صنعاء نيوز/خالد الهروجي -
يقول الفيلسوف (رونالد اسبورت): "إذا لم تحاول أن تفعل شيئاً أبعد مما قد أتقنته، فإنك لا تتقدم أبدا"، والرئيس عبدربه منصور هادي، الذي يحظى بدعم محلي وإقليمي ودولي، مطالب اليوم بأن يعمل أكثر وأبعد مما كان يتقنه خلال فترة بقائه نائباً للرئيس السابق، لإنقاذ اليمن وتلبية تطلعات أبنائه نحو التغيير الحقيقي، وأعتقد أنه يستطيع تحقيق التطلعات المعقودة عليه من كل اليمنيين وشركائهم في الخليج والعالم الذين يرعون التسوية السياسية ويهمهم نجاحها.
واليمن التي تعيش منذ أكثر من عام، أوضاعا استثنائية صعبة، باتت اليوم مهيأة للتغيير أكثر من أي وقت مضى، ولا أبالغ إذا ما قلت أنني أشعر أن جميع اليمنيين، رجالاً ونساء، شباباً وشيوخاً، متعلمين وأميين، يلتفون جميعاً حول هدف واحد، هو "التغيير"، ويصرون على تحقيقه، وإن كان هناك خلافات غير جوهرية في بعض أدواته وأساليبه.
ذلك لأن التغيير أصبح ضرورة وطنية، ولم يعد فقط حاجة سياسية أو حزبية، بعد ما أصيبت الأمة بالجمود، واستشرى في نفوس الناس اليأس والقنوط، وفقدوا الأمل في تحسن أحوالهم وتبدل أوضاعهم، وهم مستسلمون لهذا الواقع المرير، الذي تحول إلى حائط صلب تتحطم على جدرانه كل التطلعات المشروعة، وتتكسر أمامه الأماني والأحلام الإنسانية، مهما كانت بسيطة ومحدودة.
والتغيير مهم أيضاَ، لتأسيس دولة النظام والقانون، التي لم نلمس وجودها في ما مضى من أعمارنا، وهو كذلك غاية شعبية لمعالجة كل الملفات الشائكة المطروحة على طاولة الرئيس وحكومة باسندوة وشركاء التسوية السياسية، وفي مقدمتها ملفات الجنوب وصعدة، وتوفير الأمن وإنهاء الانقسام المخيف في مؤسسة الجيش، وإصلاح وتدعيم الاقتصاد الوطني ورفع كفاءة الخدمات العامة.
ويتطلع اليمنيون للمس هذا التغيير من خلال تحسين وضعهم المعيشي، والقضاء على الوساطة والمحسوبية، التي أضحت عرفاً سائداً في طول البلاد وعرضها، ومن خلالها يمنح من لا يستحق حقوقاً يحرم منها من يستحقها، وهو أيضاً هدف للقضاء على الفساد بكل صوره وأشكاله، ووضع حد للرشوة التي تحولت من مذمة يقدح بها الراشي والمرتشي، إلى سلوك طبيعي يفاخر به الجميع باعتباره دالاً على نباهة العقل وشطارة التصرف.
كما أن ارتفاع نسب الفقر والبطالة، والتي بلغت مستويات مرعبة، وتحلل القيم المجتمعية النبيلة، كل ذلك جعل من التغيير مطلباً شعبياً لا رجوع عنه، وحلماً جمعياً من شأن تحقيقه إنعاش النفوس وضخ الدماء في العروق، والتطلع إلى مستقبل ينشده جميع اليمنيين، وقبل هذا وذاك إنعاش الأمل في نفوسهم لبدء مرحلة جديدة من حياتهم.
غير أن الشكوك والمخاوف المتبادلة بين شركاء التسوية السياسية وحكومة الوفاق الوطني، وانعدام الثقة بينهما، وتربص كل طرف بالآخر، تمثل أكبر عائق يقف في طريق الرئيس الجديد عبدربه منصور هادي، وإذا فشل هادي في إزالة هذه الشكوك والمخاوف، ولم ينجح في تعزيز عوامل الثقة بين شريكي النظام الذي سيديره خلال الفترة الانتقالية، فإنه بالتأكيد لن يتمكن من معالجة كل تلك الملفات، وسيجد نفسه أيضاً تائهاً بين المؤتمر الشعبي العام، وتكتل أحزاب "اللقاء المشترك"، وعاجزاً عن تطويعهما لصالح المشروع الوطني العام.
صحيح أن الأخطار محدقة بالجميع، والتحديات كبيرة، والأعصاب مشدودة، والأفكار مشوشة، بفعل ما يعتمل في البلاد منذ أكثر من عام، إلا أن كل ذلك لا يبرر الخلاف أو الاختلاف، بالاستناد إلى ادعاء القدرة من دون الآخرين، حتى وإن كانت هذه القدرة حقيقية، لأن الأولى من ذلك، هو الاعتراف بالآخر والقبول به وعدم إقصائه، وطالما ارتضينا هذه التسوية، التي تعد أنسب المخارج للحالة اليمنية المعقدة، فإننا اليوم أحوج ما نكون للتقارب والوفاق، وتعزيز الثقة بين مختلف الأطراف، وإنجاح التسوية السياسية، وإنقاذ البلاد والعباد من عواقب فشلها.