صنعاء نيوز - بكل أبعادها ودلالاتها المختلفة أول محطة رئيسة لتلك اللحظة التاريخية التي تمكنت من خلالها مكونات التيار الوطني المعتدل في السلطة وخارجها من استعادة توازنها النسبي المفقود منذ قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م، قد عادت إلينا بكل مؤشراتها الرئيسة ومن ثم أبعادها ودلالاتها المختلفة وما تحمله من خير لليمن دولة وشعبا أكثر إشراقا وسعة وحيوية وتأهبا.
- فالتيار الوطني المعتدل في السلطة وخارجها الممثل الشرعي والوحيد للتيار الوحدوي تقف قياداته وعناصره ومن ثم جماهيره برمتها على مشارف أهم مرحلة في تاريخ اليمن المعاصر قاطبة، بعد ان استعادت توازنها النسبي والمهم المفقود منذ ما يقارب الثلاثة عقود ونيف من الزمن، وقاربت على الإمساك بين أياديها بقوة على زمام الأمور منذ أن حسم الجزء الأكبر والمهم من الأمة أمره بصورة نهائية وسلم مصيره كله بين أيادي رجاله بتاريخ 25/3/2011م، كي تتوالى من بعدها طبيعة ومستوى ومن ثم حجم القفزات النوعية والسريعة والتدرجية التي حققها التيار الوطني المعتدل بهذا الشأن ضمن استراتيجية وطنية طموحة ومحددة الملامح الرئيسة سلفا بدأت تباشيرها بالظهور منذ ما يقارب العقد ونيف، للوصول باليمن دولة وشعبا إلى بر الآمن والأمان بمراعاة عامل السرعة والزمن والكلفة.
- وضمن هذا السياق تتمحور أهمية تناول هذا الموضوع من هذه الزاوية وفي هذا التوقيت تحديدا، كي يتسنى لنا إلقاء حزمة من الأضواء المركزة على بعض أهم المعالم الرئيسة للحظات التاريخية الحالية الأكثر أهمية، والتي من خلالها سوف نحاول إرسال مجموعة من الرسائل المفتوحة لكافة عناصر وجماهير التيار الوطني المعتدل؛ نشير في أحد أجزائها إلى بعض أهم مضامينها البارزة الداعية إلى أهمية بل وضرورة التفاؤل والاطمئنان كثيرا بشأنها، وصولا إلى الشد على أياديهم بقوة كي يرفعوا من طبيعة ومستوى ومن ثم حجم تحركاتهم (النوعية/الكمية) على أرض الواقع كي تمثل الحد الأعلى من أولويات المصلحة الوطنية العليا في اتجاه تثبيت مرتكزات المشروع النهضوي الوطني بشقيه المادي والمعنوي على حد سواء..الخ، باعتبارها العامل الأكثر تحفيزا في اتجاه استنهاض الهمم والقدرات المادية والمعنوية المتاحة وغير المتاحة، سيما ما تعلق منها بخصوص نطاق حدود الفرصة المتاحة بين أياديهم في المرحلة الحالية والقادمة التي يجب وليس ينبغي أن تكون فارقة واستثنائية بحد ذاتها في كيفية التجاوب معها- كما- أشرنا إليها في مقالنا المنشور في صحيفة 26 سبتمبر بتاريخ 16/2/2012م تحت عنوان (قراءة في البعد الاستراتيجي: اليمن وإمكانية التحول إلى دولة بحرية عظيمة)، وتاريخ 15/3/ 2012م تحت عنوان (حول شكل ومعايير نظام الحكم المحلي الأمثل الذي نريده)، وبصورة تفوق كافة التوقعات.
- وفي الجزء الآخر منها أحذرهم بشدة بل وأعظ عليها بالنواجذ بأن إرهاصات هذه اللحظة التاريخية لم ولن تدوم كثيرا، لأنها سوف تتلاشى مثلها مثل غيرها، في حال برزت معطيات ظرفية جديدة مناهضة ومناوئة لها في البيئة الداخلية والخارجية.
- ومن الجدير بالذكر إن مسألة إحداث أية نقلات نوعية ترتقي إلى مستوى هذه اللحظة في واقع المسار السياسي الحالي، وصولا إلى التنموي الذي حددته المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة، يعد في حد ذاته انجازا كبيرا غير مسبوق في تاريخ اليمن المعاصر إلا في تلك الفترة المحدودة لا بل والوحيدة الواقعة بين عامي (1974-1977م)، التي قبضت فيه عناصر التيار الوطني المعتدل على زمام الأمور كلها بصورة نسبية، في ضوء ما سوف توفره من معطيات ظرفية متعاظمة حول مدى إمكانية إحداث نقلة نوعية واسعة في الواقع اليمني الحالي، سوف تظهر أبرز معالمها الرئيسة في فترات زمنية قصيرة لاحقة بحيث لا تكاد تعد في عمر تطور الأمم والشعوب، في حال تم استغلالها إلى أقصى حد ممكن.
- فالعناصر الحالية من القيادات العليا في الدولة وما دونها إلى حد كبير، التي أنيط إليها إدارة شئون الدولة والمجتمع قد تركزت في معظمها في حدود نطاق المناطق الجنوبية والوسطى كـ(رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس الشورى،...) وقرابة ثلثي الوزراء في حكومة الوفاق الوطني...الخ، على أساس أن هذه اللحظة ما هي سوى تكرار لنفس إرهاصات اللحظة التاريخية الماضية عندما قررت القيادة التاريخية لإدارة الرئيس إبراهيم ألحمدي أن ترمي بكل ثقلها في اتجاه الإقليم الأوسط من البلاد ليس جزافا وإنما بالاستناد على مضامين القرار الوطني التاريخي الذي اتخذته بالسير قدما نحو تحقيق أولويات المصلحة الوطنية العليا على حساب أية مصالح أخرى مهما كانت طبيعة ومستوى ومن ثم حجم العناصر التي تقف عندها، سيما ان هذا الأمر اتضحت معالمه الرئيسة في ضوء ما كان يمثله الإقليم الأوسط من إمكانات بشرية مؤهلة بالمقارنة بالأقاليم الأخرى لا غنى عنها البتة بهذا الشأن، الذي شكل من وجهة نظرها محور الارتكاز الأساسي في إمكانية بناء مرتكزات الدولة المدنية الحديثة المنشودة التي لا يمكن أن تقوم إلا على أساس العلم والمعرفة والثقافة والوعي، وهي تجسد نفس المضامين الوطنية التي تحكمت بالتوجهات السياسية للتيار الوطني المعتدل الحالي الذي رمى بكل ثقله الاستراتيجي في استنهاض تلك المعاني والدلالات عندما قررت قياداته وعناصره المضي قدما بدون أية تردد ومهما كانت التضحيات في هذا الأمر، بالاستناد إلى مفردات خارطة الطريق الجديدة (المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة) بكل مؤشراتها ومعانيها ودلالاتها وثيقة الصلة بهذا الشأن- هذا أولا.
- أما ثانيا- فتتمثل بطبيعة ومستوى ومن ثم حجم المعطيات الظرفية في البيئة الداخلية والخارجية الممهدة والدافعة لهذا الأمر، والتي تفرضها أولويات المصلحة الوطنية والحيوية المشتركة العليا على كافة المستويات- كما- هو حاصل في الوقت الحاضر أكثر منه محاولات داخلية لاستغلال ظروف سياسية بعينها أسهمت فيها وفرضتها متطلبات سياسية الاستقطاب الثنائية القائمة آنذاك في البيئة الدولية والإقليمية- كما- كان حاصلا في عقد السبعينيات، بحيث لم تلقى توجهات ومسارات التيار الوطني المعتدل بهذا الشأن أية تجاوب خارجي يعتد به مثلما هو حاصل في الوقت الحاضر، في ضوء استمرار بقاء وغلبة العوامل الرئيسة المناهضة والمناوئة له من الأساس، في حين بقى المتغير الشعبي وقواه الوطنية بعيدا عن مصادر صنع القرار وتنفيذه طوال هذه الفترة، على الرغم مما حققته قيادة التيار الوطني المعتدل من تقدم لا بأس به لا يمكن تجاوزه أو تجاهله في هذا الشأن إلا أنه كان طفيفا ومتأخرا جدا.
- أما التيار التقليدي المحافظ (القبلي) والمتطرف (الديني) المعادي لليمن دولة وشعبا فقد تلقى ضربات مركزة عديدة في أكثر من اتجاه، أفقدته توازنه النسبي إلى حد ما ومن ثم أوقفته عن الحركة وجمدت نشاطه إلى حد ما بصفة مؤقتة، لكنها لم تكن نوعية إلى تلك الدرجة التي تزيحه من أتون المعادلة الداخلية برمتها من خلال إجراءات سياسية وتنموية ضخمة ونوعية ضمن استراتيجية وطنية طموحة ومشروعة معدة لمثل هذا الغرض، لأنه عندما قررت القيادة السياسية البدا بأول هذه الإجراءات بشقها السياسي بهدف توحيد الجبهة الداخلية ورص صفوف قواها بتشكيل كيان سياسي- حزبي جديد يضم كافة التيارات والحركات الفكرية والسياسية والاجتماعية في المجتمع أطلق عليه (المؤتمر الشعبي العام) التي اتفقت كافة عناصرها على الثوابت الوطنية ومن ثم على استعدادها الكامل لتحمل المسئولية التاريخية لقيادة اليمن دولة وشعبا إلى بر الأمن والأمان، لم يكن ذلك التوجه مبعثه استراتيجية وطنية يغلب عليها البعد التنموي أكثر منه السياسي- الأمني.
- أما لماذا ؟ فنرد بالقول بأن الوقت قد كان متأخرا جدا لمثل هكذا توجه، حيث ان الباعث الأساسي له- برأينا- كان هو البعد السياسي- الأمني، على خلفية ما أبدته الأطراف المحلية بامتداداتها الإقليمية والدولية المناوئة له من استعداد تام لتسلم زمام الأمور والخوض في أتون سيناريو تصفية النظام الوطني برمته وحرف ومن ثم تصفية مسيرته كليا من على الخارطة المحلية ضمن إستراتيجية دولية بأبعادها الإقليمية والمحلية معدة لمثل هذا الغرض في عموم المنطقة بدأت تتضح معالمها الرئيسة منذ العام 1976م وهذا ما سنتطرق له في مقالة لاحقة بهذا الشأن. فالضربات شبه الموجعة المباشرة غير المتوقعة التي تعرضت له مسيرة التيار الوطني المعتدل في عقد السبعينيات جاءت من الداخل أكثر منه الخارج، والذي تقف ورائه عناصر ناشطة وحاقدة تابعة للتيار التقليدي المناؤى والمناهض لتوجهاته ومساراته الوطنية ومن ثم لإمكانية قيام الدولة المدنية الحديثة المنشودة بالتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة مع الخارج، والتي كانت مازلت جزء مهم من السلطة وحزبها الحاكم (التنظيم الناصري) آنذاك، في ضوء بقاء الشعب وقواه الوطنية بعيدا عنه، على خلفية ما لعبته هذه العناصر من أدوار رئيسة وخبيثة في عرقلة مسيرة التيار الوطني المعتدل على كافة الاتجاهات وفي هذا التوقيت الحرج جدا.
- وفي وقتنا الحاضر فقد استعاد التيار الوطني المعتدل في السلطة وخارجها عظمة هذه اللحظات منذ أن أنزاح عن كاهله الجزء الأكبر والمهم من العبء الثقيل جدا منذ تاريخ 18/3/2011م الذي مثلته رموز وعناصر القوى التقليدية المحافظة والمتطرفة، التي تركت مكانها في المعادلة الداخلية الذي تشغله منذ محاولة الانقلاب الأسود الذي قادته الحركة الناصرية وتيارها المعتدل ضد الرئيس الصالح بتاريخ 14/10/1978م، باختيارها وفي غفلة من الزمن، في محاولة للانقضاض على السلطة كلها، وبلغت حد الذروة بخروج الأمة اليمنية عن صمتها مباركة ومعلنة استعدادها التام للوقوف معه رجالا وفكرا ومشروعا حتى بلوغ مأمنه بتاريخ 25/3/2011م، وهو ما نجح لحد الآن التيار الوطني المعتدل في استغلاله إلى أقصى حد ممكن في ضوء ما نستشفه من مؤشرات ومن ثم من معاني ودلالات لها شأنها في هذا السياق اشتملت عليها مفردات خارطة الطريق الجديدة في الشكل والمضمون.
- وهذا ما يجب أن يسعى التيار الوطني المعتدل ورائه بدون تردد؛ من خلال قفزات نوعية ومركزة لشغل هذا الفراغ ضمن استراتيجية وطنية طموحة ومسئولة معدة لمثل الغرض، محورها تسليم البلاد لأصحاب القوة والمصلحة الحقيقية فيها (الشباب) المتسلح بالعلم والمعرفة والخبرة والمشبع بالروح والقيم الوطنية والدينية والأخلاقية الذي لديه الاستعداد التام للبذل والعطاء مهما كان ولائه ما دام ينتمي لليمن دولة وشعبا وثوابت ثورتي سبتمبر وأكتوبر والوحدة اليمنية العظيمة. |