صنعاء نيوز - لم تكن أحداث اليمن محط اهتمام وسائل الإعلام العربية والدولية بالصورة التي كانت عليها في عام 2009م، فهذا العام شهد الكثير من التطورات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية. بدأ العام باتفاق فبراير (شباط) بين حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وأحزاب المعارضة المنضوية في إطار تكتل أحزاب اللقاء المشترك، وهو الاتفاق الذي نظر إليه حينها على أنه اتفاق جاء ليضع حدا للأزمة السياسية، ونص على تأجيل الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في أبريل (نيسان) 2009م عامين كاملين، يتم خلالهما إجراء جملة من الإصلاحات السياسية والقانونية، تسوي الملعب السياسي والانتخابي.
غير أن تلك الأزمة السياسية والتي كان ينظر إليها على أنها عاصفة ومهمة، أصبحت خلال أشهر قلائل عادية مقارنة بالأزمات الجسام التي طرأت، فالحرب بين القوات الحكومية والحوثيين تجددت في نسختها السادسة، وهي الأعنف منذ اندلاع الصراع والنزاع المسلح شمال اليمن، فقد اندلعت الحرب السادسة في أغسطس (آب) الماضي وما زالت مستمرة، ولا يوجد في الأفق ما يؤكد أنها يمكن أن تتوقف قبل أن يتوقف عداد 2009 ويرحل.
في جنوب البلاد، صعدت قوى «الحراك الجنوبي» من أنشطها الاجتماعية والداعية إلى «فك الارتباط» بين شطري البلاد الشمالي والجنوبي، بعد أن توحد، بصورة سليمة واندماجية في اليوم الذي كان تاريخيا ومشهودا، عندما رفع علم دولة الوحدة (الجمهورية اليمنية) في مدينة عدن، في 22 مايو (أيار) عام 2009م، على أنقاض الدولتين السابقتين (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) و(الجمهورية العربية اليمنية).
وكان الحدث الأبرز والمترافق مع تصاعد الأعمال الاحتجاجية في الجنوب هو ظهور علي سالم البيض، آخر رئيس للشطر الجنوبي، والذي وقع اتفاقية قيام الوحدة اليمنية مع نظيره الشمالي علي عبد الله صالح، في ذلك اليوم المشهود، 30 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1989م، تزامنا مع ذكرى استقلال الجنوب عن بريطانيا. فقد أعلن البيض عودته إلى ممارسة العمل السياسي بعد أن ظل لخمس عشرة سنة منعزلا وصامتا في منفاه بسلطنة عمان التي غادر إليها عقب هزيمة قوات الجنوب في الحرب الأهلية التي دارت رحاها في صيف عام 1994م، وانتصرت فيها قوات الشمال أو «قوات الشرعية»، كما سميت حينها، وخرج شريك الوحدة (الحزب الاشتراكي اليمني) من الحكم، وفر قادته وكوادره إلى أصقاع عدة من دول العالم، البيض غادر عمان إلى ألمانيا، وأعلن من هناك تزعمه لحركة الاحتجاجات الجنوبية (الحراك الجنوبي)، وهو الأمر الذي مثل عاصفة سياسية، نظرا لما يمثله الرجل ولكونه شريكا في قيام الوحدة والجمهورية وذراعها الشرعية الثانية، إضافة إلى أن هذا الظهور أعطى دفعة قوية لقوى الحراك التي استخدمت الشارع وسيلة للتعبير عن الاحتجاجات والمطالب، رغم القمع العسكري والأمني الذي جوبهت به من قبل السلطات في صنعاء، ورغم سقوط العشرات بين قتيل جريح في تلك الاحتجاجات، كما أن ظهور البيض حاصره بسيل من الأسئلة حول ماضيه الوحدوي، ثم ظهوره «الانفصالي»، إن جاز التعبير.
في عام 2009، أكد تنظيم القاعدة مجددا حضوره القوي في اليمن، فقد أعلنت «القاعدة» في اليمن والمملكة العربية السعودية اندماجها في تنظيم واحد، وشهد العام عدة عمليات إرهابية في حضرموت ومأرب وصنعاء، وكانت أبرزَها عمليتا حضرموت وصنعاء، وقبل أن يلملم 2009م أسابيعه الثلاثة الأخيرة، كانت أجهزت الأمن اليمنية نفذت عمليات أمنية وعسكرية غير مسبوقة، ومزدوجة، استهدفت مناطق في العاصمة صنعاء ومنطقة المعجلة بمديرية المحفد بمحافظة أبين، والغارة الجوية التي استهدفت المنطقة الأخيرة أثارت جدلا وسخطا ولغطا في جنوب البلاد، لأن عشرات المدنيين سقطوا فيها بين قتيل وجريح، وربما تمتد آثارها لأمد من الوقت في 2010، إضافة إلى عملية نوعية استهدفت وكرا لـ«القاعدة» في محافظة شبوة الجنوبية، سقط فيها عدد من عناصر التنظيم البارزين.
لكن ما يمكن قراءته في هذا المشهد هو أن «القاعدة» في اليمن هي تنظيم إرهابي، ولها وجود، خاصة بعد إخفاقات ونجاحات أجهزة الأمن اليمنية في الحرب مع الإرهاب، مقارنة بالنجاحات الأفضل في هذا المضمار لدى الجوار وتحديدا السعودية.
ملف رابع شهدته اليمن في 2009، هو الحريات الصحافية التي يقول المراقبون إنها «تقلصت» كثيرا هذا العام، فمع تصاعد الاحتجاجات في الجنوب والحرب في الشمال، كانت الصحافة اليمنية هي الضحية للإجراءات الحكومية ممثلة بوزارة الإعلام، والتي تمثلت - الإجراءات - في عمليات مصادرة للصحف وسحبها من الأسواق، وإيقاف ومنع من الطباعة، وحجب المواقع الإخبارية الإلكترونية، واعتقال صحافيين ومحاكماتهم تحت «يافطة» تطرح وهي «المساس بالوحدة الوطنية»، وتلك الإجراءات التي تقول المنظمات الحكومية اليمنية إنها مخالفة للدستور وتعهدات الحكومةاليمنية، وانعكست بصورة سلبية على سمعة وصورة اليمن لدى المحافل الدولية، حيث وجهت الكثير من المنظمات الدولية انتقادات لاذعة إلى اليمنواعتبرت ممارسة مهنة الصحافة فيها من المسائل الخطرة.
أما الملف اليمني الخامس فهو الاقتصاد الذي يعتمد بصورة كبيرة على عائدات النفط، والتي سجلت مع أواخر العام تراجعا بنسبة 65%، خلال أشهر العام الأولى، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2008م، والاقتصاد في اليمن حكاية مأساوية، فالطبقة الوسطى تتلاشى، ومساحة الفقر والبطالة تزداد رقعتها اتساعا، بصورة انعكست على الجانب الاجتماعي والأمني، ويرجع بالطبع كثير من الناس جل مشاكل اليمن إلى الفساد المالي والإداري المتفشي في البلاد والذي يقول البعض إن مكافحته تظل حديثا حكوميا من دون أن يتعدى ذلك إلى الأفعال.
وإزاء هذه الملفات اليمنية الشائكة والمتشابكة، لا بد من استشراف للمستقبل، ولو بصورة نسبية، فالدكتور عبد الله الفقيه، أستاذ العلوم السياسية، بجامعة صنعاء، يضع «سيناريوهين»، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، لعلاقة السلطة والمعارضة في اليمن في عام 2010، الأول وهو الأكثر احتمالا في الوقوع، بحسب الفقيه، هو أن «تتفاقم أزمات اليمن القائمة، وتزداد الفجوة بين السلطة والمعارضة اتساعا، وأن يصبح من الصعب إن لم يكن من المستحيل حدوث أي تقدم على الجبهة السياسية سواء فيما يتعلق بالحوار أو الإصلاحات»، ويعتقد الفقيه أن ما يرجح حدوث هذا السيناريو هو «التشدد الذي يبديه النظام تجاه المعارضة والحوثيين والحراك الجنوبي، وعجز الحكومة في الوقت ذاته عن التغلب على التمرد في الشمال أو الحراك في الجنوب»، إضافة إلى «احتدام أزمة انتقال السلطة وخصوصا في ظل النص الدستوري الذي يحظر على الرئيس الترشح بعد عام 2013، حيث سيجد صالح معارضة شديدة لأي تجديد أو تمديد أو توريث السلطة في أسرته، وهو ما سيجعل الصراع بين الأطراف السياسية ضاريا، وعلى افتراض عدم انهيار الدولة اليمنية تحت ضغط التحديات الجسيمة أو تحت ضغط الصراع السياسي الذي سيزداد تفاقما فإن الأمر الأكثر احتمالا هو استمرار التفتت السياسي وتبلور المزيد من القوى الصغيرة ذات الطموحات الكبيرة».
أما السيناريو الأقل احتمالا الذي يضعه الأستاذ الجامعي اليمني في الحدوث فهو «سيناريو الإنقاذ، والذي يمكن أن يتحقق إذا قررت دول الخليج العربي ومن خلفها المجتمع الدولي التدخل بقوة في اليمن عن طريق الوساطات بين الأطراف المتنازعة وحل الصراعات سلميا، والضغوط السياسية والاقتصادية الكفيلة بقيام إصلاحات واسعة تفعل المشاركة السياسية والمؤسسية وتحارب الفساد، والمعونات الاقتصادية الكبيرة الكفيلة بحدوث قفزة في التنمية الشاملة»، وفي حال حدوث السيناريو الثاني فإن الفقيه يتوقع أن تبدأ «العلاقة بين السلطة والمعارضة وبين الأطراف السياسية بشكل عام بالتحسن».
أما فيما يتعلق بالإرهاب فإن عبد الإله حيدر شائع، الصحافي المتخصص في الشؤون الأمنية والجماعات الإسلامية في اليمن، يقول إن «القاعدة» بدأت عام 2009 بالمرحلة الثالثة في خطتها، وهي «مرحلة التوسع والانتشار باندماج القيادة السعودية واليمنية تحت مسمى (القاعدة في جزيرة العرب)، وضمت ولأول مرة قيادات سعودية وأجنبية مفترضة ضمن صفوف قيادية تنفيذية وعضوية مجلس الشورى»، وهو الأمر الذي «يجعل اليمنمقرا إقليميا لقيادة التنظيم المركزية في المنطقة، بما يؤمن اتصالاته مع القيادة المركزية العالمية في أفغانستان، ويتواصل مع الفروع في الأقاليم الأخرى القريبة والبعيدة كالصومال والعراق تنسيقا للعمليات وتبادلا للخبرات ورفدا بالمتدربين والعناصر القتالية».
ويضيف حيدر في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» أنه «صاحب المرحلة الثالثة في الموجة الثالثة لـ(القاعدة) في شبه الجزيرة العربية اهتمامها بالجانب الإعلامي والدعائي، وحرصها على مخاطبة الجمهور عبر الصحافة المحلية والإعلام الأهلي الحزبي والمستقل بسبب الظروف البيئية المناسبة لها في ظهورها الجديد في اليمن»، كما أصدرت «القاعدة» سبعة أفلام وثائقية عالية الجودة وخمسة أعداد من المجلة الدورية «صدى الملاحم»، بالإضافة إلى دراسات حول شرعية النظام في اليمن وعملية استهداف السياح.
ويطوي هذا العام صفحته، وتبدأ صفحة جديدة أخرى، بعام جديد، يحمل أثقال العام الذي سبقه والمهام الملقاة على عاتق القيادة اليمنية في معالجة ملفاتها، لأنه لا بد من ذلك، فاليمن ليس بلدا منعزلا، بل يؤثر ويتأثر بمحيطه، فهل سيتمكن اليمن وقيادته خلال 2010م، من إنهاء تلك الملفات، أم أننا سنناقشها بعد عام من الآن ؟!.
المصدر : الشرق الأوسط
|