صنعاء نيوز/الكاتب علاء الريماوي -
في حكاية الأسير مع الذكريات وجع لا يغادر مع الأيام ولا يحتال عليه بمفاهيم النسيان ، في عتاب يتكرر من زوجات الأسرى " زوجي دايما سارح " أي شارد الذهن وإن تحدث قص لنا من الحكايا عن جراحات المعتقل .
في الأمس كانت لي حكاية أعادة أجوء الذكريات الى واقع من خلال لمة كريمة على مائدة إفطار كان فيها أخوة قضينا معا في السجن عديد السنوات الطويلة ، في حديث الشوق والذكريات سرق المعتقل وحكاياه جل اللقاء وكان من الضرورة حسم الموقف في الإنتقال الى موضوع يقلل الحزن الذي ظهر على الوجوه .
في نهار ذات اليوم جمعتني أقدار الله في السوق مع أبناء صديق حكمته إسرائيل آلاف الاعوام ، في سؤالي عن الأحوال كانت بغية تجولهم شراء ملابس العيد قبل ازدياد الزحام عليها .
هذه المواقف جعلت قلمي يتسمر على إيقاع حزين من الايام السالفة لأبحر في فضاء الفرح المغادر يوم العيد .
في أيام العيد تتفتق مشاعر الحب وتتلاقى الأرواح في موكب من النقاء العذري الذي لا يتكرر في الأيام العادية ،الأم والوالد ، الأطفال والشيوخ ، النساء والرجال ، الصغار والأجنة في البطون ، تلمح في سجيتهم أغنيات الفرح الذي يشترك فيه البشر من غير تخطيط ولا دجل تقارب مكذوب .
في وطني لأفراح العيد سمة حاضرة بين أهلها فترى بهجة العيد على وجه النصراني في عيد المسلم وعلى العكس، ليصبح من يشارك بالحضور في ليالي بيت لحم يوم مولد المسيح عليه الصلاة والسلام من المسلمين ما يوازي الحضور من النصارى في ذلك اليوم .
هذا الشعور الإنساني المتبادل يظل الحاضن الفعلي للسلم والالتقاء مع الآخر على قاعدة الضمان للحرية والأمن، في الوجود والمعتقد والكينونة المرتبطة بالكرامة .
هذه القاعدة الفلسطينية جسدها الأسير في حياته من خلال أيام المعتقل التي جمعت فيها الطيف الفلسطيني كله يمينه بيساره ومسلمه بنصرانيه ،حتى باتت كلمات الجرح تتحد في عبارة المعايدة حين يكتب الأسرى عشقهم للاهل والمعايدة رسائل .
في الحديث عن الرسائل كانت العادة في السجن الصهيوني أن نكتب مشاعرنا يوم العيد على الورق من خلال رسائل حرص السجان على قراءة تفاصيل شوقنا الموجه للأهل والأحبة ، فيصادر منها الكثير ، ويمنع ويشطب ويمزق المتبقي النادر وإن سمح لبعض الكلمات المرور فيحتاج ذلك إلى الصليب الأحمر لنقلها لتصل بعد عام أو أكثر في كثير الحالات .
في ما مضى من أعوام كانت أيام الثلاث من العيد والتي نطوف بها بيوت بعض الأصحاب من الأسرى المؤبدات الذين بلغت أعوامهم من حرمان العيد لأكثر من عشرة بل بعضهم وصل ربع قرن دون انشغال أحد بجرح أولادهم وأمهاتهم والنساء . .
عبد الله وبلال البرغوثي ، إبراهيم حلبيه ، رشدي ،تامر ، عبد الكريم ، ظافر الريماوي ، الشيخ صالح ، وآلاف من إخوانهم الذين كتب لهم الأولاد والأمهات رسائل فيها أن طيف الذكريات قد تعب لطول الزمان الحزين ، وأن العيد قد منعته الدموع عن الأبواب ، وان جرح الطفل علق البهجة مع الألعاب على حائط الصمت الذي لم ينته معه الحلم بقبلة مسروقة حتى لو كانت من وراء جدار .
في يومي الأول مع العيد في السنة قبل الماضية والتي لم أكن فيها أسيرا شاهدت تالا الصغيرة ، تزين ثوبها الأبيض ، تحمل في مساحة كفها الناعم رسماً لوالدها المكتوب عليه صبراً لن يطول الأسر .
كانت المشاهدة قاسية حين تذكرت عماد القواسمي الأجمل وهو يقلب ذكرياته الممتدة مع 15عاماً لأولاده وهم يكبرون ،
ويشتد عودهم بعد أن كان زرعه يشق الحياة رقيقا يخشى عليه من نسمات الهواء .
في ساعتها خشيت مشهد على تالا و أخواتها ، لذلك أردت للصورة هذه الوصول إلى كل متعاطف مع الأسرى ، و للإنسانية التي يجمعها الفرح بالعيد ، والبكاء على المصائب ، أن الفلسطيني تعب من دفع الدم الذي يزيد عن بحر زاخر لا ينضب ، ومن الدمع الذي يبتز قطرات المطر ..
لذلك ولفهمي نصيحة للمتعاطفين مع (إسرائيل) التي تبحث في أوراقها نصرة على نووي إيران ، والصواريخ العابرة من سيناء الى غزة ، لبنان ، تقول " لن ينهي موجة الحقد الذي يسكن قلب المقهور و الذي قد يجن ساعة وجع ، فيرى جنونه على شكل دم منثور في الطرقات ، وحين السؤال عن السبب سيسهل الرد ، من العراقي المذبوح ، والأفغاني المحروق ، والفلسطيني المعذب أن الظلم لا يغادر النفوس ، وأن ساعة ثأره لا تفهم مبررات العقل ولا منطق الفلسفة وحروف البلاغة . .
وقبل الختام قد يحسن الساسة الإبتاسمة و في تخطيطهم لإجازة العيد قد يكون الاختيار ، أوروبا ، تركيا شواطئ شرم الشيخ ، و ستوثق الكاميرات الصور ، ومعها قد يبدع الشف المصري تقديم الطعام ، لكن لن يفلح كتبة الساسة إخفاء جراح العيد من ملفات وطني و أوجاعه التي لن يداويها غير الفعل الذي يرى فيه الغائب المأسور في بيته عزيزاً آمناً في وطن لا يبتلع الفرح . |