الجمعة, 03-أغسطس-2012
صنعاء نيوز /د. غسان شحرور -
في الـسادس من آب/أغسطس سنة 1945، مع نهاية الحرب العالمية الثانية، أطلقت إحدى الطائرات الأمريكية أول قنبلة ذرية صنعها الإنسان على مدينة "هيروشيما"، فدمرت نحو 90% من مباني ومنشآت المدينة، وقتلت أكثر من ثمانين ألف شخص، كما جرحت تسعين ألف شخص آخر، وشردت عشرات الآلاف. كانت الأبخرة الناجمة عن التفجير ذات قطر يقدر بميل ونصف، كذلك امتد اللهب لأكثر من ثلاثة أميال.

قال شهود العيان:

"لقد ... شاهدنا منظراً فاق كل ما شاهدناه من قبل، إنه تحول وسط المدينة إلى رقعة بيضاء مسطحة ملساء شبيهة بكف اليد، سرعان ما اختفى كل ما عليها. وبدا أن أثر المنازل نفسها قد اختفى. كان قطر الرقعة البيضاء لا يتجاوز الكيلومترين، وكانت محاطة بحزام أحمر، رسم معالم المنطقة، التي احترقت فيها المنازل، وامتد إلى مسافة أكبر، مغطياً كل ما تبقى من أجزاء المدينة تقريباً".



كما قالوا:

بعد ثوانٍ معدودة فقط من وقوع الانفجار "ضربت موجة حر شديد آلاف الأشخاص في الشوارع والحدائق وسط المدينة، فسقطوا مثل الذباب، متأثرين من شدة الحرارة. بينما سقط آخرون ملتوين حول أنفسهم، وهم يحترقون بشكل فظيع. واختفت من على سطح الأرض، كل المنازل الخاصة، والمستودعات، وغيرها، وكأنها نسفت بقوة غير طبيعية، وتناثرت عربات النقل، على بعد مسافات، وكأنها فقدت كل وزنها، وقذفت عربات القطار بقوة بعيدا عن سكة الحديد. نعم، توقف نبض الحياة في هذه المدينة المنكوبة".



حتى الآن، لا تزال آثار هذه القنبلة في البيئة المجاورة والبعيدة، وتؤدي إلى أمراض وتشوهات عديدة بين سكان تلك المناطق، علما أن تلك القنبلة الذرية التي استخدمت في ضرب هيروشيما، تعد متواضعة وصغيرة بمقاييس الأسلحة النووية الموجودة حالياً في العالم، والتي يبلغ عددها نحو 23 ألف رأس نووي، في ترسانات 9 دول نووية.



لا يزال شبح هذه الأسلحة الفتاكة يراود الإنسان، في كل مكان، فهي تهدد، وفي كل لحظة، البنية التحتية للحياة على وجه الأرض، فقد تنفجر بسبب حرب، أو خطأ فردي، أو كارثة طبيعية كالزلازل والأعاصير والفيضانات، التي يمكن أن تحدث هنا وهناك، في الأرض أو البحر، بل يمكننا القول أن هذه الأسلحة النووية قد منحت الإنسان، ولأول مرة، القدرة على تدمير نفسه بنفسه، وخلال ساعات معدودة، وعلى سبيل المثال إن تفجير 1،. % من ترسانة العالم النووية يكفي لإحداث انهيار هائل في الزراعة العالمية وانتشار هائل للمجاعة



لقد أدرك الإنسان الآثار الإنسانية الكارثية والمأساوية لاستخدام الأسلحة النووية في "هيروشيما" و"ناجازاكي"، فسرعان ما أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في 5 أيلول/سبتمبر 1945، أي بعد أيام فقط، عن تطلعها إلى حظر الأسلحة النووية في العالم، وكذلك دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى حظر الأسلحة النووية في عام 1946.



في الذكرى 67 لتدمير هيروشيما وناجازاكي، تشهد المدينتان هذا العام فعاليات دولية غير مسبوقة لوسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية والمحافظين والبرلمانيين بالإضافة إلى جمعيات الهيباكوشا اليابانية (الناجون من هيروشيما وناجازاكي)، وغيرها من المنظمات التي ترفع في هذه المناسبة شعار: (لانريد هيروشيما أخرى)، و (لانريد أسلحة نووية في العالم).



نعم.. استخدمت المنظمات الإنسانية والحقوقية، لاسيما الحملة العالمية للقضاء على الأسلحة النووية (آيكان) هذه الحقائق المتعلقة بالآثار الإنسانية الكارثية والمأساوية لاستخدام الأسلحة النووية في "هيروشيما" و"ناجازاكي" في الدعوة للتوصل إلى اتفاقية دولية تحظرها وتعمل على التخلص منها، مؤكدة أن بقاء هذه الأسلحة أشد خطراً من أي كارثة أخرى، كما أن الاستنزاف الهائل للموارد الاقتصادية والذي يزيد عن 105 مليار دولار تنفق سنوياً على صيانتها وتحديثها، يمكن توجيهها لتحقق الكثير للإنسان والمجتمع العالمي في مواجهة الفقر والجهل والمرض، وفي بناء بيئة مستدامة تنعم بها البشرية.



وهكذا أثمرت هذه الرسائل الإنسانية في تعزيز موقف الرأي العام تجاه هذه القضية من أجل حث حكومات العالم على التوصل إلى الاتفاقية المنشودة التي استجابت لها أكثر من 146 دولة. نعم إنها رسائل الضمير الإنساني، رسائل تستحق أن نبذل لتحقيقها كل ما نستطيع، فالإنجازات العظيمة تبدأ دائماً بخطوات صغيرة.



لا يسعنا في هذا اليوم، الذي يصادف الذكرى السابعة والستين لتدمير هيروشيما إلا أن نطالب منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم، ووسائل الإعلام، والحكومات أن تعمل معاً على دعم جهود حظر هذه الأسلحة عالميا لأنها الخطر الحقيقي الذي يهددنا جميعاً، وتأييد إطلاق مفاوضات دولية لإنجاز اتفاقية شاملة تحظر تصنيع وحيازة واستخدام الأسلحة النووية، وتضمن التحقق والالتزام الكامل قانونيا بتفكيك وإنهاء الأسلحة النووية من قبل جميع دول العالم، لأن التخلص منها هو الأمن الحقيقي للبشرية جمعاء في الحاضر والمستقبل. مع أهمية العمل على تحقيق عالمية المعاهدة في الشرق الأوسط وإخضاع كافة المنشآت النووية والبرامج النووية فيه للضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية.



وهنا أستذكر قولاً أعجبني: "من يمتلك سلاحاً نووياً، يكون قد خرق ثلاثة فئات من القانون: قانون الله، وقانون الإنسان، وقانون الطبيعة"



د. غسان شحرور

منسق الشبكة العربية للأمن الإنساني

[email protected]
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 06:04 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-15986.htm