬أن تكون عنيه‮.. ‬جميلة ويكون حسه ذكياً‮ ‬وأن‮ ‬يكتشف أسرارً‮ ‬الوطن وأن‮ ‬يتمتع بالذائقة الجمالية‮» ‬
وإليك‮ ‬خطواتك الثانية‮: ‬يواقيته النادرات‮.. ‬ارتشف ألوانها‮.. ‬تهجى مشاهدها من أعلى الكادر إلى أسفله‮ . .‬اقرأ الوجود بحب‮.. ‬تصفح الكائنات بفضول‮.. ‬ارتحل مع الأماكن بشغف‮.. ‬أدرس أدق دقائق تفاصيل لقطاته وستصل إلى معادلة مستحيلة التحقق‮.. ‬لكنها بشكل ما تجلت لكن‮ ‬غوامضها‮.. ‬وتكشفت لك مخافيها‮..‬وستكون جاهزاً‮ ‬للبدء‮.. ‬للسير وحيداً‮ ‬في‮ ‬مجاهل الفن وأغوار الفوتوغرافيا‮...‬وستشهد له سراً‮ ‬وعلانية‮.. ‬ذات جميل‮.. ‬أنه الرائد الحق بالمنازع‮.. ‬فأنت تعرفه تماماً‮ ‬إنه الفنان عبدالرحمن الغابري‮.. ‬
في‮ ‬معرضة الشخصي‮.. ‬تجول توقف تمعن در تأمل‮.. ‬وستجدك من تلقاء دهشتك وأنت تلمّ‮ ‬تراتيله العذاب بعيونك بخيالك بمتعتك بقلبك بكلك‮.. ‬ستجدك بوعي‮ ‬أو بلاوعي‮ ‬تردد مع مايسترو‮ « ‬أزاهير الشر‮» ‬شارل بودلير‮.. ‬التقاسيم التالية‮: « ‬إنها تشبه نعنعه الماء‮... ‬لا‮ ‬يفضل بعضها على البعض‮.. ‬تنفث السحر كالفجر‮ ..‬وتغدق السلوى كالليل‮.. ‬نفسها‮ ‬يتصاعد موسيقى‮ ... ‬وعطرها‮ ‬يضوع طيباً‮».‬
وسرعان ما ستقف على ما وراء الحيرة‮..!!‬؟
سحر كهذا لا تصنعه كاميرا‮.. ‬لا ولا تخلقه عدسة‮.. ‬
السحر كله مخبأ في‮ ‬صاحب السحر‮.. ‬فلا عينه كعينك‮..‬ولا رؤيته كأي‮ ‬رؤية‮.. ‬
كلمة السحر‮.. ‬ثمة أخرى‮..‬ثالثة‮.. ‬عين مجهولة الصفات‮.. ‬تقبع طي‮ ‬لفائف روحه السرية‮.. ‬هي‮ ‬من تصطاد له التفاصيل‮.. ‬إنها مرشده الصادق ودليله الأمين إلى فيروز المشاهد‮.. ‬إنها مجمعة‮..‬مكونه‮.. ‬مخلوقة من عناصر شتى‮ .. ‬أولها‮: ‬حب الحياة‮.. ‬وآخرها امتلاكه مقاليد الفوتوغرافيا‮..!.‬
لم‮ ‬يعد‮ ‬يحتاج لكاميرا مثل بقية المصورين‮.. ‬ما‮ ‬يحتاج إليه حقاً‮ ‬هو فضاء مغاير أو مألوف لا فرق‮.. ‬وميقات ما كان معلوم أو مبهم‮.. ‬وسيمضي‮ ‬بك إلى سماوات الروعة وفراديس الأروع‮.. ‬لأنه فارس محنك حفظ الميدان عن ظهر مهارة وصدر فراسة وقلب حدس‮.. ‬التجارب صقلت خبرته‮ ..‬فبات الأول والأمهر والأحذق‮. ‬قطف صورة عنده‮..‬هي‮ ‬مباراة شطرنج‮.. ‬مواجهة‮ ‬يخوضها للمرة الألف بعد الألف‮.. ‬بلا ملل أو ضجر‮..!!‬مسبقاً‮ ‬يدري‮ ‬تكتيك الخصم‮.. ‬يعرف تماماً‮ ‬ما نوع النقلة القادمة والخطة البديلة‮.. ‬لذا فهو مستعد لأي‮ ‬تحرك مهما كان على رقعة المنظر‮.. ‬سيكسب التحدي‮.. ‬سيكون الفائز بلا منازع مهما كانت الظروف وأياً‮ ‬كانت الاحتمالات‮ ..‬لأنه مصور فنان حتى قبل أن‮ ‬يضع إصبعاً‮ ‬على زر الفلاش‮.. ‬أو تلهفاً‮ ‬على عدسة كاميرا‮..!!‬؟

أساطير‮.. ‬توائم‮..!‬؟
الفنان الفوتوغرافي‮.. ‬مثله مثل أي‮ ‬مبدع آخر‮: ‬شاعر روائي‮ ‬موسيقي‮ ‬تشكيلي‮..‬إلخ‮.‬
الحياة المعاشة‮.. ‬المحيط البييء‮ .. ‬الموروث الثقافي‮.. ‬كل هذه العوامل‮ .. ‬وغيرها تعد عنده‮ ‬ينبوعاً‮ ‬ثر الإلهام‮.. ‬وما عليه سوى التدقيق والاختيار‮..‬لكن ثمة صعوبة تواجه ممارس الفن البصري‮ ‬خاصة الفوتوغرافي‮.. ‬فكل ما حوله وما‮ ‬يحيط به هو مصدر خصب‮.. ‬يفيد من‮ ‬يقصده وينفع من‮ ‬ينهل منه‮..‬لكن المسألة برمتها تحددها معايير أولية على شاكلة‮: ‬كيف‮ ‬يبدأ ويبدو والأهم متى ولماذا‮ ..‬؟؟‮!!‬
لنحصي‮ ‬شيئاً‮ ‬من المتاح والممكن‮:‬
‮> ‬الاتجاه‮: ‬مدينة‮ -‬‭ ‬ريف
‮> ‬المكان‮: ‬معمار‮ -‬‭ ‬أوابد‮ -‬‭ ‬بنى تحتية‮: ‬رئيسية وترفيهية‮.‬
‮> ‬التفاصيل‮: ‬سهول‮ - ‬وديان‮ - ‬بحار‮ - ‬شواطئ‮ - ‬صحاري‮ - ‬جبال‮ - ‬غابات‮ - ‬إلخ‮.‬
وبين ذلك كله وغيره‮: ‬الإنسان وشتى نشاطاته المألوفة إضافة إلى الكائنات على اختلافها‮.. ‬إجمالاً‮.. ‬إنه واقع خام تماماً‮ ‬وهو ليس المطلوب بالدرجة الأولى‮.. ‬إذ إن المطلوب أولاً‮ ‬وأخيراً‮..‬جملة وتفصيلاً‮:‬هو العلامة الفارقة‮.. ‬الأهم‮.. ‬الأروع‮.. ‬الأندر‮.. ‬الحجر الثمين‮..!! ‬الماس النفيس‮ ..‬لا جدوى منه عند استخراجه لأنه مشوه‮.. ‬مخفي‮ ‬ومطمور ومحاط بأكداس وأكداس من الأتربة والشوائب العالقة به‮..‬يحتاج لكثير جهد ممهور بخليط صبر وفن وذائقة‮.. ‬ليستطاع الوصول إليه من أجل تنظيفه وصقله‮.. ‬ليشرق البريق وتكتمل القيمة فتغدو الجوهرة الأغلى جاهزة حقاً‮ ‬للتمتع بها‮..‬وهو تماماً‮ ‬ما‮ ‬يضعه نصب حاسته الإبداعية مصور محترف مثل الفنان عبدالرحمن الغابري‮ ‬و إلا ما كانت الصورة التحفة عنده‮» ‬برهان للأشياء‮» ‬كما صرح في‮ ‬حواره مع وديع العبسي‮ ..‬مضيفاً‮ ‬دلالة أعمق‮ »‬الصورة مرآة تلفت انتباهنا إلى الجمال كما تلفت انتباهنا إلى القبح وفي‮ ‬كلا الحالتين تحرك فينا الرغبة إما نحو التأكيد على ما هو جميل أو انتقاد ما هو سيء‮» ‬ولا‮ ‬يكتمل تعريف كهذا إلا مع إضاءة أخرى تتعلق بالوطن‮.. ‬والذي‮ ‬يعتبره الغابري‮ ‬الفنان‮ «‬لوحة جمالية‮ ‬ينبغي‮ ‬الحفاظ عليها من أية أعمال تشوه هذا الجمال‮».‬
هكذا إذن‮.. ‬إنه مشوار عطاء إبداعي‮ ‬حافل‮ ‬يمتد إلى مسافات تربو على العقود الأربعة‮.. ‬زركشها بالمدهش والمثير من اللآلئ الفريدة خلال رحلاته التصويرية التي‮ ‬ينفذها بين حين وآخر‮.. ‬يتجلى فيها منتهى الفن على أجزاء في‮ ‬هيئة جواهر منتقاة تتفاوت في‮ ‬ألوانها وأشكالها وزخارفها وسنا إشراقها،‮ ‬وستفعل فيك مفعولها ستشرق وتغرب بك في‮ ‬أنحاء هذه‮ »‬البلدة الطيبة‮« ‬ستطوف مع تنويعاتها‮ »‬أرض الجنتين‮« ‬من أقصى صحرائها شمالاً‮ ‬إلى أقصاها شرقاً‮ ‬وما بين البحرين‮ ‬غرباً‮ ‬وجنوباً‮ ‬على قمم الجبال داخل الوديان ووسط القيعان،‮ ‬قريباً‮ ‬جداً‮ ‬من الغابات والأنهار والعيون بعيداً‮ ‬غُب التاريخ وسط القلاع والحصون وما جُهل أو عرف من أثار وأوابد عميقاً‮ ‬في‮ ‬قلب بدائع الجزائر اليمنيات‮..!‬
لقد حفظ الوطن همسة همسة وغمزة ولمسة‮.. ‬عشق كل ما فيه‮.. ‬أدمن على مهرجانات‮ ‬الطبيعة وأعياد الكائنات حتى‮ ‬غدا اليمن عنده مع كل رحلة تصوير جديدة‮ - ‬كتاباً‮ ‬يُعيد تصفحة بمجرد أن تقع لهفته على عنوانه،‮ ‬وهو كتاب‮ ‬غير كل الكتب،‮ ‬فمع كل موعد جديد في‮ ‬جهة أخرى مألوفة تجده‮ ‬يدخل مجدداً‮ ‬مغامرة اكتشاف مذهلة المقاييس‮..!‬
تقديسه للروعة‮.. ‬تبجيله للجمال‮.. ‬تواضعه إجلالاً‮ ‬للبهاء‮.. ‬يجعلة زائراً‮ ‬مبتدئاً‮ ‬ويطبع جولته التصويرية بطابع التهيب،‮ ‬فتراه‮ ‬يمارس لحظاته‮ - ‬ولحظاتها كذلك‮ - ‬وكأنها أولاه وتكون‮ ‬النتائج النهائية مرضية مبهرة،‮ ‬لا بل أكثر‮.. ‬سلسلة مفاجآت‮ ‬غير متوقعة له‮ : ‬جواهر جداد كنوز بكر‮ ‬يضيفها إلى ألبومه الشاسع‮ ‬الجودة والفرادة،‮ ‬كماً‮ ‬وكيفاً‮..!!‬
مع الغابري‮ ‬الفنان تجري‮ ‬الأنحاء على نحو مختلف‮ ‬عن‮ ‬غيره من المصوريين،‮ ‬للمشهد‮ - ‬ما كان‮ - ‬شروطاً‮ ‬ومعايير لا بد من توفرها حتى تكتمل الذروة،‮ ‬وهكذا وما إن‮ ‬يصل إلى المكان المستهدف حتى‮ ‬يستعد له كلياً‮ ‬يهيئ جوارحه كلها وهو‮ ‬يقف على ضفاف المكان‮ ‬يتمتم مفاتنه أولاً‮ ‬بشكل موجز‮.. ‬تماماً‮ ‬كما نطالع فهرس أحد الكتب‮ ‬الجديدة،‮ ‬ثم في‮ ‬ميقات محدد سلفاً‮ ‬تجده‮ ‬يُنقّل خطواته بهمس متيم مأسور اللب لحظة تغنيه بمعبودته‮.. ‬يتأمل حوله وحواليه متيقظة حواسه حد الإصغاء‮.. ‬كاميرته في‮ ‬يده وأصبعه على زر الفلاش‮.. ‬يدور بحذر وترقب قناص محنك‮ ‬يغوص في‮ ‬غياهب معسكر عدو‮ ‬غامض لا‮ ‬يعرف له أسلوباً‮ ‬ولا‮ ‬يدري‮ ‬ساعة ظهورة المباغت ولا كيفيته لذا لا بد من أقصى درجات الحيطة والانتباه‮.. ‬هجوم فجائي‮ ‬لنادرة مميزة‮ - ‬تشل الحواس لجماليتها‮ ‬المذهلة حد الخرس‮ - ‬تستوجب منه سرعة الرد بالبضغط على زناد الكاميرا لصد الهجمة وحصد المعركة والانتصار في‮ ‬حرب القوي‮ ‬والأقوى‮..! ‬
إلا أن توله الفنان عبدالرحمن الغابري‮ ‬باليمن أرضاً‮ ‬وإنساناً‮ ‬تاريخاً‮ ‬وحاضراً‮ ‬زاد عن حده طغى حتى على قدرته الشخصية على العشق اللامحدود،‮ ‬إنما في‮ ‬جزئية فيه رغم نأيها عن معظم تقاسيم‮ ‬الوطن‮ ‬المتلاحمات الملتقيات ببعضها البعض،‮ ‬أتدرون هذه الجزئية ما هي؟ إنها توأم أسطورته الأصل‮ : ‬محمية عتمة‮.. ‬إنها جزيرة سقطرى،‮ ‬لكن لماذا هي‮ ‬بالذات؟ ماسرها‮ ‬ياترى‮..‬؟‮!‬
في‮ ‬حوار البعيثي‮ ‬معه‮ ‬يجيبنا الفنان الغابري‮ ‬فهو أول فوتوغرافي‮ ‬يمني‮ ‬يبرزها من خلال معارضه الشخصية التي‮ ‬خصصها لسقطرى وماذا‮..‬؟‮! ‬بجهوده وإمكانياته الخاصة ولا ننسى قناعاته الذاتية التي‮ ‬دفعته‮ - ‬وما زالت تدفعه‮ - ‬إلى الاعتقاد أن سقطرى أجمل جزر العالم‮ »‬من حيث ما تختزله من مقومات سياحية ومناظر طبيعية ساحرة وما لها من تنوع بيئي‮ ‬وموروث حضاري‮«‬،‮ ‬موقف فكري‮ ‬كهذا لا بد أن نتاجة كان كثيراً‮ ‬والأهم مميزاً‮ ‬فما بين‮ (‬1989‮ - ‬2008م‮) ‬نظم الفنان الغابري‮ ‬ما لا‮ ‬يُحصى من الرحلات التصويرية أبجدها في‮ ‬سبعة معارض شخصية وعلى نفقته الخاصة‮ »‬كما عملوا من بعض الصور التي‮ ‬أخذتها لسقطرى طوابع بريد‮«‬،‮ ‬لكن من‮ ‬يصدق أن كل هذا الهيام بالمحبوبة سقطرى كانت لحظته الأولى مكاناً‮ ‬وزماناً‮ ‬علامة فارقة حقاً‮ ‬في‮ ‬مشواره الإبداعي‮.. ‬ولا أصدق تعبيراً‮ ‬من حكمة عميقة تمثلتها مقوله‮ : » ‬لا يرحل الإنسان بعيداً‮ ‬عن وطنه لدى هجره أهله ومفارقة أرضة بقدر ما‮ ‬يرحل داخله ويسافر نحوه ويصل إليه أكثر وأسرع كما‮ ‬يعيشه فيه وهو بعيد عنه في‮ ‬مغترب ما‮« ‬وهو العقد الذي‮ ‬انتظمت فيه حبات العقيق اليماني‮ ‬والتي‮ ‬تدرجت مفارقاتها مذ التعارف الأول بين المبدعين الكبيرين‮: ‬الغابري‮ ‬وسقطرى قرابة العام‮ ‬1970م،‮ ‬وهو في‮ ‬الشام منكب على دراسة باقة فنون بصرية وأدائية‮ » ‬الإخراج السينمائي‮ ‬التسجيلي‮ - ‬الموسيقى‮ - ‬المسرح‮« ‬أما وسيط‮ ‬التعارف‮ ‬الأزلي‮ ‬هذا فكان مجلة‮ ‬عربية نشرت في‮ ‬أحد أعدادها حينذاك استطلاعاً‮ ‬عن سقطرى،‮ ‬سطر معظمه بالكلمات على حساب الصور،‮ ‬وعلّ‮ ‬هذا هو ما حفزه على مشروعه السقطري‮ ‬لامتناهي‮ ‬الاستثنائية لحد جعله‮ ‬يقرر في‮ ‬حواره مع العبسي‮ ‬أن بكر رحلاته إليها كان‮ ‬لها تأثير كبير على حياته المهنية و»المهم أن هذه الرحلة إلى سقطرى نقلتني‮ ‬نقلة كبيرة‮«.‬

ختم
«‬الفنان عبدالرحمن الغابري‮ ‬كما عرفته من خلال معارضه التي‮ ‬أقامها في‮ ‬صنعاء،‮ ‬وكذلك ما نشر له من صور فنية في‮ ‬الصحافة واحد من الفنانين الذين‮ ‬يعملون على أن‮ ‬يكون للصورة دور جمالي‮ ‬بعيداً‮ ‬عن مهمتها الأيقونية،‮ ‬فهو لا‮ ‬يكتفي‮ ‬باختيار كادر الصورة أو زاوية المنظر إلى النموذج المصور،‮ ‬بل‮ ‬يعتمد على إضافة لمسته التي‮ ‬تجعل الصورة تكويناً‮ ‬أو إنشاءً‮ ‬بصرياً‮ ‬مفتوحاً‮ ‬للقراءة‮».‬
د.حاتم الصكر‮ -‬

مراجعات
1- البدايات والمحاولات‮ : »‬أمي‮ ‬أولاً‮« ‬يقول الغابري‮ ‬الفنان أما لماذا هي‮ ‬بالذات‮..‬؟‮! ‬ففي‮ ‬إضافته‮ : »‬لأني‮ ‬كنت أرى فيها صورة مكتملة لمكونات الأرض أمي‮ ‬ومن بعدها الحقل‮« ‬ثنائية الروح هذه وعشقه التام للفوتوغراف ثالوث حنين أطر بين أقواسة الخطوات‮ ‬الفنية الأولى‮ »‬المهم صورت أشياء كثيرة لكني‮ ‬كنت مهتماً‮ ‬أكثر بصورة أمي‮ ‬ولا أزال محتفظاً‮ ‬بها،‮ ‬كما لا أزال محتفظاً‮ ‬بأمي‮ ‬يرحمها الله في‮ ‬نفسي‮«‬،‮ ‬وكاميرته الأولى؟ تحصل عليها بجهد شخصي‮ »‬كانت بسيطة جداً‮ ‬في‮ ‬حجمها وإمكانياتها وكبيرة وشيئاً‮ ‬عظيماً‮ ‬وقيماً‮ ‬في‮ ‬نفسيتي‮ ‬عندما حصلت علهيا في‮ ‬الستينيات واستطعت أن‮ ‬أتعامل معها وأوظفها بصورة جيدة‮«‬
2- ‬شارع الملكية‮ : ‬كيف تتعامل الصحافة مع الصورة؟ كمالة عدد،‮ ‬ومع المصور؟ مواطن من‮ ‬الدرجة الأخيرة‮..! ‬مبالغة‮..!‬؟ تجن‮..!!‬؟ تجربة الغابري‮ ‬الفنان عندها الخبر اليقين،‮ ‬وفي‮ ‬تنهيدتين تقطران مرارة أليمة بدؤهما علاقة الصحافي‮ ‬بالمصور ثمة زمرة من الفئة‮ ‬الأولى تعتقد أنها من‮ ‬المحترمين لكنهم‮ »‬غير ذلك للأسف الشديد،‮ ‬حيث لا‮ ‬يهمهم ذكر اسم ملتقط الصورة بقدر اهتمامهم بذكر اسمائهم على المواد الصحفية التي‮ ‬تنشر ومنتهاها‮: ‬مع صاحبة‮ ‬الجلالة نفسها‮ «العديد من الصور التي‮ ‬تخصني‮ ‬نشرت بأسماء آخرين رغم أني‮ ‬الذي‮ ‬اعطيتها لتلك الصحف التي‮ ‬تنسبها للغير‮»!!‬
والضفة الأخرى ماذا عنها‮..‬؟‮!‬
ثمة حالة علها تشكل استثناءً‮ ‬لا قاعدة‮.. ‬ففي‮ ‬مسابقة إقليمية للتصوير أقيمت في‮ ‬دولة الكويت تخير الغابري‮ ‬الفنان لقطة فريدة‮ ‬إبهارها لأحد بنيه في‮ ‬سن الطفولة اليانعة،‮ ‬وهو بكل براءة وجمال فاتحاً‮ ‬فاهة‮ ‬يتثاءب‮.. ‬شارك بها وقد عنونها بلا تعقيد أو استعراض عضلات ثقافية باسم بسيط هو‮ »‬تثاؤب‮« ‬انتهت المسابقة ظهرت النتائج،‮ ‬لكن لم‮ ‬يصدق الغابري‮ ‬الفنان ما تطاير على مرأى منه ومسمع من مجريات‮.. ‬لقطته ذاتها هي‮ ‬هي‮ ‬لم‮ ‬يتغير فيها شيء أي‮ ‬شيء عدا‮ »‬أسخف ما نحمله‮«‬،‮ ‬حسب تعبير خالد الذكر نزار قباني‮ - ‬وهو الاسم،‮ ‬وهكذا فإن اللوحة‮ ‬الفائزة هي‮ ‬المسماة‮ »‬آلهة النوم‮« ‬وكان أن باركوا وهنوا وكرموا ملتقطها المبدع،‮ ‬لكن‮ »‬فوجئت في‮ ‬نهاية المسابقة أن الصورة التي‮ ‬قدمتها للمسابقة نسبت للغير‮ »‬لفتاة‮ ‬كويتية‮« ‬ونالت عليها المرتبة الأولى‮«..!!‬
3- ‬توأم الفزع‮: ‬واحدة من لقطات الغابري‮ ‬الفنان والتي‮ ‬طبقت شهرتها الآفاق على المستوى الدولي،‮ ‬وما ذاك إلا لتجذر ثقافة عميقة وبناءة تقوم على مبدأ إحترام الآخر وتقدير نتاجه والإعتراف قبل التعامل بقوانين حماية الحقوق الفكرية،‮ ‬يقول الفنان عبدالرحمن الغابري‮ ‬عن لقطته هذه‮ : »‬كانت لطفلين أو طفلتين نجيامن الزلزال الذي‮ ‬تعرضت له محافظة ذمار حينها عام‮ ‬1982م،‮ ‬فانحنيت لهما وكانت كل واحد منها محتضنة الأخرى صورتهما وكان الفزع ظاهراً‮ ‬في‮ ‬عينيهما،‮ ‬ولذلك كان لهذه الصورة تأثير كبير لدى الكثير‮.. ‬وقد نشرت ضمن مجموعة صور عن اليمن‮.. ‬تبين حجم كارثة الزلزال‮.. ‬وفازت عالمياً‮« ‬في‮ ‬‭ ‬world photo prss‮ ‬بهولندا عن الصورة الصحافية‮.‬
‮٤- ‬العقيق اليماني‮: ٠٧٩١‬م‮.. ‬دمشق الشام‮.. ‬شهر آخر وعدد جديد من مجلة العربي‮.. ‬أبرز ما فيه استطلاع عن جزيرة سقطرى‮ (‬كان الوصف رائعاً‮ ‬وجميلاً‮.. ‬رغم أن الصور قليلة‮) ‬دقة وصف الطبيعة السقطرية والتنوع البيئي‮.. ‬فعل فعله في‮ ‬قلب الغابري‮ ‬الفنان‮.. ‬والذي‮ ‬صادف نظائر كثر فيه‮.. ‬والأهم أن مفرداتها كانت من معظم ما أنجذب إلى سحره صغيراً‮ ‬وهو مأخوذ اللب بنجوم فردوسه العظيم‮: ‬محمية عتمة‮ (‬ولذلك قمت لحظتها بعمل مقارنة ذهنية بين حبي‮ ‬لهذه الأشياء وبين مكونات الطبيعة ووجدتها مغروسة في‮ ‬نفسي‮)‬،‮ ‬أحلام وتمنيات لكن لا منفذ‮.. ‬حتى لاحت المعجزة عام ‮٩٨٩١‬م‮.. ‬حيث‮ (‬جاءت الفرصة من خلال رحلة خاصة بتوحيد المنظمات الجماهيرية‮.. ‬كان فيها الأستاذ الراحل عبدالله البردوني‮)‬،‮ ‬وعَدّ‮ ‬من أدباء ومثقفين ومفكرين‮ ‬يمنيين وعرب‮.. ‬المصور الفوتوغرافي‮ ‬الوحيد بينهم كان الفنان عبدالرحمن الغابري‮ ‬والذي‮ ‬تفرغ‮ ‬لسقطرى تماماً‮ (‬عملت بجهد ومسحت سقطرى بالصور ليلاً‮ ‬ونهاراً‮).‬
‮٥- »‬والأذن تعشق قبل العين أحياناً‮«: ‬شطر بيت شعري‮ ‬مشهور نقشه في‮ ‬ذاكرة الدنيا خالد الذكر بشار بن برد‮.. ‬لو‮ ‬غيرنا موقعي‮ ‬الأذن والعين وقدمنا هذه الأخيرة‮.. ‬وأبدلنا الأذن بالقلب وأحياناً‮ ‬بغالب‮.. ‬فسيكون لمعادلتنا هذه نتيجة واحدة هي‮: ‬عبدالرحمن الغابري‮ ‬فنان مع مرتبة الموسوعية،‮ ‬ولا أدل على ذلك من الشواهد المستقاة من سيرته الذاتية‮.. ‬التي‮ ‬تقص حكاياته مع الإبداع البصري‮ ‬بأنماط متعددة من فنونه‮.. ‬فعلى صعيد الدراسة المتخصصة نجده حاصل على عدة دبلومات‮: ‬مسرحي‮ ‬وآخر موسيقي‮/ ‬سوريا ‮٣٧٩١‬م‮.. ‬الإخراج السينمائي‮ ‬التسجيلي‮/ ‬لبنان ‮٥٧٩١‬م‮.. ‬ودبلوم عالٍ‮ ‬في‮ ‬التصوير الفوتوغرافي‮/ ‬بغداد ‮٦٨٩١‬م وهو ما‮ ‬ينقلنا إلى الواقع العملي‮.. ‬حيث قام الفنان الغابري‮ ‬بتنفيذ عدة أعمال في‮ ‬مضمار الإخراج‮.. ‬فهو مخرج مسرحي‮.. ‬كما عمل كمخرج مساعد للفيلم التسجيلي‮ »‬كفر شوبا‮«.. وقام عام ‮٥٧٩١‬م بإخراج فيلم‮ »‬مكان الولادة فلسطين‮«‬،‮ ‬يضاف لهذا معارضه الشخصية‮.. ‬والتي‮ ‬توزعت بين المحلية منها حوالي‮ (٠٥) ‬معرضاً‮.. ‬وبين الخارجية‮.. ‬منها ستة معارض‮: ‬عربياً‮ (‬الكويت‮ - ‬العراق‮ - ‬ليبيا‮ - ‬عمان‮ - ‬تونس‮ - ‬الجزائر‮)‬،‮ ‬ودولية أقامها في‮ (‬أمريكا‮ - ‬روسيا‮ - ‬بريطانيا‮ - ‬ألمانيا‮ - ‬فرنسا‮)‬،‮ ‬أما على الصعيد الإداري‮.. ‬فلا تسجل لنا سيرته الذاتية والتي‮ ‬توفرت للكاتب،‮ ‬والمنشورة في‮ ‬ملحق الثورة الثقافي‮ ‬بتاريخ ‮٠٢/٢١/٨٠٠٢‬م،‮ ‬سوى منصب واحد هو مدير المسرح العسكري‮ ٥٧٩١- ٧٧٩١‬م‮.‬

إحالات
‮١- ‬عن شيء من حكاية الصورة‮: ‬حوار وديع العبسي‮ - »‬ملحق الثورة الثقافي‮« ٢٢/٢١/٨٠٠٢‬م‮.‬
‮٢- ‬الصحافة قائمة على الصورة‮: ‬حوار محفوظ البعيثي‮ - »‬صحيفة الثورة‮« ٠١/٧/٤٠٠٢‬م‮.‬
‮٣- ‬في‮ ‬البدء كانت الصورة‮: ‬لحسن موهو‮ - ‬جريدة الفنون‮ - ‬العدد‮ (٢٢) ‬أكتوبر ‮٢٠٠٢‬م‮.‬
‮٤- ‬التصوير الفوتوغرافي‮ ‬فن فن الرسم بالضوء‮: ‬عبدالمنعم الباز‮ - ‬جريدة الفنون‮ - ‬العدد‮ (٣) ‬مارس ‮١٠٠٢‬م‮.‬
‮٥- ‬تجربة الغابري‮ ‬التصويرية‮: ‬د‮. ‬حاتم الصكر‮ - ‬مجلة اليمنية‮ - ‬العدد‮ (٩١) ‬إبريل ‮٦٠٠٢‬م‮.‬

> ‬الحكاية القادمة‮: «‬كائنات» ‬آمنة النصيري‮.‬



تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 08:32 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-10995.htm