حسن اللوزي - لقد جعلتني الظروف العصيبة التي أحاطت ببلادنا وتفاقم الأزمة السياسية بصورة مرعبة أن أوقف نشر هذه الحلقة مما كتبته حول الفقيدة الراحلة الدكتورة رؤوفة حسن ومواصلة الكتابة حول تطورات الأزمة وها هي الغيوم المدلهمة تنقشع على أفق مرحلة الوفاق الوطني التي حرصنا أشد ما يكون الحرص وعملنا بكل الجهود من أجل الوصول إليها والانتصار للحكمة والاحتكام لإماء الحوار والعقل في يمن الإيمان والحكمة وهو ما تحقق بإرادة الشعب وقائده الحكيم الملهم وباقتدار نائبه القدير وبصيرته النافذة وتبصره وصبره الذي لا ينفد وبإرادة القوى الوطنية الخيرة والحمد لله.
نعم لقد جعلني ذلك كله أؤجل نشر الحلقة الثالثة والأخيرة من مادة الكتابة التي أنسكبت على حين غرة مع نبأ وفاة الراحلة الدكتورة رؤوفة حسن وأنا أحاول أن أرثيها!!.. وها أنذا استكمل ذلك لأسباب كثيرة أهمها محاولة الإنصاف والدعوة إلى الوفاء تجاهها سواء من جامعة صنعاء والاتحاد العام لنساء اليمن واللجنة الوطنية للمرأة ونقابة الصحفيين وكذلك بالنسبة للمؤسسات الإعلامية وخاصة مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر ومؤسسات المجتمع المدني وفي المقدمة من ذلك منتدى الرقي والتقدم للقيام بذلك ومحاولة الدفع بالآخرين من زملائها وطلابها نحو ذلك وخاصة وأن حياتها الحافلة تستحق التفرغ لدراستها من قبلهم وقبلهن!!
واستنباط كل ما يمكن التعلم منه من دروس الجهاد الأكبر في كافة الجبهات التي ناضلت فيها وخاضت غمارها بصورة ودراية وبلا هوادة!!.
نساء كثيرات جاهدن بكل ما أوتين من قوة معنوية وقدرات ذاتية وبكل ما امتلكن من إرادة حرة ومعرفة تعليمية وعلمية وبما أحرزته من وعي وطني وقومي وإنساني واستنارة عالية من أجل تغيير صورة المرأة في بلادنا وانتزاع حقها في مساواة الرجل والخضوع لمعايير واحدة في التنافس واقتناص الفرص ومن أجل أن يكون لها دورها في بناء الحياة وفي معركة المشاركة السياسية ومن أجل أن تصل إلى المكانة التي تستحقها كإنسانة تمتلك كل الحقوق التي يمتلكها أخوها الرجل وتؤمن في ذات الوقت بأن عليها ما عليه من واجبات نص عليها الدستور بوضوح دقيق وكامل وباعتبارهن شقائق الرجال.
رؤوفة حسن واحدة ممن سكن في عقلها وضميرها هذا الحق فالمرأة بتكوينها كإنسانة وبفطرتها وطبيعتها هي مكلفة كشقيقها الرجل فكما هي الأم والأخت والأبنة فهي الموظفة والعاملة والجارة والزميلة والطبيبة والوزيرة وعضو البرلمان وهي ذات الصفات الخاصة التي تجعلها لدى البعض في المنزلة التي وضعها فيها الدين الحنيف ومسئوليات الحياة وجهادها وقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم وكرم بني آدم..!! ومع ذلك لن نخوض في كافة الصفات التي تميزت بها المرأة .. أو الخلاصة التي تدور معها وحولها رابطة الخلية الأساسية في كل مجتمع ألا وهي الأسرة التي يتحقق بها المعنى الأساسي للاستخلاف وهي ذلك العمود الفقري للوجود وإن أخذت من ضلع طري ناعم .. لا تستقيم الحياة إلا بها .. وبدورها ومكانتها فيها كما أسلفنا في الإشارة السابقة وقد رأى فيها الشاعر العربي الثائر.. الحالم والمنصف أبو القاسم الشابي.. روعة المعبود سبحانه وتعالى في خلقه وحسن تصويره وتقويمه للإنسان.
ولقد كانت تكره أن تفرز كناشطة لأنها ترفض الفصل بين نشاط الرجل والنشاط النسائي بمعنى أنها كانت تعتبر ذلك كله نشاطاً اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً واحداً.. فالحركة الرجالية والنسائية هي حركة مجتمع واحد .. ويجب أن يعمل الجميع في خندق واحد من أجل انتصار المبادئ والقيم التي يؤمن بها الجميع وعندما تختار هدفاً وتبلور تصورها له في ذهنها وعلى الخارطة العملية فإنها تصمم على إنجازه.. ولا تتراجع حتى يتحقق بدون استعجال أو تعسف وإنما بتؤدة كما بالنسبة لمساهمتها المباشرة في تحقيق عدد من التكوينات الأكاديمية في جامعة صنعاء في مقدمتها كلية الإعلام برعاية ودعم مربي الأجيال العظيم الدكتور عبدالعزيز المقالح حفظه الله ورعاه.
إذا لا بد من إنصاف عبقرية هذه المرأة التي أعطت بسخاء فهي تعتبر بذاتها.. تفخر بوطنها وحضارته وخصوصياته ولا تتنازل عن ذلك أو تتزحزح عنه.
مع احتكاكها الواسع بالخارج العربي والأمريكي والأوروبي فهي كشخصية مثقفة تكره الاستلاب والتقليد الأعمى وتشمئز من الرطانة التي يمارسها البعض من فارغي الرؤوس وعاطلي الأفئدة ونساءً من الذين يخلطون حديثهم بلغتهم الحية بمفردات وجمل لغات أجنبية.. تعري ادعاءاتهم وخواءهم .. برغم الإيمان الواضح اليوم بأن امتلاك ناصية لغة أو لغات أخرى هي جزء لا يتجزأ من شخصية الإنسان العصري المتكامل..ويمثل فقدها فجوة معرفية كبيرة وإهمالاً خطيراً بالنسبة لكل إنسان في القرن الواحد والعشرين .. ومع ذلك فـ «رؤوفة» لم تغتر بما تعرف كما أنها لا تخجل من ظروف بلادها وميراث التخلف .. ولا ترى لليأس طريقاً إلى حياتها.. ودائماً ما تطلق البشارات.. وتتفاءل بكل ما يتحقق من إنجازات .. ولم تكن في عينيها أية غشاوة لترى وتنتقد.. وتقترح وتحكم..
ولذا أعطت عنايتها لكل قضايا الحياة ومشاكلها باعتبارها قضايا إنسان رجلاً كان أو امرأة.
شمائلها كثيرة كامرأة استطاعت أن تفرض نفسها وتقوم بدورها.. وتصنع منجزاتها وترحل مكتملة بكل ما حققت ولتترك لوطنها ولتاريخ المرأة اليمنية المكافحة صفحات مشرقة وقادت ثورة هادئة وعنيفة في حياتها الاجتماعية نابعة من عمق الثورة اليمنية المباركة ونقاء أهدافها الستة السامية ... ستكون لها آثارها على المدى القريب والبعيد ولا شك أنها استطاعت أن تسهم في تشييد الأساس الراسخ للانبعاث القيمي الأصيل لصورة المجتمع المنشود وللتحول الحضاري الجديد مع أخواتها الرائدات مخترقات الطريق الواضح .. للبناء ونشدان الجديد لوطن الإخاء والحرية والمساواة والشراكة المنتجة والبانية.. وتحقيق الثمار المباركة للتنافس والندية في عمق المجتمع التعددي الحي في يمن الثاني والعشرين من مايو المجيد. |